حين طرحت سابقاً موضوع التنمّر كظاهرة منتشرة بين الأطفال! وصلتني ردود كثيرة تبحث عن الحلول لهذه الظاهرة التي ترهق الأهل بشكل كبير. وهو الأمر الذي دفعني إلى متابعة الموضوع مع فداء إدريس، المرشدة النفسية والاجتماعية في منظمة دوبامين. والتي بدأت حديثها بمقولة لألبرت أليس عن التشوهات المعرفية عند البشر: “لا أملك أحيانا الخيار في أغلب المصاعب التي تواجهني والتي تحدث في حياتي. لكنني أملك دائما الخيار في كيفية التعامل معها”. ربّما لا يستطيع أغلب الكبار فهم مثل هذه المعادلات وتحليلها! فكيف يمكن للأطفال والمراهقين أيضأ احتمال مثل هذه المواجهات.
مصادر التنمر قد تأتي من داخل الأسرة!
“بطبيعة عملي كثيراً ما تأتيني نساء متزوجات تعرضن للتنمر من قبل أزواجهن أو العكس أيضاً! وقد يعاني الأطفال من التنمر في المنزل نفسه من الأهل وهؤلاء هم أكثر عرضة للتنمر في الخارج”. بل وترى إدريس أن المتنمّر شخص تعرّض سابقاً للتنمر. لذلك يشعر بالنقص الداخلي لأنه لم يتلقَ تربية تمنحه الحب والعاطفة. وهذا يسبّب له جفافاً عاطفياً ويصبح غير قادر على العطاء العاطفي أو مبادلة غيره الاحترام.
ما هو التنمّر إذاً؟
تقول إدريس: “علينا التمييز بين التنمر والانتقاد، فكثير من الناس يعتبرون توجيه الانتقاد كنوع من التنمر وهو مفهوم مغلوط. فالتنمر هو تكرار الأذى اللفظي أو النفسي أو الجسدي! موجود في حياتنا كوجود البكتيريا في الهواء ويجب مكافحته والوقوف في وجهه. لكننا مهما حاولنا لن نستطيع إلغاء التنمر من الحياة، هو موجود في الحياة منذ القدم مثل العنصرية والكثير من المصطلحات الكبيرة في الحياة. لذلك علينا أن نبدأ انطلاقاً من أنفسنا! وقد نتساءل: هل يستحق المتنمّر أن تكون له قيمة في حياتنا؟ وكيف يجب أن نتعامل معه؟”.
تعتبر إدريس أنّ من المهم معرفة من هو المتنمر قبل أن تشكك الضحية بنفسها أو تقلل من تقديرها لذاتها وتشعر بالنقص والدونية. المتنمر شخص لا يحترم الآخرين ولا يحترم الاختلاف، يشعر بالتفوّق والعجرفة والتكبر على الآخرين! لكنّه بالمقابل شخص ضعيف وهشّ من الداخل، قوته تكمن في قدرته على تصيّد أشخاص واستضعافهم من خلال التركيز على نقاط ضعف قد لا تكون واضحة. لكنه يستطيع التعرّف عليها ويتعمّد ذكرها وتضخيمها أمام الآخرين بهدف الحصول على شعور مزّيف بالتفوّق. ويشعر بالسعادة حين يؤذيهم ويتسبّب بألم لهم وهذا ما يغذي قدرته.
ما هي الحلول المناسبة؟
تقول إدريس: “المتنمر قد يستهدف بحالات أخرى أشخاصاً متميّزين جداً ومؤثرين وبارزين ويمتلكون تواضعاً. أو يبحث عن أشخاص يحبون العطاء والمساعدة فيستغلهم! ولذلك يجب أن ندرك طرق التعامل معه من خلال الوعي ورسم الحدود. لذلك من المهم أن يكون العلاج قائماً على رفع مستوى الثقة بالنفس أو تأمين جو آمن مستقر يشعر فيه الطفل بحبّ يمنحه تقديراً لذاته. وهذا ما يحصّنه خارج المنزل، ويساعده على اكتشاف ذاته وتقديرها. وذلك من خلال الحوار وتشجيعه على ممارسة هواياته ومنحه الفرصة لأخذ قراراته بنفسه ومشاركة آرائه الشخصية. وهذا ما يساعده على الخروج من دور الضحية”.
وتتابع: “يجب معالجة الموضوع دون تعليم الطفل آليات تجعله يصبح متنمّراً أيضاً! كأن نفرض قوة القانون مثلاً من خلال اللجوء إلى الأهل أو المدرسة أو الشرطة أيضاً. كما أن تعليم الطفل فنون الردّ قد تمنحه القدرة على مواجهة الاستفزاز”.
خطورة التنمّر الإلكتروني
تعتبر إدريس أن التنمر الإلكتروني هو مجال مشابه لكنه هلامي في بعض الأحيان ولا يمكن الإمساك به أو معرفته! لذلك تهتمّ ألمانيا مثلاً بالملاحقات القانونية التي قد لا تكون موجودة بمجتمعاتنا. ولا يمكن مواجهتها بالتالي إلّا بالوعي المجتمعي وتطوير آليات الدفاع عن النفس وضرورة تفهّم حالة الضحية. لأن عدم التفهّم يمكن أن يؤدي إلى حالات الانتحار التي نسمع ونقرأ عنها كثيراً!
- إعداد: هيفاء عطفة