Photo : Privat
05/11/2021

الشاعرة خلود شرف: مِنح الكتابة تكسر الفجوة بين اللغات!

لطالما لعب الشعراء والأدباء في المهجر، دوراً كبيراً في إغناء الأدب العربي، وإضافة مواضيع جديدة له، وقد ساهمت العديد من المؤسسات الأوربية وخاصة الألمانية بتقديم العديد من المنح الأدبية لشعراء أثبتوا وجودهم في بلدانهم، ومنهم الشاعرة خلود شرف المقيمة حالياً في كامن قرب دورتمند بألمانيا بعد حصولها على منحة كتابة من مؤسسة القلم، تواصلنا في أمل برلين مع خلود وكان لنا معها الحوار التالي

ماذا يعني لخلود شرف أن تكتب الشعر بالعربية وهي تعيش في بلدان لا تتقن هذه اللغة؟

ديوان الشاعرة مترجم للغة البولندية

كتابة الشعر باللغة العربية هو وجودي علماً أني أحاول كثيراً الكتابة باللغة الانكليزية، لكن تبقى اللغة الأم هي الموطن الحقيقي للشعر، حيث تتحرك به اللغة بكل حرية وبتعبيرية عالية دون مواجهة أي حدود أو عقبات بسبب المخزون اللغوي. من تجربتي الشخصية الكتابة ضمن منح دولية تهتم بالكاتب وبالكاتبة وبترجمة كتاباتهم للغة الدولة المستضيفة هو نوعاً ما كسر لفجوة بين اللغتين، خاصة وأن لكل من الكاتب الضيف والكاتب المستضيف خلفيات ثقافية وتجارب كتابية وحياتية مختلفة وحتى المفهوم عن الآلام مختلف.

أتيت إلى ألمانيا بعد عدة منح دولية، ما هي الصعوبات التي واجهتك في هذه البلاد ؟

يبدو واضحا أن دولة مثل ألمانيا تعاملت مع موضوع الهجرة واللجوء على مدى عشرات السنين من مختلف الجنسيات والعقائد، ومع ذلك نجد فجوة كبيرة بين الثقافات تتلخص بتعريف الآخر على أنه غريبوحتى وإن كانت الشخوص من الجيل الثالث لأسرة مهاجرة يطلق عليهم اسم الغرباء وأول سؤال يطرح عليه او عليها من أين أتيت؟ ما هي أصولك؟ويفاجئني كثيرا أن هذه الثغرة تتمثل حتى في التعليم المسمى بالإندماج، للتعريف يتم تعليم اللغة من أين أتيت وأين تعيش؟ أما عن تجربتي الخاصة، تمت دعوتي وكتّاب آخرين إلى أمسية شعرية وثقافية، لكن المفاجئ بالموضوع كان عنوان الأمسيات الشعرية  (Ich war Fremd und Ihr habt mich Beherbergt)، والتي تعني “كنت غريباً وأنتم آويتموني”. لقد  تفاجأت حقيقة من العنوان ليس أنا فحسب بل كل من دُعي إلى الأمسية من أصول أثنية مختلفة، لكني أدركت عندما بحثت عن المعنى بأنها آية من الإنجيل وقد ذكرها السيد المسيح ليبين للذين استقبلوه بأنهم محببين لقلبه.
السؤال: هل فعلاُ كوني غريب أو غريبة في أرض جديدة علي أن أكون كالمسيح ؟، هل على المستضيف أن يتحدث بلساني على أنني المسيح المقدس. أعتقد في النهاية أنا إنسان وأحمل صفات إنسانية. هل سيكون مقبولاً بأن أضع آية من أي كتاب مقدس آخر عنوان لأمسية ثقافية؟.
كان من الأجمل أن يكتب العنوان على سبيل المثال ((كنت غريباُ وسنبني معاً وطنا)) على الرغم من اني لست مع تسمية الغريب إذا كنت أسعى للاندماج. كما أن ثمة بطريركية عالية واجهتني بالرغم من أنني أحاول تعلم اللغة لاحترام مستضيفيّ، ولم أجد أي تعبير يقلل من قيمة الإنسان العقلية ولا الجسدية ولا الفكرية ولا النفسية في الأسس التي تعلمتها باللغة الألمانية الراقية، إلا أنني أتفاجأ بأن الكثير من الرجال يتحدثون معي بفوقية وبقلة احترام وبصيغة أوامر. كما أنه ثمة حكم مسبق على جنسيتي قبل معرفتهم بشخصيتي،وهذا يقلقني ويشكل حواجز حتى لاستخدام لغتي بالكتابة. يؤسفني أن انطباعي ينحو بهذا المنحى.

ما المقصود بهذا المنحى هل لديك تجارب قاسية بسبب جنسيتك السورية؟

 تجربتي كضيفة كاتبة في ألمانيا تختلف عن تجاربي الأخرى فعندما هبطت في مطار دورتموند وأنا مسافرة من كراكوف بعد أن أنهيت منحة استضافتي بها وقدمت لي منظمة القلم في ألمانيا دعوة للكتابة لمدة ثلاث سنوات، أتفاجأ بأن الشرطة أوقفت الطائرة ونادوا باسمي أمام كل الركاب وطلبوا مني النزول قبل الآخرين، لا أنسى كيف كان يناظرني الجميع بنظرة ريبة، كل هذا لأني حملت جواز سفر سوري، أخذتني الشرطة ولم يسمحوا لي بالاتصال أو الحصول على الإنترنت وكانوا يصرخون علي ولم يصدقوا بأني أتيت إلى دورتموند بدعوة رسمية من الدولة الألمانية. وكان الشرطي يقول لي سأرسلك إلى بولندا، ولم يعتذر أحد لي بعدما تأكدوا من أوراقي.

لم تكن المرة الأولى التي تنمرت بها الشرطة الألمانية عليّ فقد فعلوا نفس الشيء معي عندما أتيت من سوريا مرورا بفرانكفورت إلى بولندا مدعين بأني أحمل جواز سفر سوري مزور.والغريب عندما قلت لهم بأني سافرت بجوازي إلى ثلاث قارات، أجابني أحدهم نحن نعلم، لأننا الأفضلشعرت بأني في دعاية جودة فصمتُّ. قد يحدث الكثير من سوء التفاهم بسبب الحكم المسبق على الجنسية أو على المظهر أو اللون أو اللغة، لكن تلعب الترجمات دوراً حيوياً مهماً في ردم جزء من هذه الفجوات على صعوبتها، ويبقى الجزء الأكبر هو لدورات الاندماج ليس فقط أن يندمج الضيوف مع المكان الجديد ومع مستضيفيهم، بل أن يندمج المستضيفون مع تجربة الضيوف وحتى تعلم كلمات مفتاحية من لغاتهم لكسر الجليد.

قصيدة بعنوان مهاجرون” من ديوان رفات فراشة

ديوان “رُفات فراشة”

عبروا الغيب منهكين
وصلتِ الأشجار قبلهم
ومواءُ القطط
والطيور
والأضواء
التي رأوا وجوههم من خلالها في المرآة
والأحلام عبرت خفيفة كريشة
حتى الكوابيس عبرت
وما دونوه على دفاتر وكتب وأبواب..
وما بقي سوى عكازِ أبي
عالقاً على كتفي
فما وصلنا بعدُ إلى معنىً
نحن من صنع الحدود
ونحن من صدّق.

خلود شرف: شاعرة وكاتبة وباحثة وناشطة اجتماعية، من مواليد السويداء جنوب سوريا عام 1981، حاصلة على جائزة ابن بطوطة، صدر لها كتابان مترجمان باللغتين البولندية والإنجليزية، حاصلة على عدة منح استضافة ككاتبة  من ألمانيا وأميركا والسويد وبولندا ولاتفيا.شاركت في عدة مهرجانات دولية ، ترجمت بعض كتاباتها إلى عشر لغات،صدر لها حديثاُ مجموعة شعرية بعنوان أسرار، صدر لها الكترونياً قصة للأطفال بعنوان عالمنا الكبير“. لها مجموعة شعرية بعنوان “رفات فراشة” صدرت ٢٠١٦ في دمشق، مقيمة حاليا كضيفة كاتبة في ألمانيا بدعم من منظمة القلم الألمانية.
لمن يرغب بالتواصل مع الشاعرة خلود شرف kholoud2sh@gmail.com