Photo: Nadia Al-Naggar
30/10/2020

ناديا النجار.. قصة نجاح يمنية رغم الدروب الوعرة!

حياة حافلة بالعطاء والمثابرة لامرأة يمنية تخطت حواجز وعراقيل شتى، للوصول إلى أهداف كبيرة، فنسجت قصص نجاحها في دروب وعرة، ومليئة بالتحديات! وصلت نادية النجار المقيمة حالياً في ألمانيا إلى أهداف عديدة، جعلتها نصب عينيها، وراهنت على قدرات وطموح امرأة لا تعرف الفشل، وسارت في طريق صعب لإثبات ذاتها.

تزوجت النجار في سن صغيرة، وسافرت مع زوجها المبتعث للدراسة في ألمانيا عام 1995، لكنها لم تستطيع التأقلم مع حياتها الجديدة أكثر من عشرة أشهر، أنجبت خلالها ابنتها الأولى “ريم”، وعادت إلى اليمن! في صنعاء وبعد زواجها وانجابها طفلتها الاولى لم تقتنع نادية بالبقاء في المنزل، وعادت إلى الدراسة بتشجيع من زوجها، ودخلت في تحدٍ لا مجال فيه للتراجع، رغم أن الرهان لم يكن بالأمر السهل، خاصة بعد إنجاب “محمد وليلى” بفترة متقاربة خلال دراستها الثانوية التي نجحت باجتيازها بمعدل مكنها من الالتحاق بالجامعة.

منحة التفوق

اختارت النجار دراسة اللغة الألمانية بجامعة صنعاء لثقتها أنها ستلتحق بزوجها في برلين، ووجدت صعوبة كبيرة بالتوفيق بين رعاية الأطفال والدراسة الجامعية، مما جعلها تتغيب عن الكثير من الدروس، لكن إصرارها على النجاح دفعها لبذل جهد كبير بالدراسة المنزلية، حتى استطاعت أن تلفت انتباه أستاذة ألمانية كانت تدرس في القسم ومسؤولة عن إجراء اختبارات أسبوعية للطلاب لمعرفة مستواهم الدراسي! شعرت نادية بفرحة كبيرة بعرض الأستاذة الألمانية عليها منحة دراسية للسفر لإكمال دراستها في ألمانيا إذا حصلت على علامات عالية في العام الدراسي الأول، ودفعتها للمثابرة أكثر، فاستطاعت التفوق والحصول على المنحة، إلا أنها لم تستطع السفر لأن البعثة كانت مقيدة بسفرها وحدها دون أطفال!

لم تُصَب بالإحباط أو تستسلم، وحصلت على منحة جديدة من وزارة التعليم العالي لإحرازها المركز الأول بالقسم، وبمساعدة من زوجها الذي وقف إلى جانبها في كل خطوة تخطوها وكان كثيرا ما يحفزها، وترك لها حرية القرار واحترم رغبتها ومثابرتها لتحقيق حضورها في المجال العلمي وحاليا بالمجال العملي، وعادت إلى ألمانيا مجددا برفقة أطفالها، لتبدأ مشوار حياة جديدة، وطريق يجب أن تشقه بنجاح متجاوزة الغربة، وأطفال لم يصلوا إلى سن الروضة، وبحاجة لرعاية كبيرة، وضرورة أن تصل إلى مرحلة متقدمة من إتقان اللغة الألمانية، لتتمكن من الالتحاق بالجامعة. في اليوم التالي لوصولها ألمانيا، التحقت بدورات لغة مكثفة، وتمكنت من اجتياز اختبار القبول بجامعة Potsdamer Universität-Berlin-Brandenburg، ودراسة الأدب الألماني والعلوم السياسية بنفس الوقت، كما أتقنت اللغة الانجليزية عند سفرها إلى لندن لاحقاً.

الانحياز لثورة اليمن

بعد عامين من الدراسة الجامعية وجدت النجار نفسها مضطرة لإيقاف الدراسة والعودة إلى اليمن ليتعلم اطفالها اللغة العربية التي لا يستطيعون التحدث بها، ولقيت تفهما كبيراً من الجامعة ومدارس الأطفال! لم يوقف إنجابها للطفل الرابع في اليمن شغفها بالبحث عن المعرفة والخبرة، وعملت ثلاثة أشهر كمتطوعة في وزارة الخارجية اليمنية، لتحصل على الخبرة التي تفيدها بتخصصها الدراسي. اندلعت في اليمن ثورة فبراير 2011 بعد عودتها إلى ألمانيا، فانحازت لمبادئ وفكر الثورة لما عرفته من فساد ومحسوبية تسيطر على مؤسسات الدولة خلال عملها بالخارجية، ورأت في الثورة مخرجا للبلد من الفساد وأملاً لتحقيق تطلعات الشعب في المستقبل الأفضل، فشاركت بفعاليات ووقفات مناصرة لمطالب الثورة والثوار بألمانيا.

انتكست ثورة فبراير بعد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة، إلا أن اليمن وأوضاعها المأساوية لم تفارق وجدان نادية، وانحازت إلى صف المظلومين في كل البلدان، وعند التحاقها ببرنامج الماجستير في العلوم السياسية عام 2015 كان كثير من اللاجئين يقفون على أبواب أوروبا هرباً من الحروب في بلدانهم، فيما تضغط بعض الأحزاب على ألمانيا وأوربا لمنع دخول هؤلاء، فوجدت النجار نفسها المرأة العربية الوحيدة التي تعمل مع بعض طلاب الجامعة ليحثوا الآخرين على مناصرة اللاجئين، ونظموا مظاهرة شارك فيها أكثر من 3000 شخص، وصلت إلى أمام مبنى المستشارة الألمانية، ولم تبرح المكان حتى خرجت المستشارة في اليوم الثاني تصرح بأنها تدارست القضية مع البرلمان، وتوصلوا إلى السماح للاجئين بالدخول ومساعدتهم.

المركز اليمني الألماني في برلين

حصلت نادية على درجة الماجستير في العلوم السياسية، لكن ما تزال لديها العديد من الأحلام الكبيرة والمشاريع التي تسعى لتحقيقها، وتشارك حاليا بتأسيس المركز اليمني الألماني في برلين، لتكون صوت يمني يحمل قضايا البلد إلى العالم، تقول النجار: “المركز يهدف إلى تعريف الألمان بما يدور في اليمن، ونقل القضايا الإنسانية بحيادية، وعمل أبحاث ودراسات تظهر معاناة الناس، وتأثير الحرب على حياتهم وأوضاعهم المعيشية”، وتضيف: “يتعرض أبناء اليمن في الداخل للقتل والتشريد والمجاعة والأمراض، وكافة تبعات الحرب، وعلى كل يمني أن يكون صوتا للسلام وإيقاف العنف”، لكن النجار ترى أن السلام مع وجود الأطراف المتصارعة في اليمن مستحيل، لأن الحرب أصبحت مكسب ومصدر للثراء، وعلى الشعب أن يناضل لإيقاف ذلك!

  • سماح الشغدري
    شاعرة وكاتبة يمنية