17/07/2018

أفلحوا أم لم يفلحوا.. أنا امرأة لي كل الحقوق

“أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” من أكثر الجمل ابتذالًا وتعبيرًا عن السطحية الشديدة في النظرة إلى المرأة وإلى النظال من أجل نيل حقوقها، أعلم جيدًا أن من يرددون هذه المقولة لديهم من صفاء النية ما يريدون به الدفاع عن المرأة ضحد مقولة أو حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” والذي قاله النبي محمد عندما سأل نفر جاء من فارس: “من يلي أمر فارس؟” فقال أحدهم: امرأة، فقال النبي: “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

لن أحترق لأجل إثبات بشريتي

ينتابني شعور بالاستياء لدى سماعي أو قراءتي للتعليقات من نوعية “أنظروا إلى أنجيلا ميركل، لقد قادت ألمانيا وأفلحت”، “ها هي رئيسة كرواتيا لقد قادت أكبر عملية إصلاح اقتصادي في العالم وأنقذت بلادها” وذلك من أجل إثبات عدم صحة الحديث أو حتى لرفضه، وما يشعرني بالاستياء هو أنه كامرأة علي أن أكون إنسان خارق كي أثبت للجميع أنني امرأة وأنني مساوية للرجل، علي أن أصبح رئيسة وزراء كي أثبت ما هو حق لي بالأساس، علي أن أبذل أضعاف ما يبذله أي رجل كي أفند مقولة أو حديث يعادي حصولي على ما هو حق لي بالفطرة كإنسان، علي أن أثبت شيء ما طوال حياتي. أنا كامرأة أرفض الاحتراق من أجل فقط إثبات مساواتي بالرجل، فهو أمر يجعلني أشعر بأنه لابد من أن أثبت أنني إنسان بينما أنا في الحقيقة إنسان.

الفشل لا ينفي عن إنسان أي من حقوقه

ما أراه في هذه التعليقات أنها تستبطن معنى مفاده أن المرأة لديها الحق في تولي المناصب لأنها أثبتت أنها ناجحة، وبالتالي يرتبط الإقرار بحقوق المرأة كإنسان بمدى نجاحها، وكلامي هنا موجه للحقوقيين والليبراليين: هل ستؤمن بالحديث إذا علمت أن مارجرت تاتشر أجرمت في حق العمال خلال فترة حكمها وشجعت ظهور طبقة من الفهلوية والمنتفعين وانتهى بها الأمر بتخلي الحزب عنها جراء أفعالها؟ هل ستكفر بحكمة المرأة إن علمت أن تاتشر كانت تتعامل مع قضية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا صعودًا وهبوطًا بالقدر الذي تقتضيه المصالح الاقتصادية البريطانية وأعمال زوجها؟ هل ستتراجع عن مساندة المرأة إن علمت أن رئيسة كرواتيا كوليندا فيتاروفيتش هي رئيسة لجمهورية برلمانية يعني منصبها يغلب عليه الطابع الشرفي وبالتالي لم تقم بفعل كل الأساطير التي حكيت حولها؟ أم هل ستتهم المرأة بعدم الصلاحية إن قرأت بعض الصحف الكرواتية التي تناولت أخبار إقالة المدرب المساعد للمنتخب الكرواتي أوجنين فوكويفيتش كمحاولة من كوليندا لاسترضاء روسيا وكسب حليف سياسي؟ أم هل ستنكر أي حق للمرأة إذا اكتشفت في المستقبل أن ميركل كانت سياسية فاسدة مثلاً؟

النساء بشر مثل الرجال يمكنها أن تنجح وتخفق، وكما أن إخفاق الرجال خاصة السياسيين وتسببهم في إشعال الحروب لا يخلع عنهم أي من حقوقهم، فإخفاق المرأة في أي وظيفة لا يحرمها أي من حقوقها. لذا عزيزي الرجل حسن النية، عزيزتي المرأة حسنة النية توقفوا عن تسطيح قضايا المرأة ووضع العديد من معايير الجودة كشرط لمساواتها بالرجل، فضلًا توقفوا عن الابتذال.

كيف بدأت القصة؟

لطالما آلمتني مقولة أو حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” منذ بدأت أن أعي الدنيا وأدرك معاني الكلمات، في البداية كانت تسبب لي صراعًا داخليًا منشأه كيف لي أن أحب النبي بينما يضعني بكلامه في هذه المرتبة المتدنية، وكنت كطفلة أبحث عن أي كلام يوجد شيئًا من المصالحة إزاء هذا الأمر، لطالما حلمت أن يخرج علينا أحد العلماء وينفي صحة الحديث، في البداية قيل لي هذا ليس به إهانة للمرأة فهو يعني الخوف على المرأة الرقيقة العطوفة وإبعادها عن معترك السياسة القاسي فهي غير مهيأة، لم أقتنع فمازال شيء بداخلي يرفض هذا الحديث، كبرت وكبرت معي غصة تجاه هذا الحديث وغيره من الأحاديث أو الأقوال المنسوبة للنبي والتي تقلل من شأن المرأة مثل: “ناقصات عقل ودين” وغيرها، ثم بدأت أقرأ بأن الحديث وإن صحت روايته إلا أن مضمونه يتنافى مع ما نادى به الإسلام من تكريم للمرأة، ثم بعد فترة اطلعت على آراء أخرى مفادها أن المقولة كانت بمثابة نبوءة من النبي بانهيار دولة فارس ليس إلا، والدليل على ذلك أن القرآن أشاد بحكم بلقيس ملكة سبأ لأنه كان حكمًا قائمًا على الشورى، بينما ذم فرعون لانفراده بالسلطة وصنع القرار، ثم ما لبثت أن قرأت لبعض المفكرين الإسلاميين مثل محمد العوا أن الحديث مرتبط بظرف زماني ومكاني محدد وبأن منصب الرئاسة مختلف عن منصب الإمامة في الإسلام وبالتالي يمكن للمرأة أن تتولى منصب الرئاسة لأن وظيفة الرئيس محددة بدستور وهي وظيفة مؤسسية تمارس ضمن مجموعة من الضوابط الدستورية، أسعدني هذا الكلام لفترة وبعدها رحت أفكر هل هذا معناه أنه يمكن للرجل أن يتولى منصب بلا قيود بينما لا يمكن للمرأة ذلك؟ هل يمكن أصلًا أن يتولى أي إنسان أي منصب بدون قيود؟ وعلى أهمية الاجتهادات السابقة وتمنياتي بالاستمرار في تقديمها إلا أنني وصلت إلى قناعة “شخصية” بأن المرأة هي إنسان مساو للرجل لديها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات ولا تحتاج لتصريح ديني أو خلافه لممارسة حقوقها وحرياتها.

وبناء عليه عزيزي الإسلامي المتشدد.. عزيزي الليبرالي المتحزلق، لا يهمني رأيك، لا أهتم إن أفلحوا أم لم يفلحوا، هذه أنا ولا أحد يملك تقييمي وفقًا لمعايير النجاح أو الفشل كي يقر لي بما هو حق لي..

  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع أمل برلين.
    أسماء يوسف | أمل برلين
    Photo: Amal, Berlin