©Private, by Aza Karam
22/09/2019

حوار مع أول سيدة تتولى الأمانة العامة لأديان من أجل السلام

“بالطبع سيشكل فارق، فهذه أول مرة في تاريخ المنظمة منذ 50 عامًا تتولى امرأة منصب الأمين العام، بل وامرأة مسلمة، وهي هيئة لا تمثل فقط دين واحد وإنما كل الأديان، تخيلي مثلًا أن تتولى منصب إمام الأزهر أو بابا الفاتيكان امرأة، كيف سيكون الأمر مؤثرًا وقتها؟ لكن أنا من منصبي أخدم الأزهر والفاتيكان معًا، بالإضافة لبقية الهيئات الممثلة للأديان المختلفة، وتأثير تولي امرأة لهذا المنصب لن يقف عند حدود العالم الإسلامي، لكن في كل العالم، ففكرة وجود منظمة تجمع كل الأديان قديمة جدًا، فعندما توجد هذه المنظمة بالفعل وعندما تتولى امرأة منصب الأمينة العامة أو كما أسميها الخادمة العامة، فهو أمر مهم، طبعًا بغض النظر عن التحديات التي تنتظرني”.. هكذا أجابت الأمينة العامة لمنظمة (أديان من أجل السلام) وأستاذة الدين والتنمية بجامعة أمستردام الحرة، المصرية الهولندية عزة كرم، على سؤال حول تأثير تولي سيدة لأول مرة منصب الأمين العام للمنظمة.

لماذا “أديان من أجل السلام”؟ وهل هذه محاولة من رجال الدين حول العالم للعودة للتدخل في الشؤون العامة بعد قرون على تراجع هذا الدور للدين ببعض المناطق في العالم؟

الدين لم يترك الحياة العامة في وقت ما كي يعود إليها الآن، والمنطقة الوحيدة التي وقفت فيها الدول لفترة من الزمن موقف محايد من الأديان هي دول أوروبا الغربية العلمانية حيث تم إخراج الدين من الساحة السياسية والحياة العاملة ليصبح شأن شخصي تمامًا، لكن في بقية العالم ظل الدين طوال الوقت جزء لا يتجزأ من الحضارة والثقافة وبالتالي جزء لا يتجزأ من الحياة العامة، وطريقة ظهور الدين دائمًا تعتمد على السياقات الاقتصادية والسياسية والحضارية، لكن الأهم الآن هل يمكن للحضارات المختلفة والتي تعد الأديان أحد مكوناتها أن تتعايش معًا؟ وهل هذا التعايش يمكن أن يحسن واقعنا ويعزز التضامن تجاه القضايا المختلفة؟ هل الإيمان بوجود الرب في حياتنا سيجعلنا أفضل في تعاملنا مع بعض؟ أنا آمل أن الإجابة نعم، فكوننا مؤمنين سيجعلنا مدفوعين للتعامل برحمة مع بعضنا البعض، ولا أقصد هنا الإيمان بدين محدد فقط، بل الإيمان بقيم معينة أيضًا.

كيف ترين صعود وخفوت الإسلام السياسي في المنطقة العربية خاصة بعد الربيع العربي؟

الإسلام السياسي لم ينتهي، والسؤال هنا: هل يمكن اجتثاثه من الحياة العامة؟ هل المشاكل التي رأيناها بسبب الإسلام السياسي أم بسبب أخطاء تكتيكية كان يمكن أن تحدث مع أي تيار آخر؟ خاصة بعد الثورات العربية؟ في منظوري الإسلام السياسي ليس مسألة دينية، هو حركة سياسية باسم الدين، يظهرون أن الدين هو المحرك الأساسي لكن هي حركة سياسية بحتة، وبالتالي ككل الحركات السياسية الأخرى القائمة على أيدلوجية معينة فيها اختلافات بداخلها أو بينها وبين الحركات السياسية الأخرى التي هي ليست دينية بالأساس، وإذا انطلقنا من فهمنا للإسلام السياسي على أنه حركة سياسية سنستطيع أن نحلل الموقف بشكل مختلف تمامًا، لأنه لن يكون تحليلًا دينيًا، بل سياسي في سياقات إقليمية وعالمية وليس فقط داخل كل بلد على حدة، فما يحدث في تركيا يؤثر على مصر والهند وأمريكا وهكذا. وبالتالي يجب رؤية وتحليل الأمر في سياقاته السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية، ورابطة الاقتصادي الثقافي الحضاري يمكن من خلالها فهم كل الحركات السياسية في العالم كله، ولفهم ما يحدث في مصر يجب فهمه في إطار ما تموج به المنطقة العربية كلها من أحداث وما هية العلاقة بين إسرائيل وأمريكا وما يدور بين الصين وغيرها من القوى الكبرى، ويجب أن نفهم جيدًا أن المكون الإسلامي ليس الوحيد للثقافة المصرية فهناك المكون المسيحي وله تأثير كبير على الحضارة المصرية.

ألا ترينها كمفارقة أن يتم دعوة كل من إيران والسعودية والإمارات لأديان من أجل السلام ليتحدث ممثلوا هذه الدول عن السلام بينما حكوماتهم تعيث فسادًا في سوريا واليمن وغيرها من دول المنطقة؟

بالطبع هذا تناقض لن تستطيع أي منظمة أو هيئة سياسية أو إعلامية أو اقتصادية أن تسده، وهذا التناقض جزء من الواقع الذي نعيشه، وما نحاول فعله هو أن نجمع الناس التي لديها استعداد للجلوس معًا والنظر في وجه بعضهم البعض أثناء الحوار لأجل وضع برامج لمكافحة الفقر وتحسين الصحة والتعليم. نحاول على الأقل الاتفاق على أن نتشارك دعم فئات معينة في بلدان المشاركين، فئات تعاني من مشاكل مشتركة بغض النظر عن دياناتهم أو سياسات بلدانهم، المشاركة في أي عمل يتعاونوا لأجله كي يقدموا بعض المساعدة والرحمة لأولئك الذين يعانون.

كيف ترين استغلال الحركات النسوية في بعض البلدان لتبييض وجوه النظم الديكتاتورية؟

لطالما تم استغلال المرأة عبر التاريخ، فكانت في بلداننا أحد أسباب تبرير الإمبريالية، فاستعمروا بلادنا واستوطنوها لأنهم كانوا غاضبين لأجل وضع المرأة، وحتى الآن تستغل المرأة، ولكن هذا لا يقلل أبدًا من قيمة الحراك النسوي، والمرأة تعاني أشكال مختلفة من القمع في معظم دول العالم، لذا فمن المهم التفرقة بين واقع المرأة السيء بشكل عام وبين استغلالها لتمرير سياسات لا علاقة لها بواقع المرأة.

موقفك من إعادة تفسير النص الديني الآن؟

ما يحدث على الساحة السياسية دائمًا ما يؤثر على كل شيء حتى المفاهيم الدينية، وهذا التأثير بالطبع يؤدي إلى قراءة مختلفة للدين أو طابع تقدمي أو طابع رجعي، وبالتالي فالتقدمية ليست مسألة دينية، فما تشهده كل منطقة يؤثر على المفاهيم الدينية وليس العكس، بالطبع هناك تفاعل، لكن الدين يتأثر بطبيعة كل حقبة ولنا في فترة السبعينيات من القرن الماضي مثالًا، فاستخراج النفط في السعودية ودول الخليج أثر على الدين في المنطقة بل على طريقة الحياة كلها. عندما تسيطر توجهات رجعية ما، هذا لا يعني أنه تم اكتشاف دين جديد أو مفاهيم دينية جديدة ولكن بسبب التغيرات العالمية والإقليمية بحسب الظرف.

Photo: Private, by Aza Karam