Foto: Kholoud Fakhra
25/05/2023

مكتب رعاية الشباب.. حماية لأطفال المهاجرين أم استهداف؟ 

بعد تداول خبر سحب مكتب رعاية الشباب للطفلين السوريين في مدينة “بريمرهافن” مؤخراً، وانتشار مقطع الفيديو المؤلم والموثق لهذا الحدث على وسائل التواصل الاجتماعي، اختلفت ردود الفعل حوله بين من رأى أنه إجراء ضروري لحماية الأطفال، وبين من اعتبره عمليةً مجحفةً تستهدف المهاجرين بشكلٍ خاص.

كيفية التعامل مع قرارات مكتب رعاية الشباب

ولليوم، لا يزال الجدل محتدماً والخوف متعاظماً من التعامل مع مؤسسات الخدمات الاجتماعية في ألمانيا التي تضم أكبر عدد من اللاجئين في أوروبا، وهنا كان لا بد لنا من التوجه لسؤال الخبيرتان في الشؤون الأسرية Frau Najwa Haidar، و Frau Kristin Baumgärtel الاستشاريتان في مؤسسة Beratung und leben GmbH.

عن رأيهما في الموضوع، فأجابت السيدة باومغيرتيل: “تأتي الأمهات إلينا طوعاً ليعرضن مشاكلهن، ونتناقش معهنّ بشكل ودّي للوصول أخيراً إلى حل مُرضٍ لكافة الأطراف. تبدأ مهمتنا بالاستشارة، ثم الدعم والوقاية، فنحن صلة الوصل بينهنّ وبين يوغند امت الذي مهمته بالدرجة الأولى حماية الطفل، وليس سحبه من أهله كما يعتقد البعض”.

تتابع: “نعم، يوجد اختلاف في الثقافات وأساليب التربية بين الطرفين، فليس من السهل أن يرسل الأهل أبنائهم إلى جهة غريبة عنهم لترعى أطفالهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بمصلحتهم، هنا يجب عليهم تقبّل الأمر والاطلاع على كافة مهام مكتب رعاية الشباب وكيفية التعامل مع قراراته المتعلقة بأخذ الأطفال لرعايتهم”.

وأضافت باومغيرتيل: “للأسف، يوجد هناك بعض التعاملات الفردية غير اللطيفة من قبل بعض المسؤولين كما شاهدنا مؤخراً، ففي هذه الحالة لا بد من لجوء الأهل إلى المحكمة لضمان حقهم وحق أبنائهم”.

متى يُمكن لمكتب رعاية الشباب التدخل؟

من جهتها، قالت السيدة حيدر: “يأخذ المسؤولون في مكتب رعاية الشباب أي شكوى يتم الإبلاغ عنها بعين الاعتبار، سواء من المدارس أو الجيران أو حتى الطفل نفسه، خاصةً إذا تم الإبلاغ عن آثار ضرب مبرح، فيقومون بتقييم الحالة معتمدين في ذلك على المعلومات من مختلف المصادر والجهات، كالفحص الطبي، وآراء المعلمين في المدرسة، وأيضاً نتائج زيارة منزل الطفل لإلقاء نظرة على بيئته المعيشية. وعندما يتم التأكد من وجود خطر على نموّه الجسدي والنفسي، ومن عدم مقدرة والديه على تجنب هذا الخطر، هنا.. لا بد من أخذ الطفل تحت الرعاية”.

وتابعت: “نحاول الوصول بالأهل إلى فكرة الاندماج مع الوضع الجديد وتقبّل القوانين الجديدة المختلفة، ولكن من دون التخلي عن العادات والتقاليد والقيم التي تربوا عليها”.

الحالات المستوجبة للتدخل الفوري

أكّدت السيدة حيدر أن التعنيف الجسدي والنفسي الموجّه نحو الطفل، والعنف الممارس داخل البيت سواء أكان بين الوالدين أو بين الأخوة، وحالات الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، وتعاطي المخدرات، وسلوك الطفل العنيف تجاه الآخرين أو محاولاته لإيذاء نفسه، وكذلك سلوك الوالدين السيء كتحريض أطفالهم  على العنف والجرائم، كل ذلك بمثابة جرس إنذار للتحرك الفوري واحتواء المشكلة.

وبعد تحديد عوامل الخطورة، يقدّم مكتب رعاية الشباب بلاغاً إلى محكمة الأسرة التي تُصدر بدورها القرار النهائي في هذا الأمر، بعد إجراء جلسات استماع إلى الأهل والموظفين المسؤولين. كما يتم التأكد بشكل مستمر، حتى بعد قرار المحكمة سحب الطفل، من إمكانية إعادة الطفل إلى حضن عائلته، في حال تغيرت ظروفهم أو تحسّنت بيئتهم المعيشية.

هذا، وتحدد المادة الثامنة الفقرة a، من كتاب القانون الاجتماعي الثامن 8a SGB VIII §، مهمة مكتب رعاية الشباب لحماية الأطفال في ألمانيا، وضرورة تدخّله في حال تعرّضت سلامة الطفل الجسدية والنفسية والعقلية للخطر.

اسأل مجرّب: إياكم وتجاوز الخطوط الحمراء!

وعن التعامل مع مكتب رعاية الشباب، تروي لنا السيدتان زينب خزعل وآفين سالم القادمتان من العراق، تجربتهما. تقول زينب: “كنت خائفة مع بداية وجودي في ألمانيا من عرض مشكلتي إلى مكتب يوغند أمت، لكنني رأيت منهم حب المساعدة والتعاون، فتمسّكت بهم وبقوا بجانبي حتى النهاية”.

وأضافت: “حقيقةً، هم لا يأخذون أطفالنا إلّا بعد نفاد كافة الفرص، لذلك فأنا أنصح كل أسرة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء، والاهتمام بأبنائها والابتعاد عن ضربهم، وعدم إهمالهم، ومتابعتهم في أمورهم المدرسية والصحية”.

أما آفين فقالت: “عندي أربعة أطفال، ولي تجربة إيجابية مع يوغند أمت، إذ قام بمساعدتي عندما أخذ مني طليقي اثنان من أطفالي ورجع بهما إلى العراق، ظناً منه بأني استنفدت فرص البقاء في ألمانيا بعد صدور قرارٍ بالترحيل، وذلك بسبب عدم حصولنا على الإقامة. وتمت مساعدتهم لي من خلال توكيل محامية تولّت أمر الطعن بالقرار، ثم جَرَت الأمور بسرعة، واستطاعوا إعادة أبنائي مع والدهم خلال سبعة أشهر فقط”.

وتابعت: “الآن.. يعيش أبنائي معي، ولا يخلو الأمر من رعاية دائمة من قبل الجهات المختصة مع كل عطلة نهاية أسبوع لتسيير أمور زيارتهم لوالدهم في مكان سكنه”.

قوانين واضحة وسارية على الجميع!

يُشار إلى أن ألمانيا التزمت منذ عام 1992 باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، فكانت الأساس الذي تطورت فيه القوانين الاجتماعية التي تخص حماية الطفل، والتي تفرّعت إلى ثلاث فئات رئيسية، وهي: حق الطفل في الحماية، والحق في المشاركة والتعبير، والحق في الدعم والتعليم.

على أية حال، يوصي الخبراء بأن تكون كل أسرة الرقيب الأول على طريقة تربيتها لأطفالها في ألمانيا، مع مراعاة الاختلافات الكلية في السلوكيات وأساليب التربية بين المجتمعين، فالقوانين هنا تهدف إلى حماية الأطفال وضمان عيشهم وتطورهم ضمن بيئة ملائمة، وهي ليست موجهةً ضد مجموعة بعينها، بل يلتزم بها الألمان والمهاجرين على حد سواء.

الخبيرتان الاستشاريتان على اليمين: السيدة كريستين باومغيرتل وعلى اليسار السيدة نجوى حيدر

  • إعداد وتقرير: خلود فاخرة