Photo: Privat
23/10/2021

ليلى والحلم الذي بدأ بموريتانيا وتحقق في ألمانيا!

إذا كنت قد يئست واستسلمت بعد محاولة أو أكثر للتقديم لفرصة عمل أو مقعد جامعي أو فيزا سفر وقوبلت بالرفض، اقرأ قصة ليلى لتعيد التفكير، بل وتتعلم كيف تصل إلى هدفك بقاعدة نجاح واحدة: استمر ولا تستسلم!

ولدت ليلى في موريتانيا لأسرة متعلمة، تربي أبناءها بالمكافأة والتشجيع. وصلت إلى حلمها بدراسة الطب عن طريق تخصص آخر، بعد أن حصلت على معدل لا يؤهلها لدراسته، فالتحقت بالجامعة تخصص بيولوجيا، وتابعت فرصتها بالسفر ووصلت المانيا، وأصبحت مؤهلة للعمل بأكثر من مجال وتخصص.

الإرادة الصلبة

فكرة السفر كانت مسيطرة على تفكير ليلى خلال دراستها الجامعية بشكل جدي، بعد موافقة والدتها مبدئيا على السفر لألمانيا، بدأت بإجراءات التقديم للسفارة الألمانية بنواكشوط قبل تخرجها من الجامعة، وعندما ردت السفارة برفض منحها الفيزا، أبقت الأمر سرا ولم تخبر والدتها حتى لا تلغي فكرة السفر وتتراجع عن تشجيعها. خلال إدارتها لبوتيك والدتها لبيع الملابس النسائية، كانت ليلى تقود سيارتها نحو السفارة الألمانية للمراجعة وطلب الفيزا مجددا، وتأخذ دروسا بأساسيات اللغة الألمانية في نفس الوقت.

وأخيرًا حصلت ليلى على الفيزا دون مقابلة، لتصل في أغسطس 2015، إلى مدينة غيسن الألمانية، وتبدأ فورا بالذهاب إلى معهد لتعليم اللغة الألمانية، وبحكم التكاليف المرتفعة، كانت ليلى تدرس ذاتيا وعبر الانترنت لتحرق مراحل إجادة اللغة عبر المعاهد والجامعات. سخرت كامل ساعات النهار والليل للغة باستثناء أوقات النوم والأكل والصلاة، وانتقلت بين مدينة وأخرى لتحقيق المستوى المطلوب من اللغة للالتحاق بالجامعة.

الاستمرار حتى الوصول

مطلع 2017، أكملت ليلى مستويات اللغة المطلوبة لبدء دراسة الماستر، لكن المفاجأة غير السارة كانت بانتظارها، فشهادة الجامعة الموريتانية غير معترف بها هنا، وأخبروها أنها تؤهلها لدراسة البكالوريوس وليس الماستر. قوبلت ليلى بالرفض من عدة جامعات، والبعض طلب منها دراسة فصول إضافية لتتأهل لدراسة الماستر، لكنها لا تعرف الاستسلام.

بعد رفضها خمس مرات من جامعة ماربورغ قدمت مرة سادسة، فطلبوا منها دراسة اللغة الإنجليزية، وهنا كانت فرصتها للمحاججة بدراستها للغة الإنجليزية ضمن مقررات المدرسة التي تخرجت منها، فتجاوزت المعضلة. في نفس الأسبوع وصلها قبول من جامعتين إحداهما الجامعة التي رفضتها خمس مرات، وعند قراءة رسالة القبول على الهاتف، سالت دموعها فرحا، وارتفعت صرخاتها اللاإرادية التي يطلقها المنتصرون، حتى خافت أن تلفت انتباه المارة من حولها، والتحقت بقسم البيولوجيا الجزيئية أواخر 2017.

عقبات لغوية

واجهت ليلى صعوبة، بل صدمة متعلقة باللغة في أول سنة بالدراسات العليا، ففي الجامعة يتحدثون باللهجة الدارجة وبإيقاع سريع، وفهم المصطلحات مسألة صعبة للغاية، خاصة وهي تعمل وتدرس في نفس الوقت، فخسرت الفصل الدراسي الأول، واضطرت لإعادته! لكنها لم تستسلم هذه المرة أيضا. اعتمدت استراتيجية جديدة: فصل للدراسة، وفصل للعمل، لتحقيق الهدف.

لم تكن تلك العقبة الوحيدة التي عقدت دراسة ليلى وحياتها، فقد أوقفها المرض عاما دراسيا كاملا، كان بالغ الصعوبة، خاصة وهي لم تكشف مرضها لأسرتها حتى لا تخيفهم، لكن لحسن حظها كان المرض قابلا للعلاج دون تدخل جراحي أو كيميائي. عانت ليلى أيضا مشكلة في الاندماج وتكوين الصداقات العميقة مع الألمان، رغم تبادل المجاملات وروح المودة، لكنها تعرف الاندماج بأنه الانتقال من الحديث في المسائل العامة إلى المسائل الشخصية والحياة اليومية وتبادل الزيارات والطبخات، وذلك لم يحدث بعد.

تعددت الخيارات

بعد دراسة أربع سنوات انتهت بالتطبيق العملي، أصبحت ليلى مؤهلة للمضي قدما في أحد مسارين: مواصلة الدكتوراه، أو الاتجاه للعمل وفق تخصصها متعدد المجالات. الآن يمكنها العمل كمخبرية، أو في مجال التغذية وفحص الجودة، أو في مجال التكنولوجيا البيولوجية لاستخراج الأدوية واللقاحات، وهذا هو المسار الأرجح حاليا، فهي ترغب باكتساب خبرة عملية تطبيقية أكثر، لكن لفترة مؤقتة لا تتجاوز خمس سنوات، ستعود بعدها لاستكمال الدكتوراه، وهي المسار الثاني.

بعد خمس سنوات من المعاناة والكفاح الفردي في ألمانيا، تزوجت ليلى في يناير 2020، لتشعر بقيمة الدعم الذي يمكن أن يقدمه شريك الحياة. هناك أمور لم تكن لتتجاوزها إلا بمساعدة زوجها، كالدعم المادي، والذي ساعدها على التفرغ لدراستها، والدعم المعنوي القوي، فهو يدفعها للأمام ويشجعها على إنجاز التزاماتها الصعبة، كما أنه يعزز قناعتها بدوام المحاولة وعدم الاهتمام بكلام الناس خاصة السلبيين.

ستمضي ليلى إلى العمل التطبيقي، وفق نصيحة أستاذتها، وعليه أجلت الدكتوراه وتوجهت إلى العمل، لكن كخطوة باتجاه حلم الدكتوراه.

  • سماح الشغدري
    شاعرة وصحفية من اليمن
    samah.shagdari@gmail.com