Illustration: Noah Ibrahim
22/03/2020

النكتة في زمن الكورونا.. هل هي “لقاح نفسي”؟

قرأت فيما سبق تعليقاً لشاب مصري على صورة لأطفال يلعبون في بركة تجمع للمياه تشكلت نتيجة الفيضانات التي عمت إحدى المدن بعد العاصفة التي ضربت مصر مؤخرًا، يقول: “في أي كارثة أو وباء يجب أن يفكر الوباء جيدا قبل أن يأتي إلى بلادنا، لأنه بمجرد وصوله سيفقد هيبته” والآن مع انتشار فيروس كورونا العابر للحدود تذكرت هذا التعليق!

لكن رغم كل الخطر والهلع الذي تسبب فيه كورونا لكوكب الأرض، والموت الذي ينشره أينما حل، يبدو أن الناس أفقدوه هيبته بالسخرية وإثارة النكات حوله! مع أنه لم يتوفر للكثير من أهالي الضحايا حتى فرصة أخيرة لوداعهم، نتيجة فرض قيود على الحياة العامة.. النكتة والصور الساخرة ومقاطع الفيديو المضحكة والمركبة لم تشمل أخبار انتشار الفيروس فقط، بل طالت حتى الإجراءات والقيود التي فرضتها الدول.

وسيلة نقد اجتماعي

البعض ربط بين الفيروس والمشاكل السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية في بلاده، واستخدموه وسيلة فعالة للنقد الاجتماعي، فبحسب موقع الجزيرة نت، فإنه على الرغم من كل الأخبار المؤلمة القادمة من إيطاليا، إلا هناك دعابات باتت متداولة بكثرة في إيطاليا منها: “أكثر مكان آمن في روما لا يصله الفيروس هو محطة مترو أنفاق روما، لأن فترة حضانة الفيروس، أقصر من فترة انتظار القطار”، الأمر الذي ينطبق ربما على محطات القطارات الألمانية أيضاً!! ففي ألمانيا مثلاً وبعد تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن الفيروس قد يصيب ما بين 60 إلى 70% من الألمان، قال أحد اللاجئين السوريين القادمين من حمص بسخرية سوداء: “الحمد لله أنني لست ألمانياً!” فيما حمصي آخر -وأهل هذه المدينة السورية مشهورون بطرافتهم وسرعة بديهتهم في إطلاق النكات-، يسأل عن مكان بيع الحجر الصحي في حمص، وكيفية استعماله وكل ظنه أنه “حَجَر” يباع ويشترى ليأتيه الرد من قبل أحدهم بأنه ينبغي ألا يَشغل نفسه بنوع الحجر، فالحجر الصحي هو ذاته الحجر العادي! شرط أن يعقمه بالكحول لمدة نصف ساعة! أما طريقة استخدامه فمثل طريقة الحجر العادي!

لا “شطافات” في تواليتات هذه البلاد

البعض الآخر سخر من حمى الشرّاء التي اجتاحت العالم أيضاً، بالتزامن مع فرض حظر التجول ببعض الدول، في ألمانيا مثلاً تهافت الألمان على شراء ورق التواليت، مما دعا اللاجئين إلى السخرية من ذلك، خاصة أنهم عانوا كثيراً لحظة وصولهم إلى بلاد الجرمان، فلا شطافات في تواليتات هذه البلاد، وطرق النظافة تختلف عما اعتادوا عليه..

يقال إن لاجئا اشتكى فقدان محارم التواليت بالمتاجر الكبيرة والصغيرة، نتيجة هجوم الألمان على شرائه بكثرة مبالغ فيها مؤخرًا، فأجابه لاجئ حمصي: “ممتاز بركي بيعرف الألمان أهمية الشطافة وبيركبولنا ياها بحماماتنا”، الألمان بدورهم أطلقوا النكات على افتقادهم لمحارم التواليت وسخروا على أنفسهم أيضاً فهناك من قال: “ربما تشتري شركة Hakle الألمانية المصنعة لورق التواليت بسبب زيادة مبيعاتها، شركتي آبل وجوجل معاً”.

دعاني تتبع النكتة في زمن الوباء حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية، إلى السؤال لماذا يلجأ الناس إلى السخرية والنكت في زمن الأوبئة؟ رغم أن انتشار الوباء يترافق مع مآسي وخوف يجتاح الجميع، فهل هذا يعود لكون النكتة والسخرية طريقة لتبديد المخاوف من الفيروس الذي بات ينشر الرعب والموت في العالم!؟

الضحك لقاح نفسي

تواصلت بهذا الصدد مع الباحث والكاتب والصحافي السوري الحمصي جورج كدر، الذي أصدر منذ سنوات كتابه المعنون “بحث في جذور النكتة الحمصية”، وهو من الأبحاث النادرة التي تعالج موضوع النكتة ووظيفتها الاجتماعية والسياسية في المجتمع. يقول كدر: “السخرية والنكت لا تقتصر على زمن الأوبئة، بل تزدهر في جميع الظروف الاستثنائية التي تواجه الشعوب، لتخفف آلام الناس، فالضحك هو طريقة فعالة للتنفيس عن الضغط النفسي الهائل الناتج عن الخوف من المجهول، وفي زمن الأوبئة فإن الخطر الذي بات يتهدد حياة الناس يشتد إلى درجة لا تطاق”، وأضاف كدر بمكالمة هاتفية مع أمل برلين: “يقول أفلاطون نحن نضحك من تعاسة الآخرين، ولكني أزيد على ذلك بأننا نضحك من تعاستنا”، ويوضح كدر أن الضحك وسيلة لمواجهة عجزنا، وترميم ذواتنا! ويصلح لأن يكون ما أصطلح على تسميته “لقاحاً نفسياً” يزيد من مناعتنا، فالضحك هو واحد من العوامل المهمة التي تزيد المناعة المطلوبة لمواجهة الأوبئة! فمن غير المنطقي أن ننجوا من الإصابة بالفيروس القاتل، لكن يقضي علينا الخوف منه، أي كورونا! وهو ما نراه للأسف اليوم.

للطب النفسي رأي آخر

أما الطبيب والمعالج النفسي عامر المصري المقيم في ألمانيا يرى أن عبارة “النكتة لقاح نفسي” تعبيرٌ أدبيٌ إبداعيٌ، فاللقاح النفسي بالنسبة له كطبيب ومعالج نفسي يعني تقوية الأنا ووظائفها لتصبح قادرة على مواجهة الأزمات النفسية والاجتماعية. وأضاف المصري: “النكتة بحد ذاتها قد لا تقوي وظائف الأنا، لكن روح النكتة هي مهارة، يمكن تعلمها في إطار وسيلة الدفاع الناضجة المسماة بالتسامي أو التعالي عن الأذيات النفسية، ويمكن استخدام هذه المهارة بشكل إيجابي عند توفر وظائف أساسية للأنا كوظيفة التحكم بالمشاعر، ووظيفة تفعيل الثقة بالسيطرة”. ويوضح المصري أنه دون توفر هذه الوظائف، قد ينقلب تأثير هذه المهارة، ومثال ذلك عندما يبدأ الشخص بتوجيه النكت والسخرية تجاه نفسه وقدراته، مما يزيد في سوء حالته النفسية!

وأشار د.المصري إلى أن ثمة وظيفة نفسية مهمة يجب أن تتوفر عند استخدام مهارة روح النكتة، ألا وهي القدرة على فهم واختبار الواقع!، فكلما ضعفت (واقعية) الإنسان سنذهب مع روح النكتة باتجاه وسائل دفاع أقل نضجاً، كتحييد المشاعر وكبتها وصولاً إلى وسائل دفاع سيئة النضج كالانفصال عن الواقع أو إنكاره أو إنكار الذات!

أما بالنسبة للنكتة والسخرية في زمن الكوارث فيرى د.المصري أنه من الطبيعي أن تتولد عندنا مشاعر سلبية طبيعية كالخوف والغضب والحزن عند الأزمات، وروح النكتة كمهارة ستساعدنا لدرجة كبيرة في التخفيف من حدة هذه المشاعر السلبية، لكنها حماية مؤقتة وجزئية فقط، وسيضعف تأثيرها الإيجابي مع طول الوقت، لذا يؤكد د.المصري على ضروة مرافقة استخدام النكتة مع دعم وظائفنا النفسية الأساسية بأفكار وممارسات تزيد ثقفتنا بنفسنا وسيطرتنا على مشاعرنا؛ لكي نستطيع استخدام النكتة بما يخفف الأذيات النفسية طويلة الأمد الناتجة عن تلك المشاعر السلبية الطبيعية، وهذا ما ينطبق على زمن الكورونا.

في النهاية ربما تكون النكتة وسيلة دفاع نفسية، لكن هذا لا يعني أبداً أن يصل الأمر بنا إلى حد الاستهار والتراخي عن اتباع الشروط الصحية للوقاية أو الاستهزاء والاستخفاف بمشاعر الآخرين، ولا أن نتخلى في الوقت ذاته عن القيام بممارسات وأفكار تساعدنا بشكل عملي على تخطي زمن الكورونا بصحة جيدة وطاقة إيجابية.

Illustration: Noah Ibrahim