طاقم عمل فيلم ذنب Foto: Privat
03/06/2023

فيلم سوري جديد يصّور في متحف وسط هامبورغ

منذ حوالي عام تقريباً شاهدت مع مجموعة من الأصدقاء الفيلم السوري “المحطّة الأخيرة“. الذي أخرجه الشاب محمد الشيخ بمساعدة صديقه أحمد بزرتو كمنتج ومنظّم للعلاقات وممثل أيضاً. ما لفت انتباهي يومها بالإضافة إلى العمل بجوانبه الفنية وما حصل عليه من جوائز هو الفرح. فنجاح فلمهما الأول وحصوله على عدّة جوائز كان ترجمة حقيقية لحلم عاشاه وسعيا لتحقيقه. لم يخطر لي يومها أنني سألتقي بهما قريباً، وهو ما حصل فعلاً. فكلاهما يعملان الآن على فيلمهما الثاني  بخطوات واثقة أكثر من ذي قبل. ويبدو أن فيلم المحطّة الأخيرة ليس الأخير بل هو بداية لمشوارهما الفنيّ.

فيلم “ذنب”

بقصة مختلفة تماماً عن فيلمه الأول، المخرج الشاب محمد الشيخ “26 عاماً” الذي يدرس المعلوماتية في جامعة هامبورغ ويحب العمل الفني والإخراج تحديداً، بدأ مع رفاقه بالعمل على فيلم “ذنب”. واختاروا متحف Wasserkunst موقعاً للتصوير. “حاولنا تطوير إمكانياتنا وتلافي الأخطاء التي وقعنا فيها بالفيلم الأول. ومعالجتها بالاستعانة بمحترفين سينمائيين”. بالإضافة إلى الاستعانة بطبيب نفسي مختصّ، لأن الفيلم الجديد يسلّط الضوء على المرض النفسي “الذهان” وما يتسبّب به من هلوسات بصرية وسمعيّة. ويتّفق أحمد بزرتو شريكه الشيخ وصديقه على وجود أخطاء إدارية وتنظيمية في الفيلم الأول وأنهم استطاعوا تفاديها والعمل على تنظيمها.

في زمن السوشيال ميديا!

مع التطوّر التقني وتعدّد الخيارات التي تسهّل صناعة محتوى بإمكانيات رخيصة. يمكن أن تؤثّر على كفاءة الأعمال الفنيّة وتميّزها. لكنّ الرغبة في الاستمرار وحلم السير على السجّادة الحمراء في “مهرجان كان” مثلاً دفع الشيخ إلى الانتظار والعمل على التفاصيل: “حتى لا يبدو الفيلم كعمل هواة فقط. فالسينما تحتاج إلى التفكير بالتفاصيل الدقيقة والعمل بنفس الوتيرة والتصاعد حتى الانفجار الأخير وهو الفيلم”.

ويؤكّد الفنان بسام داوود الذي يعمل كمشرف على الممثل ريمي سرميني بطل الفيلم: “ما أحبّه في هذه المجموعة أنهم يرغبون بالتعلّم ولا يخجلون من طلب المساعدة والنصح. وهم يملكون الموهبة والرغبة وبُعد النظر ولديهم مشروع واضح يحرّكهم لصناعة محتوى يعبّر عن هموم وهواجس الشباب. ويلجأ هؤلاء لأشخاص مختصين يقدمون لهم المساعدة”.

التمويل والصعوبات!

وأمام هذا المدّ الهائل الذي يجتاح وسائل الإعلام. يحتاج أصحاب الموهبة الحقيقية إلى بذل جهد مضاعف لإقناع الجهات الداعمة التي تتلقى آلاف العروض. لكنّ الخطوة الأولى يمكن أن تفتح الباب وتمهّد الطريق. يقول بزرتو “عندما طرحنا الفكرة على sozial behörde وهي الجهة الممولة التي تطرح عليها آلاف الأفكار. كان علينا أن نثبت لهم أننا نعمل على فكرة مختلفة وكان الموضوع صعباً في البداية وأخذ منا شهوراً من العمل على أدق التفاصيل التي علينا أن نكون قادرين على الإجابة عنها”. ورغم أن التمويل لم يكن كبيراً إلا أن العاملين في الفيلم فنانون مستعدّون للعمل من أجل متعة العمل وهم محترفون مؤمنون بالعمل. “لذلك اشتغلوا معنا بظروف لم يعتادوا العمل بها من قبل”.

هل يتعامل الممول معكم كلاجئين أو كمبدعين؟

منذ موجة اللجوء الأولى دعمت الجمعيات والمنظّمات المواهب بكل أشكالها، وموّلت كثيراً من المشاريع. لكن لا يخفى على أحد هنا أنّها غالباً ما أطّرت الدعم بفكرة اللجوء. الأمر الذي يؤرّق كلّ من يفكّر بعمل إبداعي. وهذا ما دفع الشيخ وبزرتو للعمل على الخروج من التأطير. يقول أحمد بزرتو: “بصراحة الموضوع الاجتماعي للاجئين هو جوكر للتمويل. ففي الفيلم الأول ساعدنا هذا الموضوع لأن فكرة الفيلم تدور حوله. لكن فكرة الفيلم الجديد ليس لها علاقة باللاجئين وتدور حول المشاكل النفسية التي يعاني منها فنان تشكيلي”.

ويؤكّد على أنهما استطاعا إثبات قدرتهما على تنفيذ أفكارهما بشكل جيّد وهو ما سهّل عليهما الأمر. بالإضافة إلى التعاون الكبير الذي أبداه كل من شاركهما العمل.

الحظ أم الموهبة.. أم كلاهما معاً؟

ويركّز فيسنتي مارتينا الأخصائي الاجتماعي، الذي يعمل في مجموعة “العمل لمنظمات الشباب متعددة الثقافات في هامبورغ”، على أن الفكرة في كثير من الأحيان تنحصر بخلفية الهجرة الخاصة بهم. وأن “الإمكانات التي لديهم بطريقة أو بأخرى لا تؤتي ثمارها. وعملنا كجمعية شبابية هو تحقيق هذه الإمكانية التي يتمتعون بها. محمد وأحمد شخصان مؤهلان للغاية والفيلم مهم. لكني أعتقد أن الاثنين كانا محظوظين لكننا حقيقة لم نحب هذا الفيلم فحسب، بل حصل أيضاً على الكثير من الجوائز الدولية. وهذا يعني أننا لم نكن مخطئين”.

وذلك لأن عدّة أشخاص في مجلس المدينة يحبون العمل ويدعمون المواهب بشكل كبير. “وإذا كنت محظوظاً بما يكفي لمقابلة هؤلاء الأشخاص. ستستطيع نقل أفكارك لهم”. وهذا ما أكدت عليه كريستيان بواسي الأخصائية الاجتماعية في مكتب رعاية الشباب التابع للدولة بمدينة هامبورغ. “هما حقاً شابان رائعان! وأعتقد أنه من المهم أنهما حصلا على هذا الدعم حتى يتمكنا من سرد قصصهما! أنا من أكثر المعجبين بعملهما”.

الصعوبات والتحدّيات!

تكمن كبرى الصعوبات في الخوف من الفشل. فالحلم كبير جدّاً والرغبة في تحقيقه تدفعهما للقيام بخطوات جريئة لكن حذرة أيضاً. فأحمد يعمل على التنسيق والتواصل على مدار 24 ساعة. سواء من أجل المعدات أو مع المتحف بتفاصيله الكبيرة والصغيرة. وحل المشكلات التي تصادف أحد أفراد العمل. “نحن طالبان جامعيان اضطررنا لإيقاف دراستنا لمدّة فصلين لنستطيع تحقيق حلمنا”.

ومسألة إحضار ممثل من خارج أوروبا كانت أمراً مؤرّقاً لمحمّد وأحمد. حيث وقع الاختيار بعد تجارب الأداء على المخرج المسرحي والممثل ريمي سرميني. وكان من الضروري التواصل مع السفارة التونسية ليستطيع القدوم إلى ألمانيا.

بطل الفيلم وطاقم العمل

أحب سرميني العمل في السينما وعمل سابقاً مع كوثر بن هنية. وترشّح الفيلم لجائزة الأوسكار عام 2021. “فرحت بالعمل لأنني قرأت النص وأعجبني كثيراً ولأنني سأعمل مع شباب من بلدي وأدعمهم. ولأنني أؤمن بأفكار الشباب وأحب مشاركتهم (..) الدور صعب ومسؤولية كبيرة وكنت خائفاً في البداية واشتغلت عليه بهدوء وبطء حتى سيطر على تفكيري وأحببته”.

أما الفنان ربيع السيّد الذي يمتلك رؤية فنيّة وخبرة في العمل “ديكور برنامج افتح يا سمسم بإصداره الجديد للخليج 2015” فقد استمتع بالعمل: “كان عليّ بناء الديكور قبل التصوير بـ 3 أيام. بالإضافة إلى التكلفة والحلول السريعة التي تناسب مكان العمل في المتحف. ومسؤولية العمل كمدير فني للعمل (..) استمتعت بالعمل معهم. فطاقاتهم اللطيفة والإيجابية وحيويتهم ذكرتني ببداياتي وجعلتني أساندهم بكل ما أستطيع. وأتوقع أن تكون النتيجة جميلة ومرضية”.

ولم ينس محمّد أن يوجّه الشكر للجميع ومنهم ريمي الخيمي مسؤولة النحت، محمد خير مهندس صوت، سلمة مدير الإضاءة والتصوير. والفريق الإسباني تيتو وأليخاندرو وميلاني AGJ وهي مجموعة تدعمهم بشكل لوجستي.

متحف الفنون

أنهى أحمد حديثه عن تفاصيل قد لا تظهر في الفيلم لكنها مهمة جداً. “نحن نصور في متحف افتتح منذ عام فقط. و50% مما هو موجود في الكادر، هو عبارة عن تحف أثرية حقيقية ولوحات فنية لفنانين كانوا عرضوها بمتاحف واستطعنا أخذها لتشكيل الكادر”.