Foto: Amira Mortada
30/12/2017

الجراثيم واللغة الألمانية!

لم تعد كوابيس الغرق ترافق أدهم في أحلامه مؤخراً، تسع ساعات من السباحة في البحر بين تركيا واليونان، إنها أشبه بالولادة بعد مخاض صعب. وصل أدهم الشرع (28 سنة) إلى ألمانيا قبل نحو عامين، الشاب البيطري الذي فر من مدينة درعا في سورية نتيجة الحرب، بعد أن فقد العشرات من أقاربه وأصدقائه وتدمر منزله. انتظر هنا لأكثر من سنة حتى حصل على أوراق الإقامة، وكان له تجربة مريرة في رحلة لجوئه، أكثرها مرارة ساعات طويلة قضاها في مياه بحر إيجة يصارع الغرق، وظن أنها النهاية.

بينما يسرح نظره في الأفق وهو يستقل القطار متوجها إلى بوتسدام حيث يعمل في مختبر لتحليل الحليب، يتذكر الشرع أحد أساتذته في الجامعة عندما كان طالباً في سوريا، هذا الأستاذ كان جاء إلى ألمانيا ودرس فيها تشخيص الجراثيم.. يشعر أدهم أن الأقدار ساقته ليعيد تجربة أستاذه.

ربما يرى الشرع أن اللغة الألمانية أكثر تعقيداً من الجراثيم التي يحصيها في عينات الحليب، لكنه يكافح من أجل تعلمها بقوة، يقول أنها مفتاحه لتطوير مهاراته في عمله، يريد أن يتخصص في علم الجراثيم، وأن يتابع دراسته في ألمانيا، بعد اكتساب الخبرة من مختبر الحليب، يضيف: “إريد إذا عدت يوماً إلى بلادي بعد انتهاء الحرب، أن يكون لدي خبرة كبيرة أشارك بها في تطوير وإعادة إعمار الوطن”.

رتم الحياة في الهايم ممل وبطيء جداً، إنه أكثر بطأً من الدوائر الحكومية في ألمانيا، هكذا يصف الشرع حياته لأشهر في مركز الإيواء، ويضيف: “حتى تعلم اللغة يكون أصعب في الهايم، فالمكان الوحيد الذي يمكنك تحدث الألمانية به هو المدرسة. ليس هناك احتكاك مباشر مع أبناء البلاد، هناك طبعاً محاولات خجولة للتواصل مع الناشطين الألمان الذين يخصصون جزءاً كبيراً من وقتهم للتواصل مع اللاجئين في مراكز الإيواء، لكن ذلك غير كافٍ”.

“الآن أنا أعيل نفسي من عرق جبيني وأدفع الضرائب، الآن فقط أشعر أنني جزء من المجمع هنا” هكذا قال الشرع وأضاف أنه يفتقد زوجته التي لم يتمكن من احضارها إلى ألمانيا، فالإقامة التي حصل عليها مدتها سنة، ولا تمنحه حق لم شمل زوجته، يريد أن يسرع الخطى بالتعلم واتقان العمل وتحسين دخله ليحضرها على نفقته.

اليوم وبعد خمسة أشهر من العمل في مختبر الحليب، والسكن المشترك مع أصدقاء ألمان، يشعر الشرع أنه أكثر قرباً من برلين، هناك فرق كبير بين حياته الآن، وحياته قبل نصف سنة في مركز الإيواء، كما أن لغته تحسنت كثيراً، ورغم هذا ما يزال الخجل يعيقه من التحدث بطلاقة، لذلك يفضل الاستماع على التكلم.. يقول ضاحكاً: “من حسن الحظ أن الجراثيم يمكن معرفتها من شكلها وليس من خلال التحدث إليها، وإلا كنت في ورطة كبير”.

  • هذا النص تم إعداده للنشر في عدد (البقاء) من مجلة كريسمون