Bild von Gerd Altmann auf Pixabay
25/04/2022

كيف نحمي أطفالنا من خطر التنمّر؟

أحلم دوماً كـ مارتن لوثر كينغ، أن يعيش أطفالي في عالم لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان بشرتهم، أو بأشكالهم! بل بما تنطوي عليه أخلاقهم وعقولهم. لكنّ ذلك يبدو حلماً بعيد المنال! فالعالم المتحضّر الآن يتجّه نحو المزيد من العنف والقسوة. والأطفال ليسوا بمنأىً عن ذلك العنف، وربّما هم أوّل ضحاياه وأكثرهم تضرّراً! فكيف إن كان أطفالي أمام مرمى نيران تلك القسوة؟

كثيراً ما كنت أتساءل عن السبب الذي يدفع بعض الأطفال لاستخدام العنف اللفظي أو الجسدي تجاه بعضهم! وكثيراً ما عشت حالة من القلق والتوتّر نتيجة سماعي عن حوادث التنمّر التي تحدث بين الأطفال.. لكن أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه، كما يقال!

لحظات قاسية!

منذ فترة عادت ابنتي من المدرسة حزينة، وما إن فتحت لها الباب حتى انفجرت باكية؛ وتحدّثت إليّ بعد إلحاح ودموعها تخنقها كيف يسخر بعض رفاقها من اسمها العربي تارة، من نظّارتها أو لأنها تحبّ القراءة. صُعقنا حين سمعناها تبُثّ ما في صدرها، وحاولنا احتضانها والحديث معها، لكنّ ما كان في داخلنا أصعب من أصفه في سطوري هذه!

تذكّرت حادثة حصلت معي، وكيف استطاعت أمّي حلّ المشكلة، تذكّرت كلماتها الغاضبة حين تحدّثت يومها مع من تقصّد الإساءة إليّ “أتعرف كيف تدافع اللبوة عن صغارها؟ أنا أصبح كاللبوة حين يقترب أحد من أبنائي”! هذه الكلمات كانت كافية حينها لتعيد إليّ توازني، لكنني الآن لبوة نُزعت مخالبها وأنيابها، فلغتي لن تساعدني لأعبّر عمّا كان يدور في داخلي حينها!

استجمعت قواي وما أمتلك من لغتي الألمانية المتعثّرة وتحدّثت إلى معلمتها وإلى المرشد الاجتماعي، وكتبت الكثير من الرسائل لأمهات رفاقها، ويبدو أن تصرّفي والدعم الذي تلقّته سواء في المنزل أو المدرسة كان له دور إيجابي.

مواقف مشابهة.. وأخرى أصعب!

ظاهرة التنمّر بين الأطفال تثير القلق والإحباط، فهي منتشرة بكثرة وتتفاوت درجاتها وطرق التعاطي معها سواء من قبل المدرسة أو الأهل، تقول السيدة هبة: “أذنا ابني كبيرتان قليلاً؛ وبسببهما نعاني من التنمّر منذ أربع سنوات أربع سنوات، لدرجة أنني حاولت إقناعه بإجراء عملية تجميلية فرفض. لكنّ ذلك أثّر على نفسيته، لأنّ حديثنا المتكرّر مع الأهل والمدرسة دون فائدة، ما دفعنا إلى العمل على تقوية شخصيته ودعمه، ورغم أنه تحسّن كثيراً؛ غير أنه مازال يرجع إلى البيت مكسوراً حين يتعرّض لتلك المضايقات”.

المشكلة يمكن أن تزداد سوءاً حين يأتي التنمّر من قبل المعلمين أنفسهم! ففي مدينة دريسدن تحدّثت السيدة ريتا عن تجربتها: “لدينا في العائلة طفل ذو ثمان سنوات، كان وضعه طبيعياً حين دخل المدرسة، لكنه بدأ يكرهها بعد فترة ويعود إلى البيت بثياب متّسخة وممزّقة وحين سألناه رفض التحدّث، لكن حالته ساءت فأصيب بارتفاع حرارة وآلام مخيفة دفعتنا لأخذه إلى المشفى، ليخبرنا الطبيب إنه مصاب بمرض مناعة ذاتية أسبابها نفسية، تواصلنا مع المدرسة وعرفنا أنه يتعرّض للتنمّر من قبل زملائه، ثم أخبرنا أحد الآباء أن المعلّمة تعنّفه وتضربه أيضاً، فتقدّمنا بشكوى لم ينتج عنها شيء، فنقلناه إلى مدرسة أخرى وتواصلنا مع أخصائي نفسي ليتابع حالته، إنه الآن أفضل”.

المدرّسون عرضة للتنمّر أيضاً!

أسباب التنمّر كثيرة وغالباً يتعرّض لها الأطفال من خلفيات مهاجرة، وتختلف ردّة الفعل من طفل إلى آخر؛ فبعضهم يرفض الانسياق للمتنمرين ويحاول حلّ المشكلة باللجوء إلى معلّم الصف أو المشرف الاجتماعي، بينما يتحوّل البعض إلى متنمرين بدورهم ويمارسون ما تعرّضوا له على غيرهم!

لكنّ الغالبية تؤكّد على عدم فاعلية اللجوء إلى المدرسة؛ لأنّ المدرسين أنفسهم عرضة للتنمّر أيضاً وكلامهم غير مسموع في أغلب الأحيان، لذلك تجد السيّدة إيمان أن الحلّ يكمن في دعم الطفل وبناء شخصيته من خلال الإنصات له و تعليمه طرق الدفاع عن النفس. وقد يدعو بعضهم إلى ضرورة إعادة تربية الأهل، فهم السبب في كون الطفل متنمّراً.

الخوف سلفاً!

كثرة القصص كما أسلفتُ سابقاً تثير الخوف والقلق، فحين طرحت السؤال في إحدى المجموعات، عبّرت السيدة هديل عن خوفها: “أصابني الاكتئاب مما قرأت، ابني مازال صغيراً ولم يدخل المدرسة بعد، لكنني لا أستطيع تخيّل ردّة فعلي إذا جرحه أحدهم، قد أبالغ في تصرّفي وربما ألجأ إلى توكيل محامٍ، فأنا لا أقبل أن أتركه ضعيفاً ومكسوراً”.

تعزيز الثقة وتقدير الذات

هذه المخاوف تثير كثيراً من الأسئلة؛ هل ننتظر إلى أن تحصل المشكلة أو علينا أن نحصّن أبناءنا لمنع تعرّضهم للإساءة؟

تقول المرشدة النفسية والاجتماعية، فداء شعبان: “علينا أن نركّز على الدعم النفسي ونعمل على تقوية ثقة الطفل بنفسه وتعزيز تقديره لذاته، فالعظمة الداخلية تمنحه حصانة كبيرة تجاه ما يتعرّض له في الخارج، ولا يحصل عليها إلّا من العائلة والدائرة المقرّبة له”.

  • إعداد: هيفاء عطفة
    Bild von Gerd Altmann auf Pixabay