منذ انطلاقه في عام 2008، رسم الدكتور عبد الغني الفرزعي، الطبيب اليمني المجتهد في ألمانيا، مسارًا مهنيًا استثنائيًا في عالم الطب. بدأ مشواره بتعلم اللغة الألمانية كخطوة أولى، ثم أكمل السنة التحضيرية (Studienkolleg) التي كانت بوابته لدخول كلية الطب، ليصبح جراح عظام متميزًا. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها، تمكن من التغلب عليها بإرادته القوية وشغفه . يقول الدكتور عبد الغني: “كانت اللغة في البداية أكبر التحديات، إذ لم يكن الأمر مقتصرًا على تعلم كلمات جديدة، بل كان يتعلق بفهم ثقافة بأكملها عبر هذه الكلمات.”
النجاح ليس نهاية الرحلة
بعد تخرجه في عام 2017، بدأ الدكتور عبد الغني الفرزعي مسيرته المهنية كطبيب باطنة لمدة ستة أشهر، قبل أن يتحوّل إلى مجال جراحة العظام. لكن طموحه لم يتوقف عند هذا الحد .يقول: “النجاح ليس نهاية الرحلة.” فقد واصل سعيه للتعلم والتطوير من خلال المشاركة في العديد من الدورات التدريبية، ليصبح طبيب طوارئ (Notarzt) أيضًا.
يعمل الدكتور عبد الغني حاليًا في مستشفى Oberhavel-Kliniken-GmbH بمدينة Hennigsdorf في ولاية براندنبورغ ، حيث يمارس جراحة العظام من الساعة السابعة صباحًا وحتى الثالثة والنصف ظهرًا، طوال أيام الأسبوع. وفي يوم السبت، يتعاون مع شرطة برلين كطبيب متعاقد لتقييم حالة المحتجزين.
شغف للمساعدة
ورغم جدول عمله المكثف، الذي يمتد لثماني ساعات يوميًا، إلا أن شغفه بمساعدة الآخرين يدفعه للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي أيضًا. يقول الدكتور عبد الغني: “لا يمكنني التوقف عن تقديم المساعدة.” لذلك يقوم بمناوبات إضافية كطبيب طوارئ، ليكون دائمًا في حالة استعداد للاستجابة للحالات الطارئة، حتى في أيام العطل الأسبوعية. يذكر موقفًا من إحدى تلك المناوبات: “في إحدى المناوبات، واجهت حالة حرجة… شعرت في تلك اللحظة أنني وُجدت هنا لأُحدث فرقًا في حياة الناس.”
إلى جانب عمله الطبي، ينشط الدكتور عبد الغني اجتماعيًا كنائب رئيس الجالية اليمنية للفترة من 2022 حتى 2024. يقول: “كوني نائبًا لرئيس الجالية اليمنية أتاح لي فرصة توظيف خبرتي الطبية لخدمة مجتمعي بشكل أكبر، وهذا يعزز شعوري بالانتماء والمسؤولية.”
اللغة مفتاح البلد والمجتمع
لم يكن الدكتور عبد الغني مجرد طبيب ناجح، بل كان أيضًا شخصية محورية في بيئة عمله. استطاع بناء علاقات مميزة مع زملائه من خلال الحوارات المفتوحة والتعرف على ثقافاتهم المختلفة. يقول: “الألمان شعب عملي، ولكنهم أحيانًا يترددون في التعامل مع الأجانب خوفًا من سوء التفاهم. ولكن ما أن تبدأ ببناء الثقة، حتى تزول تلك الحواجز.” ويضيف: “اللغة هي المفتاح. اجتياز حاجز اللغة يُجنبك الكثير من سوء الفهم، خاصة أثناء المحادثات غير الرسمية أو عند النكات.”
تعد السياسة من بين المواضيع التي كانت محط حديث دائم بينه وبين زملائه الألمان. ورغم اختلاف وجهات النظر في كثير من الأحيان، إلا أن الاحترام كان دائمًا حاضرًا في النقاشات، مما ساهم في تعزيز الروابط المهنية والإنسانية بينهم. بالنسبة للدكتور عبد الغني، كانت هذه النقاشات فرصة للتعلم واكتساب وجهات نظر جديدة، مما ساهم في توسيع آفاقه. عندما بدأ الدكتور عبد الغني عمله، كان يشعر ببعض التخوف من قبل زملائه الأطباء في التعامل معه. ولكنه يقول: “اضطررت لبذل جهد مضاعف لإزالة تلك الضبابية، عبر فهم عاداتهم وتقاليدهم، سواء في العمل أو حتى في إطلاق النكات .” وبعد سنوات من الجهد والإصرار، يقول: “الآن أقطف ثمار ما زرعته، وأرى أنني استطعت بناء جسور من التفاهم والاحترام مع الجميع.” يختتم الدكتور عبد الغني حديثه بفلسفة تلخص مشواره المهني “النجاح ليس نهاية المطاف، بل هو بداية رحلة مستمرة من التعلم والتطوير. وهذا ما يجعلني أستيقظ كل يوم بحماس وشغف لتحقيق المزيد.”