Photo: Thomas Lohnes - EPD
12/03/2020

أوروبا بين الأمن القومي و حقوق الإنسان

بغض النظر عن صحة الجملة التي تنسب إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كامرون (عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي.. فلا يحدثني أحد عن حقوق الأنسان)! إلا أنها صحيحة من حيث التطبيق العملي في الواقع، فلا يستطيع أحد انكار أن الدول الأوربية هي في طليعة دول العالم بتطبيق ونشر حقوق الإنسان، إلا أنها عندما تصبح تهديد لأمنها القومي ومستقبلها.. تنساها وتلتفت لمصالحها!

الكل شاهد الصور وأشرطة الفيديو، التي تظهر شباب شبه عراة، على الحدود التركية اليونانية، ويقال أنهم دخلوا اليونان إلا أن السلطات هناك اعتقلتهم، وصادرت ما بحوزتهم ثم أعادتهم بالملابس الداخلية! والملفت للنظر أنه لم يصدر أي نفي من السلطات اليونانية، وكأنها تريد القول: نعم أنا فعلت ذلك وكل من يتجرأ على تخطي الحدود سيلقى نفس المصير!! لكن كيف لدولة عضو في الإتحاد الأوربي أن تفعل ذلك، وماذا استجد عن السنوات السابقة عندما كانت فرق الإنقاذ تنتظر اللاجئين على الحدود كي تقدم لهم المساعدة والإرشادات التي توصلهم إلى الدولة المبتغاة.

اليونان درع أوربا!

بالحقيقة يبدو أن الدول الأوربية قد وصلت إلى العتبة التي لا تسطيع التحمل فوقها، وإن دخول المزيد من اللاجئين وخاصة المسلمين سيكون تهديد لأمنها القومي وليس المقصود هنا الخطر الديمغرافي، أي ازدياد نسبة المسلمين بين السكان، فهذا لا يدعو للقلق بالنسبة لهم على المدى المنظور، ولكن الخطر الحقيقي هو ازدياد شعبية الأحزاب الشعبوية التي ما فتأت تستخدم موضوع اللاجئين، والإسلام كفزاعة تخيف بهما الأوربيين، واستطاعت استقطاب أعداد كبيرة من جمهور الناخبين، بعد أن زرعت في رؤوسهم مخاوف مبالغ بها! مما جعلهم يصوتون لهذه الإحزاب حتى لو لم يقتنعوا بها. وهذا ماحصل في عدة استحقاقات انتخابية جرت في أوربا بعد عام 2015، وفي آخر سنة بدأت شعبية هذه الأحزاب تنخفض مع تضائل أعداد اللاجئين القادمين إلى أوربا. ويرى حكام أوربا أن السماح بدخول اللاجئين كما حصل عام 2015، هو إعطاء فرصة ذهبية لهذه الأحزاب حتى تطغى على المشهد السياسي في أوربا، لذلك وقفت بحزم لمنع دخول اللاجئين. وهذا يستشف من تصريحات رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين التي وصفت اليونان بأنها (درع أوربا الواقي)، هذا التصريح صدر عن مسؤولة تنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي الذي كانت تترأسه أنجيلا ميركل أو الماما ميركل كما سماها عدد من اللاجئين، لا بل ميركل نفسها صرحت قبل أيام أن أوروبا 2020 غير أوروبا 2015! لذلك لن يجد المواطن الأوربي نفسه مضطراً لانتخاب الأحزاب الشعبوية، إذا كانت الأحزاب التقليدية (تقوم بالمهمة المطلوبة).

يضاف إلى ذلك الطريقة الوقحة التي يتعامل بها أردوغان بموضوع اللاجئين، حيث يعتبرهم دائما كورقة ضغط على الأوروبيين، خاصة في المرة الأخيرة وكأنه يقول للدول الأوربية: “سوف نستغل نقطة ضعفكم المتعلقة باحترامكم لحقوق الإنسان، ونرسل لكم لاجئين”. إلا أن الرد الأخير كان من الاتحاد الأوربي: لن نسمح لحقوق الإنسان أن تكون نقطة ضعفنا، ولن نسمح لأردوغان أن يستمر بهذه اللعبة، حتى وإن أضطر الأمر أن تتشوه سمعة أوربا، بالمجال الإنساني!

كورونا زاد الطين بلة!

هو ليس السبب إلا أن حالة الهلع التي أصابت العالم بسبب المرض المنتشر حالياً جعلت زعماء أوروبا، في موقع أقوى أمام الرأي العام لشعوبهم، فلو أن هذه المناظر المتداولة للإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، جرت بغير وقت، لربما رأينا الملايين تتظاهر وتعارض ما يحدث، أما الأن فالشعوب الأوربية غير مهتمة بأمور اللاجئين، بقدر اهتمامها بحماية نفسها، لا بل إن الرأي العام قد يساند الإجراءات اللإنسانية بحجة أن حكوماتهم تحميهم الآن من الفيروس الذي قد يحمله بعض اللاجئين..

في النهاية لابدّ من إعادة النظر بقوانين اللجوء وغيرها، فليس من المعقول أن يدفع الأبرياء، ثمن المناكفات السياسية بين الأطراف المتصارعة، فمهما بلغ الأمن القومي أو المصالح الإستراتجية من أهمية، يجب أن لا تكون أهم من حياة البشر وكرامتهم.