يحتاج الشخص فترة من الزمن ليتمكن من استيعاب مايجري حوله أثناء حدوث غير المتوقع أو الطارئ، لكن رواية عبد الله القصير “كوابيس مستعملة“، تضعنا أمام هذا الطارئ االذي تحول لحياة كاملة، وعلى بطل الرواية “عطايا” أن يتأقلم معها ويخوض غمارها. تعرض عطايا لمحاولة قتل عبثي من قبل الجنود الذين قاموا بتعفيش منزله، ادخلته الحادثة بغيبوبة أفقدته اتصاله مع من حوله لفترة، ليجد نفسه أمام كوابيس لايمكنه الفرار منها. صار يتعرف على الناس من خلال أثاثهم المسروق، ويسمع قصصهم ويرى كيف كانت حياتهم.
الأثاث الذي يحكي القصص!

صورة الغلاف
يختلط أحياناً الواقع بالوهم على بطل الرواية، ليلتبس على القارئ أيضاً، خاصة أن هناك الكثير من العودة خلفاً في زمن الرواية. يقول الكاتب: “المزج بين الواقع والخيال في الرواية كان الهدف منه حالة من التكثيف قد تسلط الضوء بشكل جيد على الجانب الأساسي الذي أطرحه وهو ظاهرة –التعفيش- كقضية أساسية في العمل، تلحق بها مواضيع أخرى كاللجوء في ألمانيا وأوروبا. أدسّ في صفحات الرواية رغبة تحرّض القارئ على التفكير بما يشبه طريقة عطايا، أن يشعر بألم ومعاناة الآخرين وكأنها معاناته الشخصية، مثل عطايا الذي يعيش في ماضي الآخرين، والذي يستنطق الأثاث المستعمل لكي يكتب قصة أصحابه الأصليين”.
يعتقد الكاتب أنه من الممكن الاتكاء على قصة الأثاث المستعمل لتكون باباً من بوابات عديدة يجب فتحها، هي لا تغطي كل ما حدث لكنها تشكل حافزاً ربما للبحث عن الحقيقة، الحقيقة البسيطة الواضحة التي يفهمها العالم ويتجاهلها، وهي أن سوريا محكومة بالحذاء العسكري. ويضيف: “بصراحة أكثر شيء أستغربه في ألمانيا هو مقابلة مواطن ألماني لا يكتفي بهذه المعلومة: (نظام ديكتاتوري)، الأنظمة الديكتاتورية إذا صادف وحكمت في الجنّة الموعودة، فإنه سيأتي يوم ليس بالبعيد ويهرب فيه الناس إلى جهنم“.
لماذا عطايا؟
عندما أختار الكاتب اسم عطايا كان يحاول انتقاء الاسم الذي يمكن أن يعلق بالذاكرة أكثر، وربما لأنه كان عالقاً أصلاً في ذاكرته نفسها، يقول: “عندما كنت في الجامعة، واجهتُ مشكلة تتعلق بالالتحاق بالجيش، وقد ساعدني وقتها موظف اسمه عطايا، كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا الاسم، فبقي عالقاً بذاكرتي، ولا أدري إن كان سيعلق عطايا الذي كتبته في ذاكرة الناس أم لا“.
تعددت الشخصيات التي تحدث معها وعنها عطايا باختلاف الأزمنة والأمكنة، ولكن كان لآنيا الألمانية أثر كبير عليه، وما كانت تعاني منه خاصة عندما تحدث عن حزنها وألمها من صفعة ابنها لها، اعتبر القصير أن هذه الصفعة هي ذات الصفعة التي تتلقاها الدول المتحضرة من التيارات المتطرفة فيها، سواء كانت ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا وغيرها. لكن الشخصية الأكثر واقعية وعلى طول الرواية هي الزوجة ظبية، والتي انتظرته أن يلم شملها مع طفليها، وحسب وصف عطايا لها: “ظبية المرأة التي لا تتحدث كثيراً، لكنها تستطيع اختصار ثرثرةٍ طويلةٍ في جملة بسيطة أو نظرة أو صمت طويل. المرأة التي تزوجت بها كي أُكْمِلَ ضميري، المرآة التي أقفُ أمامها كل يوم مراتٍ ومرات فلا تجمّلني ولا تقبّحني، ظِلّي الذي يعانقني، ويقبّلني، ويشاجرني، ويمارس الجنس معي، وينجب منّي الأطفال. الجسد الذي أقلّدُ ظلّه… أغنيةٌ أحفظُ كلماتها عن ظهرِ قلب ولا أجيد غناءها، مقعدٌ ينتظر معي القطارات حتى يصل أحدها لأسافر فيه وحدي تاركاً المقعد للانتظار. اسمٌ كلما حفرته على جذع شجرةٍ كما عادة العشاق، ضمّهُ لحاؤها ومحاه. قبل زواجنا كان أكبر أحلامها أن يجمعنا بيت واحد معاً، وقد كان لها ذلك، أما الآن فأعظم طموحاتها أن يجمعنا بيت واحد أيضاً“.
السرد الصوري أقرب للذهن
طريقة تقطيع الكاتب للرواية، تجعلك تشعر أنك تشاهد فيلماً مصوراً، يقول في ذلك القصير: “بالنسبة للكاتب لا يعلم إن كان تقطيعه للرواية كما لو أنها نصاً لفيلم سينمائي، إن كان هذا يُحسب للرواية أم عليها، لكنه بشكل عام يميلُ للتكثيف ولضبط إيقاع العمل الأدبي، كما يحبّ أن يشكّل السرد الذي يكتبه تتالياً صُوَرياً يجعل الأحداث في ذهن القارئ أقرب إلى المرئية“.
كان قد نشر الكاتب مجموعة قصصية عام 2015 بعنوان “عارية في العباسيين” صدرت عن دار نون للنشر– الإمارات، تَلتها رواية “كوابيس مستعملة” التي صدرت في بداية عام 2019 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع– الأردن. وعلى الرغم من أنه في القصة القصيرة يحتفي المتلقي بالدهشة التي تتركها في نفسه بعدها، لكن لم يكن صعباً على عبدالله القصير أن ينتقل لكتابة الرواية. يقول: “الانتقال من كتابة القصة القصيرة إلى الرواية ليس بالمهمة السهلة أبداً، بالنسبة لي أزعم أنني استفدت من تقنيات كتابة القصة في روايتي، وربما يكون ذلك واضحاً لمن يتمعّن فيها بعض الشيء إثر قراءتها، كما أنني أجد أن الفكرة التي يعمل عليها الكاتب هي التي تفرض عليه جنسها إلى حد كبير، وهذه ليست قاعدة بلا استثناءات طبعاً“. وعن امكانية ترجمة روايته يقول: “أتمنى أن تجد روايتي طريقاً إلى قراء بلغات غير العربية، خاصة أننا نعيش في ألمانيا، لا شك أن الترجمة ستشكل قيمة مضافة تترك أثرها في حياة الكاتب اليومية وعلاقاته ونشاطه الأدبي. في نفس الوقت أفكر أنه لا يجب أن تشكل الترجمة هاجساً عظيماً بالنسبة لي، المهم بالدرجة الأولى هو كتابة الرواية”.
حالياً يعمل القصير مع مجموعة من الأطفال في ألمانيا على كتابة بعض النصوص المسرحية الموجّهة للطفل، هذا التعاون أثمر عرضاً مسرحياً بعنوان “اليوم الأول” قدموه لأول مرة نهاية العام 2019، ومن المفترض أن تتابع العروض هذا العام، كما يعمل القصير على إنجاز سيناريو درامي، أما بالنسبة للرواية يقول: “سأعمل جاهداً على تكرار التجربة، أرجو أن يسعفني الوقت والظروف“.