Foto: Joe Pohl
09/03/2024

العلاقات اليهودية الإسلامية في ألمانيا خلال أوقات الأزمات

“تعد المدارس والمؤسسات التعليمية بشكل عام، إلى جانب الاسرة، من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فيها يجتمع الأشخاص من سياقات اجتماعية مختلفة وخلفيات ثقافية ولغوية ودينية متنوعة للتعلم من بعضهم البعض ومع بعضهم البعض”. بهذه الكلمات أوضحت د. كارين فاخ، عميدة جامعة هايدلبيرج للتعليم، أهمية استضافة مؤتمر “ما بين الصراع والحوار: العلاقات اليهودية الإسلامية في ألمانيا في أوقات الأزمان”. كما شددت على أهمية دور المعلم في إيصال رسالته التعليمية. المؤتمر أقيم في السادس من الشهر الجاري، بمشاركة الأكاديمية الإسلامية/ هايدلبيرج، ومكتب الدولة لتكافؤ الفرص في هايدلبيرج، وبالطبع جامعة هايدلبيرج للتعليم كمنظمين. أدارت النقاش ياسمين صويلو، مديرة الأكاديمية الإسلامية.

اليمين المتطرف، معاداة السامية، معاداة المسلمين، والحوار!

هدف المؤتمر، كما جاء على لسان السيدة ستيفاني يانس، عمدة الشئون الاجتماعية والتعليم والأسرة وتكافؤ الفرص لمدينة هايدلبيرج، إلى تعزيز التماسك الاجتماعي في وقت يتعرض لأقوى هجمات اليمين المتطرف. وأضافت أنه بقدر صعوبة الحوار اليوم، بقدر أهميته وضرورته. كما أشارت كارين فاخ بأن كلاً من اليهود والمسلمين معرضون لعمليات تحول وتغيير ديناميكية تتعلق بحركات الهجرة الحالية والمستقبلية، بالإضافة إلى زيادة الأطفال من “ذوي الخلفية المهاجرة”.

أما فيما يتعلق بخطر اليمين المتطرف وعلاقته بعلاقة اليهود والمسلمين، فقد أشار د. دورون كيسيل، المدير العلمي لقسم التعليم بالمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، بأنه على كل من أبناء الديانتين أنهما في خطر حقيقي قادم من الدوائر الشعبوية في ألمانيا وكونهما الأكثر عرضة للإقصاء والتهجير “فليس من الضروري دائمًا أن ينتهي الأمر في غرف الغاز، فيكفي أن يتم طرد الناس”. وليتضح تشابك الأمور بشكل آخر، رصد مكتب الدولة لتكافؤ الفرص بمدينة هايدلبيرج، وفقًا لرئيس المكتب دانييل كوبليك من خلال لقاءات مع بعض الطلبة، تعرضهم لأفعال معادية للسامية كأن يبصق عليهم البعض في السوبر ماركت والمقاهي.

في سياق متصل وردًا على تساؤل بخصوص دور التفسير الأصولي للنص القرآني في كراهية اليهود، أجابت فهيمة أُلفت محذرة من قراءة النص القرآني بمعزل عن سياقه التاريخي قائلة: “أحيانًا يقدم القرآن اليهود بشكل إيجابي جدًا أو العكس، وفقًا للظرف التاريخي”، وبالتالي من الخطر الاعتماد على هذه التصورات بشكلها الحرفي. على الجانب الآخر وبخصوص خطر التمييز ضد المسلمين الذي تلى ٧ أكتوبر، أشار دانييل كوبليك إلى أنه في نفس الوقت تم رصد سلوكيات أخرى معادية للمسلمين في هايدلبيرج، خاصة بعد ٧ أكتوبر على شكل ممارسات تمييزية من قبل بعض زملاء الدراسة.

لماذا اليهود والمسلمين؟

كما أشارت د. فهيمة أُلْفَت، المدير المشارك لمركز البحوث اليهودية الإسلامية واستاذ التعليم الديني الإسلامي بجامعة توبنجن، إلى أن ما وصفته بالهجوم “الإرهابي” لحماس على إسرائيل قد أثر بشكل غير مسبوق على علاقات اليهود والمسلمين في ألمانيا حيث ذاب العالم، مجازيًا معًا، وأصبحت المسافات الجغرافية أقل أهمية.

وأشارت ألفت إلى أن الهجمات المتأخرة على المعابد اليهودية في برلين من قبل بعض المسلمين، ساهمت بإعادة تقديم الصراع في الشرق الأوسط على أنه صراع ديني، كما أدت الهجمات إلى خلق العداء والتوتر بين أبناء الديانتين، ما أدى باليهود في ألمانيا إلى الشعور بالخوف خاصة من المسلمين. ورغم تأكيد ألفت على أن الصراع جزءًا منه دينيًا وبقيته متعلق بالصراع على الموارد وتقرير المصير، إلا أنها لم تستفيض بخصوص هذه النقطة.

وأضافت بأنه كما يمكن للدين أن يتم توظيفه لتأجيج مثل هذه الصراعات. يمكن أيضًا أن يكون أداة للوساطة والتفاهم، ومن هنا تأتي أهمية الحوار بين أبناء الديانتين. أما د. هافا إنجين، رئيسة مركز هايدلبيرج لأبحاث الهجرة والتعليم العابر للثقافات بجامعة هايدلبيرج للتعليم، عزت اهتمامها بالحوار بين اليهود والمسلمين وخاصة على مستوى التعليم إلى سببين أساسيين، الأول وهو خلال زياراتها المختلفة لبعض المؤسسات التعليمية كان الجميع يوجهون تساؤلات من طبيعة: من بدأ؟ من يقع عليه اللوم؟ وغيرها من الأسئلة التي لم تصاغ بشكل صحيح. والسبب الثاني والمترتب على الأول، هو أن كل من اليهود والمسلمين يمثلان أقليات في ألمانيا. وشددت على أهمية تبني فهم/ منظور متعدد الجوانب، والتعامل مع واقع أنه لا يوجد حقيقة واحدة بل حقائق.

هل فات الأوان للحوار؟

بينما بدا موقف د. دورون كيسيل مترددًا إزاء نتائج الحوار، نتيجة لما يراه دائمًا من مظاهر الكراهية كرؤيته شبابًا “فلسطينيًا أو تركيًا أو مغربيًا” يصرخون بتمني “الموت لليهود” في شوارع فرانكفورت. بالمقابل، بدا برونو لاندثالر، المساعد بقسم التعليم الديني اليهودي بجامعة هايدلبيرج للدراسات اليهودية، أكثر “إيجابية” كما وصف نفسه. فهو يرى أنه لا توجد مصيبة تكون سيئة للغاية لدرجة ألا تحتوي أيضًا ولو على شيء إيجابي.

كما أكد أنه ربما يجب على المجتمع الألماني أن يدرك حقيقة “أننا مجتمع تعددي وأنه هناك متطلبات معينة لا يتم تلبيتها بعناق بعضنا البعض ولكن بالتحدث إلى بعضنا البعض”. وأشار لاندثالر إلى أنه رغم صعوبة الأمر إلا أنه من الممكن البدء فيه، ليس فقط فيما يتعلق بالدين، بل في التاريخ والفلسفة. ودعا لاندثالر إلى التمتع بنظرة ربما أعمق للأمور حتى إزاء التعامل مع حقوق الإنسان: “عندما أقابل شخصًا ما، لا أقابل حقوق الإنسان، بل أقابل شخصًا، فنجد أن لدينا الكثير خلفنا والكثير أمامنا”. وأضاف بأنه يرغب بالحوار رغم ما قد يكون به صعوبات وإشكاليات، داعيًا للبدء بالتساؤل: ماذا نريد من بعضنا بعضًا، خاتمًا بسؤالين بلاغيين: هل نريد فقط أن نهرب من بعضنا البعض؟ أم نريد إنقاذ السلام في العالم؟ أما فهيمة ألفت فبدت متفائلة، مقدمة مثال لمشروع نلتقي لمزيد من الاحترام والذي يتعاون من خلاله إمام وحاخام لإجراء نقاشات ذات صلة مع طلبة المدارس.

خاتمة

سأختم باتفاقي التام مع كلٍ من برونو لاندثالر، بأنه على المجتمع الألماني أن يدرك أننا نعيش في مجتمع تعددي وعلينا الحوار، وسأعترف بأنني أتبنى ما نادت به هافا إنجين من اتباع منظور متعدد الجوانب وإدراك أنه ليس هناك حقيقة واحدة ولكن حقائق. انطلاقًا من ذلك، أحب أن ألفت انتباه الساسة الألمان كي يعيدوا التفكير في إصرارهم على تبني مسألة الرواية الواحدة، ووجهة النظر الواحدة، والرأي الواحد، أو الآراء المختلفة وفقًا لسكريبت الحكومة، عليهم أن يتذكروا أنه، والحمد لله، أننا كبشر بتاريخنا، برؤانا، بفهمنا للواقع، أكثر تعقيدًا من أن نسير في الشوارع نكرر ما تريده قصة واحدة.

هذا التعقيد يأتي معه أيضًا احتمالية أن يتزامن بدء مأساة مجموعة ما مع نجاة مجموعة أخرى، مع الاعتراف بآلام وخسارات المجموعتين، وعدم التقليل من أي منهما، بل والاحتفاظ “بتميز” كل منهما. هنا، وهنا فقط يمكن لحوارِ أن يبدأ عوضًا عن أن ينجح. أؤمن أن منظمي المؤتمر صادقين ولدي أمل كبير في نجاحهما، ولذا أوصيهم بما يلي وانطلاقًا مما سبق: خففوا من التركيز على مسألة الدين، فأخشى أن تنتهوا في دائرة تديين الصراع أكثر من المتطرفين أنفسهم بينما تحاولوا نزع الصبغة الدينية عنه. وبناءًا عليه، ربما من المفيد السماع لغير المسلمين من الفلسطينيين أو للفلسطيننين لمجرد كونهم فلسطينيين، مع كل الاحترام لمسلمي ألمانيا. وأخيرًا وليس آخرًا، عندما يقوم متحدث بشطر التاريخ إلى نصفين والتركيز على نصف واحد فقط كانت فيه بلد كمصر مثلًا “الشرير”، تقتضي فكرة الحوار وببداهة، لدعوة أحد الأكاديميين المصريين ليروي ما يتخطى كونه جانبه من القصة إلى النصف الآخر من التاريخ المروي..

Foto: Joe Pohl

Foto: Joe Pohl

  • نص لـ أسماء يوسف