Photo: Zee Hartman
12/03/2020

نسوة.. مشروع نسائي سوري “غير تقليدي” في برلين

تكثر المشاريع في برلين وتختلف فيما بينها بقدرتها على استقطاب الناس، فكيف اذا كانت الفئة المستهدفة هي النساء؟ يمكننا  الحديث هنا عن أحد تلك المشاريع والتي نجحت بشكل لافت باستقطاب عدد لا بأس به من النسوة معظمهن فاعلات على الساحة البرلينية. تدير هذا المشروع السيدة مي سعيفان، والتي تركز في لقائنا معها على التمييز مابين مشروع جمعية نسوة- الفصل الأول وجمعية NESWA التي تأسست في بداية 2019 والتي هي اختصار لـ (new empowered society for women activism).

معمل قبعات لعائلة يهودية

مشروع جمعية نسوة -الفصل الأول، هو المشروع الذي تعمل عليه سعيفان، والتي تقول: “يمكنني القول أننا حاولنا العمل على شيء متكامل ومنسجم من الناحية العاطفية، بحيث يكون هناك مكان يُتيح مساحة من الطمأنينة والراحة لإطلاق العنان للمشاعر والأفكار، وكان اختيار مكان لقائاتنا مسألة مهمة فهو مبنى يُعبّر عن صلب الحياة البرلينية المرادفة٬ (البديلة)، حيث يمتلك قصة تاريخية، فقد كان معمل قبعات لعائلة يهودية هربت أيام النازية و فرغ المعمل حينها، ثم في بداية الثمانينات تم احتلاله من قبل مجموعة نسوية ألمانية لأجل إقامة تجمع أنارشي (فوضوي) كتجمع بديل. ومازال هذا المبدأ قائم في هذا المكان حتى الآن، حيث يحتوي على مركز اجتماعي للمنطقة يقومون فيه بدعم الفنانين المستقلين من جهة واللاجئين من كل الجنسيات بشتى الطرق والوسائل”. وأشارت سعيفان إلى أهمية الوجود في مكان ينسجموا فيه ومعه، لا أن يكون أوتيل مثلاً. وتضيف: “المبلغ الذي نستأجر فيه المكان يعود لريع الجمعية ويتم من خلاله تحقيق مشاريع أخرى في نفس المكان تتماشى مع منهاجنا. أنا أعرف هذا المكان وأتعاون معهم منذ أربع سنوات في مشاريعي الفنية. لذلك تربطني أيضاً علاقة عاطفية خاصة مع المكان، ورأيت أنه المناسب لإقامة مشروعنا”.

رعاية للأطفال تتيح مشاركة الأمهات

من المهم الاشارة لوجود جليسة أطفال بحيث لا يتم إقصاء النساء الأمهات، كما نشأت بين الأطفال علاقات قوية، خاصة كونهم من أعمار متقاربة ويتحدثون باللغة العربية مع بعض، وكان لاختيار جليسة أطفال والتي هي نسوية وباحثة ومسرحية زاد من ثقة الأمهات وأدى لتعلق الأطفال بها وبالمكان. وبذلك استطعن المشاركات بشكل عملي تجربة العمل بوجود الأطفال وأنه أمر ممكن وممتع وفيه إضافات، حيث عاش الأطفال تجربة وجودهم مع الأمهات اللواتي عملن بوجودهم، دون ان يكونوا عائقاً على الرغم من صغر عمر الأطفال، ليخوضوا هم أيضاً تجربة مهمة.

المبادرة عوضاً عن الاستغراق بردود الفعل!

جاءت فكرة مشروع (نسوة- الفصل الأول)، نتيجة اجتماع عدة عوامل، تقول سعيفان: “أتسأل منذ زمن عما هو مجدٍ٬ وما دور الفكر النسوي في ما يحدث٬ ومتى يحين الوقت لإعادة الحراك نحو توجه متفائل والتخطيط البعيد المدى بالفعل وليس بشكل اسعافي. بحيث يمكننا أخذ المبادرة عوضاً عن الاستغراق في ردود الفعل تجاه ما يحدث، وما هو الفعل المطلوب. أردت من هذا المشروع محاكاة نمط وطاقات الحراك الذي كان قد ظهر في دمشق مع انطلاق الربيع العربي والذي حالفني الحظ، وكنت جزءاً منه بوجود مجموعة من الشابات والشباب النشطاء بطريقة فريدة، حيث كان لديهم أفكار خلاقة وابداعية تجاه رؤيتهم لسوريا الجديدة. جزء من هذه المجموعة كان يعمل بشكل فردي على مشاريع شخصية، وجزء آخر يعمل بشكل مؤسساتي و جزء أصيب بما أطلق عليه تسمية -الاكتئاب السياسي- الناتج عن العدمية وفقدان الثقة والأمل وانعدام الرؤية المستقبلية والجدوى وأنا منهم. لذلك فكرت مخاطبة هذه المجموعة تحديدا من خلال نص الدعوة للمشاركة في المشروع. فبعد كل هذا الوقت وكل التجربة المكثفة التي عشناها منذ بداية الثورة بتنا نعرف ما لا نريده وهذا شيء في غاية الأهمية كخطوة أولى٬ والآن كانت الدعوة لكي نبحث ونسمي ما نريده”.

الفكر النسوي أحد مفاتيح الحل

كان الهدف البعيد للمشروع حسب سعيفان، الزيادة من فاعلية أفراد المجموعة ودعمهم لاستلام مراكز قيادية في مختلف المجالات السياسية والمدنية وذلك بسبب النقص الهائل في التمثيل النسوي في كل المجالات. وترى سعيفان أن الفكر النسوي هو أحد المفاتيح الأساسية للحل. أما الهدف الآني حالياً، كان استكشاف المشاكل التي تواجه كل شخص بشكل فردي وخلق مساحة آمنة لايوجد فيها رقابة على أي مشاعر أو أفكار قد تظهر، ثم الاطلاع على عدة تجارب أو القيام بورشات عمل لصقل المهارات أو القيام بجلسات عصف ذهني بهدف تطوير مشترك للأفكار ولأهداف المجموعة و توجهاتها. اعتبرت سعيفان أن النتاائج كانت أكثر من مرضية ومشجعة على الاستمرارية بالنسبة لها وللقسم الأكبر من المجموعة.

طريقة غير تقليدية لإدارة المشروع

تشير سعيفان إلى المخاطرة بعدم وجود برنامج مسبق قائلة: “أنا مدركة بأنني أقود هذا المشروع بطريقة غير تقليدية وقد سبب الأرق للبعض٬ لكنها ليست المرة الأولى التي أعمل فيها بهذا المبدأ وإنما لدي خبرة طويلة في إدارة المشاريع بطريقة غير تقليدية وأنا أؤمن بشدة بالمجازفة والخروج من المناطق المريحة، أكره الورقيات والجداول والشعارات والتقييم وأرى أنها إحدى أكبر العوائق التي تواجه تطور أي مشروع كونها تحد من حرية الانعتاق وأبحث دائما عن حلول مرادفة معوّلة على العملية ككل. كما توصلت إلى منهجية بديلة نابعة من فكر ومناهج عمل فنية أعتمدها في غالب المشاريع التي أديرها”.

10 ورشات خلال 4 أشهر فقط!

تعتبر سعيفان أن النتائج مرضية، فغياب ضغط تحقيق شيء واضح تماما أدى إلى إعطاء حرية تامة للمجموعة في تشكيل توجهاتها وحتى في تشكيل البرنامج وتقديم المقترحات لورشات العمل والضيوف والمواضيع. كما تشكلت مجموعة ثابتة من السوريات البرلينيات الفاعلات واللواتي يتبادلن الأفكار والتخطيط والخبرات والدعم، بالاضافة لتشكل شبكة من العلاقات مع أفراد ومؤسسات لديهم نفس التوجه مما فتح الباب لتعاون مستقبلي، والذي شكل أرضية نحو العديد من احتمالات تطور المجموعة والمشروع ككل من جهة أو حتى على المستوى الفردي للمشاركات من  جهة أخرى. وتضيف سعيفان أنه خلال 4 أشهر تم القيام بعشرة ورشات عمل مدة كل منها يومين.

لغة الجسد!

الكثير من الأفراد والمؤسسات استقبلوا فكرة ونهج المشروع بايجابية، وتذكر سعيفان بالنسبة للنهج أنها تولي في هذا المشروع أهمية كبيرة للجانب الجسدي٬ والعمل على أن  نبدأ بحوارنا مع ذواتنا عن طريق تحاورنا مع جسدنا وفهم إشاراته ولغته وبالتالي لغة جسد الآخرين وإلتقاط الرسائل المرسلة على هذا المستوى، وكيف يمكننا فعليا التخلص أو التخفيف من الكثير من الضغوطات عبر التعامل الواعي مع الجسد. لم تؤكد سعيفان على دور الجسد فقط، بل اعتبرت أنه يمكن لدور الفن أن يكون له شأن كبير في مجال العمل السياسي والمدني٬ لذلك سعت من خلال المشروع لاستكشاف هذا الدور والعمل على الاستفادة من الوسائل الفنية والأدائية في بلورة هذا العمل. كما تحدث عن مفهوم ما تم تسميته بـ”الناشطية الفنية” وهو مصطلح أطلقته المجموعة الإدارية للمشروع والذي يسمى بالألمانية Aktionskunst وهي المساحة المشتركة بين الفنون والسياسة والمجتمع.

الجدير بالذكر أن المشاركات كُن في ٤ مجموعات: مجموعة برلين وعددها ٢٥ سيدة، مجموعة المتابعة أونلاين ١٥ سيدة، معظمهن تنحدرن من مدينة إدلب، ومجموعة الضيفات، وهن سبع سيدات يرغبن بأن يكن جزء من المشروع فيحضرن أحيانًا، ومجموعة كورال حنين هن ٢٧ سيدة، لهن تدريباتهن الخاصة وهن مجموعة مكملة في مشروع نسوة.
Photo:Zee Hartman