Photo: Alexander Dummer
25/05/2020

انتكاسة حقوق المرأة في زمن كورونا!

رجل يظهر نصفه الأعلى بملابس رسمية يجلس أمام كاميرا الكمبيوتر، في الأغلب هو “خبير” بشيء ما في هذا العالم، وإذ فجأة وسبحان الله تتحرك الكاميرا أو تسقط فنكتشف أنه يرتدي بوكسر، أو فجأة وسبحان الله يظهر طفله الرضيع أو حتى المراهق ليقاطعه، أو.. تدخل زوجته بطريقة بلهاء إلى الغرفة ليرتبك الخبير و”يهشها” كي تخرج وتتركه يحل مشاكل العالم، هذه وغيرها الكثير من المشاهد التي نعرف جميعًا أنها مفتعلة لجذب المشاهدات كانت تزعجني في عالم ما قبل كورونا، خاصة تلك التي تظهر فيها الزوجة أو الصديقة البلهاء، كنت أكتفي بعدم الاحتفاء بها.

مع انتشار الفيروس وبقاءنا جميعًا في المنزل، ازداد عدد الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، معظمها يدور حول زوجة موجودة بالمطبخ، زوج يجلس أمام الشاشة في اجتماع عمل، رجل يمارس العنف ضد صديقته أو زوجته ويفترض أنه شيء مضحك، أم عربية تلهث حاملة “الشبشب” وراء أبنائها في المنزل، هذا غير ما امتلأ به فيسبوك من فيديوهات لرجال يقومون بأعمال المنزل على نمط “شاهد قبل أن يفوتك، رجل يغسل الأطباق، أو رجل يعد قهوته” بافتراض أنه من الطبيعي أن المرأة هي من تفعل ذلك، لأكتشف زيادة مرعبة في المحتوى المقدم على السوشيال ميديا والذي يهدف إلى تنميط المرأة.

افترضت أنها مشكلة رداءة المحتوى بشكل عام، إلى أن قامت سيدة بولاية هامبورج بكتابة خطاب إلى حكومة الولاية تطالبهم بدفع مقابل لعنايتها بطفلها خلال فترة كورونا، مرسلة فاتورة بمبلغ 8000 يورو تقريبًا بشكل مفصل، وهنا فوجئت بردود الأفعال التي تراوحت ما بين السخرية منها أو الهجوم لفظيًا عليها من خلال وصفها بالأنانية والمادية، بل وتجريدها من صفة الأمومة، وذلك من قبل الألمان والعرب، النساء والرجال على حد سواء، فلماذا طالبت السيدة بأجرها؟ ولماذا اعترض الجميع؟ بل ولماذا أخشى من الجائحة على حقوق المرأة؟

تراجع مكتسبات المرأة!

قررت منذ فترة شراء الماسك ولدى ارتدائي له لأول مرة انزعجت كثيرًا كوني مجبرة على ذلك، الأمر ذكرني بالمجتمعات التي تجبر المرأة على ارتداء النقاب، بعد يومين بدأت أعتاده، وهو ما أخافني، نعلم جميعًا كيف أن قيود كورونا تؤثر على حقوقنا وحرياتنا التي كفلتها لنا الدساتير والإعلانات الدولية، ولكن إن كان الأمر كذلك بالنسبة لكل من الرجال والنساء، فلم حساسيتي كامرأة؟ يبدو أن الأمر متعلق بخبرة تاريخية تبقى بذورها فينا نحن النساء، ففي كل مرة قرأت فيها جملة أن عالم ما قبل كورونا لن يكون كعالم ما بعده، شعرت أنه هناك شيء ما في عالم كورونا أو ما بعده قد يتهدد المكتسبات القليلة التي حققتها المرأة بعد نضال استمر لعقود، حتى فوجئت بموجز سياسات الأمم المتحدة الذي يتحدث عن تأثير كورونا على النساء والفتيات يفتتح تقريره بجملة كانت أقرب إلى النعي يقول فيها بأن عام 2020 كان من المفترض أن يُحتَفَل فيه بالذكرى السنوية الـ 25 لمنهاج عمل بكين وكان من المتوقع أن يكون “عامًا حاسمًا لتحقيق المساواة بين الجنسين، ومع انتشار جائحة كوفيد 19، حتى المكاسب المحدودة التي تحققت في العقود الماضية تعرضت لخطر الانتكاس. فهذه الجائحة تعمق أوجه عدم المساواة القائمة من قبل، وتكشف ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مواطن ضعف تزيد بدورها من آثار الجائحة”.

النساء معرضات للفقر أكثر من الرجال!

أوضح الموجز أن المرأة هي الأكثر تأثرًا سلبيًا بتبعات كورونا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، حيث أن احتمال عيش النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 و34 في فقر تزيد بنسبة 25% عن الرجال، كما لوحظ أن الموجة الأولى من حالات الفصل من العمل بعد كورونا جاءت بشكل أساسي في قطاع الخدمات كالضيافة والسياحة بالإضافة إلى تجارة التجزئة وهي مجالات تكون نسبة العمالة فيها من النساء أكثر من الرجال، أما ما يسمى بالاقتصادات النامية فالوضع فيه أكثر سوءًا بالنسبة للنساء، حيث أن ما يقرب من 70% من عمالة النساء تكون في الاقتصاد غير الرسمي الذي تنعدم فيه تقريبًا حماية العمالة فيما يتعلق بالفصل من العمل والأجازات المرضية المدفوعة، هذا غير أن عمل معظمهن كان يعتمد على التواجد في الأماكن العامة وهو ما تأثر بشكل كبير بسبب قيود الحد من انتشار الفيروس.

الآثار الصحية والعنف الجنساني

تؤدي ظروف كورونا إلى تخفيض فرص النساء والفتيات في تلبية إحتياجاتهم الصحية الفريدة من أدوية ولقاحات ورعاية أمومة وصحة إنجابية، فمع تكريس قدرات المشافي للتعامل مع مصابي الفيروس ستتأثر النساء بالسلب قطعًا، هذا بالإضافة إلى أن إنخفاض مستوى دخلهن كما تم إيضاحه في الآثار الاقتصادية قد يؤدي إلى عدم قدرتهن على تلبية متطلباتهن من أدوات العناية الخاصة بهن، وتزيد هذه المخاطر بالطبع بالانتقال إلى البلدان الفقيرة. هذا من جهة، من جهة أخرى هناك خطورة كارثية على النساء تأتي من حقيقة أنه وعلى مستوى العالم تشكل النساء 70% من القوى العاملة في مجال الصحة، خاصة في الصفوف الأمامية كالممرضات والقابلات وموظفات الخدمة في المرافق الصحية في أعمال النظافة وغسل الملابس وإعداد الطعام وبذلك تصبح النساء أكثر عرضة للإصابة بالفيروس. هذا غير زيادة معدلات العنف المنزلي ضد المرأة، فوفقًا للموجز زادت نسبة العنف ضد النساء في جميع أنحاء العالم بما يقارب 25%، وفي ألمانيا على سبيل المثال أفاد تقرير نشره موقع تسايت أونلاين بتاريخ 7 مايو/ آيار بأن نسبة النساء اللائي طلبن المساعدة بسبب العنف المنزلي زادت بـ 17.5% عن ذي قبل، وفي برلين وفي الفترة من أول العام إلى 19 أبريل، نسبة زيارات الشرطة بسبب العنف ضد المرأة زادت بنسبة 18.5%، رغم أن ما تم تسجيله أظهر فقط زيادة بنسبة 5%.

أجر للأم مقابل العناية بالأطفال..

“يعد اقتصادنا الرسمي ممكنًا فقط لأنه مدعوم من عمل المرأة غير مدفوع الأجر”.. كبيرة مستشاري الشؤون الجنسانية بالأمم المتحدة نهلة فالجي في حديث لها مع النيويورك تايمز.

بعد أن رأيت ردود الأفعال على مطالب سيدة هامبورج بمقابل رعايتها لطفلها، قمت بإنشاء تصويت على مجموعة مخصصة لذلك بين المصريين يطرحون فيه موضوعات جريئة للنقاش، شارك في التصويت 37 شخص للإجابة على سؤال: هل تقبل بحصول المرأة على مقابل لرعاية الأطفال؟ رفض 28 شخص معظمهم من النساء (19) وقبل 7 أشخاص بينهم 5 سيدات، خلال النقاش هناك من اقتنعوا بعد معرفة أنه من سيدفع هي الدولة وليس الزوج، وهناك من اعتبر أن الأمر مسألة كرامة وكيف لأم أن تتقاضى راتبًا عن العمل بمنزلها، البعض علق بأنها في هذه الحالة ستكون “خادمة” وليست أمًا، أحدهم قال: “عندما يكبر الأطفال سوف يكتئبون لأن أمهم تقاضت أجرًا عن رعايتهم”، فلم نتحدث عن تقاضي المرأة أجرًا عن رعايتها لأبنائها؟ الإجابة تتلخص في جملة نهلة فالجي، ففي الأوضاع الطبيعية هناك اختلال كبير بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بتوزيع أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، حتى في حال عمل المرأة، حيث تؤدي المرأة بشكل عام ثلاثة أضعاف ما يؤديه الرجل، كل هذا عمل غير محسوب يساهم في اقتصادات الدول، ففي كوستاريكا على سبيل المثال تقدر قيمة العمل غير مدفوع الأجر بما يقارب 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا للموجز، وتأتي أزمة كورونا لتعمق زيادة مشاركة المرأة في هذا العمل غير المدفوع، نتيجة لما تطلبه بقاء الأطفال بالمنزل، فإلى جانب روتين الرعاية أصبحت معظم الأمهات تقوم بتدريس أبنائهن، بل وفي حالة إصابة أحد أفراد الأسرة بالفيروس تقوم الأم بالطبع بتقديم العناية كاملة، وغيره من أوجه الرعاية غير المحسوبة، ومع تزايد فترات الحجر ستتزايد هوة عدم المساواة بين الرجال والنساء في هذا الشأن.

ختامًا أنا لا أنكر أنه خلال الأزمة أظهر بعض الرجال استعدادًا لتحمل بعض مسؤوليات العائلة، وقد تكون أزمة كورونا ملهمة للمشرعين ليعيدوا النظر في قوانين المرأة، وقد تكرس الأزمة الوضع البائس للمرأة بمعظم بلدان العالم خاصة في حال تفاقم الأزمة، لأنه وكما اعتدنا سنسمع فقط جملة “الحديث عن وضع المرأة ليس بأولوية ولا صوت يعلو فوق صوت الفيروس”. المهم أنا أتفهم الشعور بالعار من فكرة تقاضي المرأة مقابل رعايتها لأطفالها، ولكن لا أوافق عليه ويجب محاربة هذا الشعور، فالمجتمعات زرعت فينا مشاعر الخجل والشعور بالعار فمنعتنا نحن النساء من ممارسة حياة طبيعية كالتي يمارسها الرجال، عزيزتي المرأة لقد أشعروا جداتك بالخجل من الاستمتاع بأجسادهن، وأشعروهن بالعار عندما طالبن بحق التصويت، كما يشعروكِ الآن بالخجل من تقاض ما هو حق لك، فعلى الأقل لا تقفِ في وجه من تطالبن بذلك بحجة الخجل وأن الأمومة الحقيقية هي تضحية وتفاني واحتراق.. إلخ، مرة أخرى قيمتك تنبع من كونك إنسانة وفقط وستظلين إمرأة وأم وأنت تحصلين على حقوقك، بل ستكونين ساعتها أقوى.