Photo: pixabay.com
26/10/2018

نظرة على النسوية “الإسلامية”

يعتقد البعض أن النسوية في بلداننا مفهوم أو قضية طارئة على المجتمع، وأنها مستوردة من المجتمعات الغربية وحتى محاولة تقليد لها في مجتمعاتنا، لكن مفهوم النسوية  ليس متعلق بالانثى فقط، بل هو محاولة لاعادة بناء المجتمع ككل على أسس من العدالة والمساواة مابين الرجل و المرأة.

تحتاج النسوية في مجتمعنا الذكوري المبني على الهرمية البطريركية في اللغة والدين والتراث والتاريخ الى أخذ موقف من هذا الموروث الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي، وقد يرى البعض الحاجة لقطيعة كاملة مع هذا الموروث وكل ما نتج عنه. ولولا تيارات الحداثة التي انتشرت في أوروبا لتشكل عصر النهضة لما نشأت حركات نسوية عالمية.

أما مصطلح النسوية الاسلامية يعتبره الكثيرون أنه مصطلح متناقض بحد ذاته فالنسوية التي تنادي بالمساواة مابين الجنسين تنفيها شرائع الدين الاسلامي “للذكر مثل حظ الانثيين”،وأمثلة كثيرة يمكن طرحها. لكن هذا المصطلح يُطلق أيضاً على المسلمات اللواتي يعملن فيما يتعلق بحقوق المرأة من وجهة نظر اسلامية.

وتعتبر الكاتبة الفلسطينية لانا سيري في كتابها (مقدمة في النسوية الاسلامية) الذي نشرته في برلين هذا العام، أن النسوية الاسلامية هي: “النظرة المضادة للاسلام المتعصب والمتقوقع في نظرة أحادية دون أي حالة تجديد في رؤية الدين، وتركز على دور النساء التاريخي في الحياة وكيف تم التمييز فيما بعد بحقهن. من قبل المجتمع الاسلامي الذكوري و جعل النساء غير مرئيات”. وتركز على أن هذه الحركة ليست فكرة جديدة مأخوذة من الغرب

بينما ليلى أحمد أستاذة دراسات المرأة ومديرة برنامج دراسات منطقة الشرق الأدنى في جامعة ماساتشوستس، أمهيرست، وهي عضو هيئة تدريس مشارك في مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة هارفارد. تحدثت في كتابها (المرأة و النوع في الإسلام) كيف تعرفت على الاسلام عن طريق جدتها خلال فترة الطفولة. ونتيجة لذلك أصبح لديها القدرة على التفريق بينه (الإسلام) و “الإسلام الرسمي” الذي كان يمارسه صفوة رجال الدين ويوعظون به، وهذا الأدراك هو الذي شكل فيما بعد حجر الأساس لكتابها.

تبرهن ليلى أن الممارسات الظالمة التي تتعرض لها المرأة في الشرق الأوسط سببها ليس الاسلام نفسه ولكن انتشار التفسيرات السلطوية المنسوبة للإسلام. وتقول ان هدف المستعمريين الأوروبيين في بداية القرن التاسع عشر كان اقتصادياً ولكن تم استغلال فكرة تحرير المرأة كحجة للتوغل الجغرافي السياسي الشرعي، فقد كانت الحركة النسوية الاستعمارية تمثل الخطاب الغربي للهيمنة والتي “قدمت التصور بأن هناك علاقة جذرية تربط بين القضايا الثقافية وأحوال المرأة، وأن تقدم المرأة لا يمكن أن يتحقق إلا بالتخلي عن الثقافة المحلية، فكان بالطبع رد الفعل الأول رفض القيم الغربية من قبل الإسلاميين السياسييين. وقد شهد هذا الرفض المزج بين الإسلام و الثقافة وأدى ذلك إلى التأكيد على التقاليد الأصلية المتعلقة بالمرأة واستعادة أعراف وقوانين المجتمعات الإسلامية الماضية”.

على الرغم من حداثة المصطلح لكن السيدة لبيبة أحمد، هي أول امرأة في العالم الإسلامي عملت على وضع منهاج لتحصل المرأة المسلمة على حقوقها، بتأكيدها المكانة والدور الذي تشغله المرأة من منظور إسلامي. لقد أسست جمعية نهضة السيدات المصريات بالاضافة لصحيفة النهضة النسائية، وقد وافقت على طلب حسن البنا أن ترأس في حزب الأخوان المسلمين قسم الأخوات المسلمات. والتي تعتبر وراء ظهور هذا المصطلح في العالم الغربي أكثر مما هو معروف في الشرق .

أما زينب الغزالي فعملت على اعادة صياغة خطاب لبيبة أحمد بتطرف أكبر، حيث أنشأت الغزالي رابطة أسمتها “السيدات المسلمات” وقالت الغزالي في كتابها (أيام من حياتي) إنّ المرأة المسلمة هي حرّة، وقد نالت جميع حقوقها كما أعطاها لها الله، وقد بيّن ذلك بنحو مفصل، مبعوثه محمد. هذا وقد قضت فترة طويلة في السجن فترة حكم جمال عبد الناصر. عملن الأخوات المسلمات على تقديم خطابات بديلة ومحافظة للتصدي لدعوات التحرر التي بدأت تنتشر في عشرينيات القرن الماضي، بالاضافة لتأسيس سلطة موازية لسلطة الدولة اجتماعياً. تجدر الإشارة هنا إلى أنّه إذا كان سيد قطب هو المنظّر الإيديولوجي الذي أعاد خلق إيديولوجية الإسلام السياسي للإخوان الذكور، رغم عدم انتسابه لهم بنحو رسمي، فإنّ زينب الغزالي هي المنظّرة الإيديولوجية للنساء المسلمات. لقد أعادت تجديد الخطاب النسائي، وإدراجه لأول مرة في ساحة السياسة والمناداة بتطبيق الدولة الإسلاميّة.

ولا يخفى على أحد عودة هذا المصطلح بعد أن عقد مؤتمر القاهرة في 2011 لتنظيم الأخوات المسلمات، بعد وصول الأخوان المسلمين للحكم. حضر المؤتمر بنات وحفيدات قادة الجماعة ومنهن سناء البنا ابنة حسن البنا، حيث قالت: “عندما دبّروا لقتل حسن البنا ظنوا أنهم بذلك سيقضون على دعوته، فخرج لهم مليون حسن البنا ومليون ابن وابنة لحسن البنا ومليون حفيدة لحسن البنا”. حسب صحيفة ديلي نيوز- مصر. ومن المعروف أن من مهامهن نشر الدعوة الاسلامية والسعي لإقامة الدولة الاسلامية أينما كانوا وهذا من صميم فكر تنظيم الاخوان المسلمين وبالتالي هو قلب لمفاهيم المساواة ووضعها بقوالب جديدة تطرحها الأخوات المسلمات والتي  تكريس سلطة الرجال واغفال حق النساء.

العالم العربي يعيش واقعاً متخبطاً يرمي بظلاله حتى على من يعيشون خارج حدوده، لذا هناك حاجة حقيقة لكل شكل من أشكال الثورة لتتم اعادة بناء قيميّة وجندرية تساوي بين أفراد أي مجتمع بعيداً عن الدين والجنس واللون.

  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر منصة أمل برلين

أملود الأمير | أمل برلين
Photo: pixabay.com