©Laura Sg
25/12/2019

الطالب المصري شريف وتجربته الملهمة لمحاربة العنصرية

– هو: من أين أنتم؟

– شريف: من مصر..، صديقه بعد تردد: من فلسطين

– هو: هل أنتما انتحاريان معكما قنابل وستفجران أنفسكما فينا الآن؟

– شريف: ………، صديقه: ماذا!؟

– هو: أخبروني، من تكرهون؟

– شريف:…….، صديقه: لماذا يجب علينا أن نكره أحد ما؟

بهذه الطريقة بدأ رجل إنجليزي من مدينة دورهام شمال إنجلترا التعرف على شابين عربيين يجلسان بأحد البارات المحلية بالمدينة عشية الكريسماس لعام 2017، جاء إليهما وسحب كرسي وجلس دون استئذان وبدأ كل شيء في هذه الليلة التي انتهت بالاعتداء عليه وعلى صديقه من قبل ثلاثة أشخاص أمام البار! لم يكن بمقدور شريف وصديقه الدفاع عن أنفسهما برد الضربات حيث قال له صديقه: “أعرف فتاة أفريقية تدرس معي بمنحة تشيفننج تم التحرش بها وتقدمنا بشكوى للجهة المانحة ولم يحركوا ساكنًا وعندما عبرنا عن غضبنا قالوا لنا في المستقبل عندما تتعرضون لأي مشكلة ليس عليكم سوى مهاتفة الشرطة، فسألناهم ماذا نفعل إذا تم الاعتداء علينا بالضرب، قالوا لا تردوا الضرب لأنه في حال رددتم سوف يتم ترحيلكم إلى بلادكم! علينا فقط أن نخرج من هنا، ولا نرد عليهم مهما حدث”.

الهجوم

“خرجت أنا أولًا من البار ووجدتهم يقفون أمامه ينظرون إلي بشكل مخيف فسرت بظهري خشية هجومهم وأخرجت تليفوني المحمول كي أستعد لطلب الشرطة حال قاموا بفعل شيء، وخرج ورائي صديقي الفلسطيني فبدأوا بالاقتراب منه أكثر وراح الرجل الأربعيني يصرخ بوجه الشاب الفلسطيني قائلًا: “F-word: F. Mohammad, F. Islam, F. Allah”

يقول شريف: “قلت له لماذا أنت عنيف هكذا، لم نفعل أي شيء خاطئ لك، لا نريد أي مشاكل فقط كنا نريد الاستمتاع بوقتنا وبدأت أهددهم بأنني سأهاتف الشرطة إذا استمروا في ذلك”.

استمر صديق شريف بالتحرك حتى مر من أمامهم سامعًا كل الشتائم بهدوء ثم ابتسم قائلًا لهم: “Merry Christmas” عندها استشاط الرجل الأربعيني غضبًا، واستمر صديق شريف في السير ليفاجئه الشاب العشريني بلكمة أسقطته أرضًا، ثم تجمع الثلاثة (الأربعيني الغاضب والعشريني وثالثهما) ليشبعوه ضربًا، بدأ شريف مباشرة بمهاتفة الشرطة فكان الرقم خاطئًا، بدأ في مهاتفة رقم الطوارئ المنشور على موقع جامعة دورهام فكان الرقم خاطئًا، كل ذلك وهناك رجلان يقفان أمام البار يشاهدان دون أدنى انفعال، بدأ شريف يصرخ في الشارع محاولًا الاستعانة بالجيران متوسلًا أن يأتي أحد لينقذهما، قابل رجل وامرأة في الخمسين من عمرهما تقريبًا الرجل رفض المساعدة والمرأة قبلت وبينما هي تتحدث مع الشرطة كان الثلاثة المعتدون قد فرغوا من صديق شريف بعدما تركوه مغشيًا عليه واتجهوا إلى شريف، الذي لم يعرف للحظة ماذا يفعل فشمر عن ذراعيه: “فكرت بأنني هالك هالك فقلت سأجري وألقي بنفسي عليهم وليحدث ما يحدث، فشمرت عن ذراعي وجريت نحوهم ففوجئت بأنهم يجرون مبتعدين في مفاجأة غريبة”! إلى أن وصلت الشرطة في غضون 10 دقائق.

لا أحد يهتم

بعد مجموعة من الإجراءات الطويلة والشاقة بالمشفى ثم مركز شرطة المدينة، تم تحرير محضر بالواقعة ثم القبض على الجناة وبعد ساعات قليلة مليئة بالكوابيس ايقظت شريف مكالمة من ضابط الشرطة يخبره بأنه تم اطلاق سراح الجناة نظرًا لعدم وجود دليل بعدما أنكر الشهود من رواد البار ما حدث وإعلان صاحب البار بأن كاميرا الفيديو لم تكن تعمل في تلك الليلة، كما نصحه الضابط بعدم الخروج تجنبًا للخطر وبأنهم لن يستطيعوا عمل شيء الآن بسبب انخفاض الميزانية وعلاقتها بخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي (…) كما أخبره بأن فرص وصول القضية للمحكمة ضعيف، يقول شريف: “أخذت كل شحنة الغضب ورحت أكتب إيميلات بلا هوادة وأرسلها إلى صاحب المنزل ونائب مستشار الجامعة ورئيس القسم ورئيس اتحاد الطلبة وبعض الصحف، كما أرسلت للعائلة المالكة وقلت لهم انتم الآن تحتفلون بالتنوع والتعددية من خلال خطوبة الأمير لكن في نفس الوقت هناك أجانب يتم الاعتداء عليهم في المملكة”.

ردود غريبة

جاءت الردود على رسائل شريف باردة تتراوح ما بين التعبير المحايد عن الشعور بالأسف إلى الدعوة إلى “بسكويت وشاي” أو السؤال: “هل لديكم طعام”. وأما رئيسة اتحاد الطلبة ردت عليه بعد 13 يوم معتذرة لأنها كانت تقضي أجازة أعياد الميلاد ووعدته بعقد اجتماع والعودة إليه، و”عمرها ما رجعت” يقول شريف. ذهب شريف إلى دعوة البسكويت والشاي المقدمة من نائب رئيس الجامعة وطالب أن تكون الجامعة هي الوسيط لمتابعة القضية حتى يمكنه التفرغ للدراسة، وأن يتم تعديل أرقام الطوارئ على موقع الجامعة. لم تكن ردود الأفعال على قدر الحدث، ما دفع شريف للجوء للسوشيال ميديا وبعض الجرائد كالجارديان، لم تتخذ الجامعة أية خطوة بل أنها حتى لم تقم بتعديل أرقام الطوارئ بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحادث، فخاطب شريف الجامعة: “بالطبع أنا مصدوم جراء جريمة الكراهية التي تعرضت لها، لكن يمكنني تفهم أن كل مكان في العالم به أناس جيدون وآخرون لديهم أفكار عنصرية، أنا لا ألوم الذين أرتكبوا ضدنا الجريمة بقدر ما ألوم الصور النمطية التي يتم الترويج لها في وسائل الإعلام كما ألوم النظام كاملًا، لكن رد فعل الجامعة التي تمثل صفوة المتعلمين هو ما يصدمني أكثر”، ليختم شريف الخطاب بعبارة: “سوف أنشر هذا الخطاب في وسائل الإعلام تحت عنوان: إن لم تكن أبيض فلا تأتِ للدراسة في جامعة دورهام”.

سحر السوشيال ميديا

لم تكد بعض الجرائد وبعض مواقع التواصل الاجتماعي تكتب عن قضية شريف وصديقه، ولم يكد الخطاب الأخير المذيل بالدعوة لمقاطعة الجامعة يصل للمعنيين، حتى بدأت الأمور في التغيير، قام نائب مستشار الجامعة بتعيين شخص لمتابعة القضية، تم الاعتذار عن التسويف والتصرف بشكل غير سريع من قبل الجامعة، نظم أساتذة الجامعة حملة دعم لشريف وصديقه تحت عنوان ارتدوا فيها اللون الأحمر في إشارة إلى أن: “العنصرية خط أحمر”، كما تم دعوة شريف للعديد من المؤتمرات للحديث عن القضية، وقامت الجامعة بعمل تصريح صحفي لدعم القضية، كما قامت الشرطة الإقليمية بتعيين محقق يختص فقط بمتابعة القضية.

المواجهة بين الجاني والضحية

بعد مرور أقل من ثمانية أشهر طُلبَ من شريف الحضور للشهادة لأجل إصدار حكم ضد الشاب الذي قام بالاعتداء على صديق شريف، وعلم بخروج شركاؤه من السجن لمعاقبتهما بالخدمة الاجتماعية، (والمفاجأة أن الرجل الأربعيني هو والد الشابين). طالب شريف بمقابلة الشاب المهاجم وجهًا لوجه، يقول شريف: “أردت أن أسمع منه القصة كاملة، بدأ يعتذر لي عن فعلته قائلًا بأن ما حدث كان بتأثير الشراب، ثم راح يظهر بأنه لطيف وجاء لمقابلتي هنا انفعلت وقلت له أنا من أدخلتك السجن بينما كنت تظن أنك ستفلت بفعلتك لأن الجميع بجانبك، أنا جئت من الولايات المتحدة لأخبرك بأنك بالفعل داخل السجن وبأنك تستحق ذلك وبأنه لا يوجد مشكلة شخصية بيني وبينك، والأهم أن تربيتك تربية سيئة”. استمر الشاب في الاعتذار فقال له شريف: “لن أقبل اعتذارك ولن أرفضه، ستظل في السجن وكلما نظرت خلفك سترى جريمتك وعندها قد تقرر أن تصبح إنسانًا صالحًا غير عنصري، ساعتها يمكنني أن أسامحك، أما إن أصبحت مثل أبيك فلتذهب إلى الجحيم”.

الفرصة الثانية وعفو غير متوقع

خلال جلسة النطق بالحكم في 24 أغسطس/ آب 2018 سأل القاضي شريف إن كان لديه أية طلبات فأجابه شريف: “طلب واحد فقط، الآن أعتقد بأن العدالة قد تمت بالنسبة لي بشكل شخصي، وأنا ضد فكرة السجون بشكل عام وأعتقد أنها تحول الأشخاص الجيدين إلى أشخاص سيئين وتحول الأشخاص السيئين إلى أشخاص أسوأ، أنا أحب أن يكتفي فقط بعقوبة خدمة المجتمع، نعم أعلم أن ذلك ضد القانون ولكن هذا هو طلبي”، وحول أسبابه لهذا العفو يقول شريف: “بالإضافة إلى عدم اقتناعي بفكرة السجون، فأنا أؤمن بالفرصة الثانية دائمًا”.

لماذا ألمانيا؟

ويرجع شريف سبب مجيئة إلى جامعة لويفانا بمدينة لونيبيرج للحديث عن قضيته في إطار فعالية: “دور الجامعة في التضامن لمواجهة العنصرية والإسلاموفوبيا” إلى أمرين: الأول أن الدعوة جاءت في إطار نشاط طلابي تبنته إدارة الجامعة كما حرصت رئيسة مكتب الطلبة على الحضور، وسبب اهتمام الطلبة ومن ثم الجامعة جاء نتيجة أن الحديث عن العنصرية في ألمانيا لا يتم تأطيره بشكل قوي ويحدث دائمًا من خلال مساحات يتيحها النظام وبشكل غير جريء، فكان الهدف أنه لا يحدث في ألمانيا ماحدث في بريطانيا. وأما السبب الثاني فهو التغيير، يقول شريف: “الجامعة غيرت أرقام الطوارئ كما تم تنظيم حملات تضامن وتوعية، ليس هذا فحسب بل فضلت كاتدرائية دورهام بعد الحادث ولأول مرة في عمر الكاتدرائية البالغ ألف عام بأن يضيء شجرة الميلاد طفل ملون، وهذا كان بمثابة تغيير كبير جدًا بعد الحادث”.