Photo - Asmaa Yousuf
12/05/2018

عيد الأم.. من نضال المرأة إلى بائعي الزهور والطناجر

من امرأة نادت بيوم للأم بدافع نضالي في أمريكا، إلى الدعوة إلى تكريم الأم إنطلاقًا من خلفية دينية في العديد من الدول ومرورًا بتخصيص يوم للأم نتيجة إلهام سيدة متفانية للأخوين أمين في مصر، وليس انتهاءًا باستغلال يوم الأم من قبل النازية في ألمانيا.

تشييء مشاعر الامتنان وفقًا لقانون السوق

كانت مشكلتي مع عيد الأم في مصر تتمثل في أولًا: البعد التجاري للمناسبة، حيث يطغى السلوك الاستهلاكي على المناسبة، مثل بقية المناسبات الشبيهة كعيد الحب، لتتحول المعاني الإنسانية ومشاعر الامتنان إلى مجرد مناسبة لم تتركها الرأسمالية تمر دون تلويثها وتعريضها لقانون العرض والطلب في سوق لا يعرف الرحمة ويحول كل معنى جميل إلى شيء مادي لن يمكنك منحه إلا إذا امتلكت ثمنه. وتتحول مناسبة عيد الأم من يوم نقول فيه شكرًا لأمهاتنا إلى عبء يفكر فيه الفرد في ثمن الهدية حتى أن بعض البيوت تشهد غضب بعض السيدات لأن زوجة ابنها لم تأتيها بالهدية التي تليق بمقامها وغيرها من الأمور المشابهة، كل هذا في مجتمعات إما تعاني الحروب أو تتجه بسرعة نحو الفقر وارتفاع معدلات البطالة وغيرها من المشكلات الاقتصادية، لينقلب الهرم الوجداني للناس بشكل مذري يتناسب مع مع حالة عدم الاستدامة التي تجتاح كل شيء ويختزل اليوم في مناسبة شرائية، وتقتصر مشاعر الحب للأم على هذا اليوم ليذهب بعدها كل إلى مطحنة الحياة وينسون أمرها ليعودوا إليها في العام التالي بهدية أغلى ثمنًا هذا إن كانت ما تزال الأم على قيد الحياة.

من مسيرة السلام إلى عروض الطناجر

وأما ثاني أسبابي لتحفظي على عيد الأم قبل ذلك فكان عائدًا لقيام المحال التجارية بتكريس صورة نمطية معينة للأم وهي  وهي الأم في المطبخ (الذي لا أقلل من شأنه أبدًا) لكنني أتحدث عن ترسيخ تلك الصورة في العقول الجمعية العربية، وما يزيد من حزني أن أول مناسبة نودي فيها بتخصيص يوم للأم كانت من خلال الشاعرة الأمريكية المناهضة للعبودية Julia Ward Howe والذي أرادته من أجل مشاركة النساء في مسيرات السلام وذلك في عام 1872، لينتهي بنا الأمر لتخصيصه لعروض الحلل أو الطناجر (باللهجة السورية)، فبالإضافة لإشكالية تنميط الأم وحبسها في هذه الزاوية، تعبر هذه النوعية من الهدايا عن مفهوم آخر سلبي وهو تجاهل رغبات الأم نفسها، فالهدية ليست لشخصها وإنما للمطبخ علها تصنع لنا فيها وجبة طيبة، هي نفس فكرة أن الأم تستمد قيمتها مما تقدمه للآخرين، من مدى تفانيها وإلغاء ذاتها من أجل أبنائها بل وزوجها، ومن هنا جاءت للأسف فكرة الأم المثالية في مصر على سبيل المثال.

 الأم في ألمانيا: بين بائعي الزهور والنازيين

شهدت ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي إنخفاضًا ملحوظًا في معدلات المواليد بسبب انهماك المرأة في سوق العمل بسبب التصنيع وسوء الأحوال الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وفتح حوار مجتمعي بين السياسيين والمثقفين حول ضرورة دعم الأمهات، حتى كان عام 1923 تم استيراد فكرة عيد الأم من الولايات المتحدة، وكانت المفاجأة وقتها أن معظم المنادين بتخصيص يوم للاحتفال بالأم هم من الجمعية الألمانية لمالكي محلات الزهور قائلين بأنه يوم قد يعيد توحيد الأمة المنقسمة التي تعاني ظروفًا اقتصادية صعبة. ومنذ ذلك اليوم يعد عيد الأم في ألمانيا يومًا تجاريًا سعيدًا لمالكي محلات الزهور، وكانوا في الماضي يضعون على نوافذ المحلات لافتات تحمل جمل لتكريم الأمهات.

مع وصول النازيين للحكم تحول الأمر من مجرد يوم لتكريم الأم وتشجيع النساء على الانجاب، إلى يوم استغله النازيين في شعارهم العنصري المتمثل في “تشجيع الأمهات على جلب المزيد من أطفال الجنس الآري النقي” وتم جعل اليوم عطلة رسمية عام 1933. بالطبع قوبل هذا التوجه وقتها بالرفض من بعض القوى التقدمية ومن كل من الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية ومن بعض الجمعيات النسوية نظرًا لأنه من شأنه التأثير سلبًا على مشاركة المرأة في سوق العمل، ولكن ما كان من الحكومة النازية عام 1938 إلا أن أوجدت جائزة Mutterkreuz لتشجيع النساء على إنجاب أطفال أصحاء للمجتمع الألماني، حيث كانت الجائزة البرونزية تمنح للأمهات اللائي أنجبن 4 أطفال على الأقل، والفضية لللائي لديهن 6 أطفال والذهبية لمن أنجبت حتى 8 أطفال.

هكذا إذن الأم استغلها الرأسماليون في العالم وقاموا بتنميط صورتها بما يخدم أهدافهم، وجعلها القوميون النازيون في ألمانيا مادة لخدمة أهدافهم العنصرية بل والتوسعية، وخدعتها المجتمعات العربية بشعارات بذل النفس وإفناء الذات من أجل الأبناء والزوج إن أرادت أن تصبح أمًا مثالية يرضى عنها المجتمع.

رغم كل ذلك لا يسعني في هذا اليوم إلا أن أهدي هذا المقال لأمي وكل أم، وأقول لهن: كل عام وانتن بخير أيتها الجميلات.

أمل برلين – أسماء يوسف

Photo – Asmaa Yousuf

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه