Photo: Anas Khabir
04/10/2017

العرض المسرحي “إيفيجينيا” فسيفساء الوجع النسائي السوري

لكل إنسان طريقته بسرد حكايته، وكلما كان شفافاً، كان قريباً لروح المتلقي. لكن أن تسمع تسع حكايات لتسع نساء سوريات يقفن على خشبة المسرح للمرة الأولى، كان شيئاً استثنائياً.

محمد العطار وعمر أبو سعده

محمد العطار وعمر أبو سعده

استطاع كلٌ من الكاتب المسرحي محمد العطار والمخرج عمر أبو سعدة أن يقدما عملاً مترابطاً ما بين التوثيق للحياة وإضافة لمسات من الخيال. استند العطار على مسرحية عمرها يقارب 2500 سنة تقريباً. تتحدث عن “ايفيجينيا”، فتاة يونانية قرر والدها الملك أجاممنون التضحية بها وتقديمها للآلهة للفوز بحربه ضد طروادة، لكنه تراجع لاحقاً ليقابل بطلب من ابنته أنها هي من تريد أن تضحي بنفسها من أجل اليونان. يقول العطار: “هناك عدة مستويات لتطور النص، طورنا من القصة الحقيقية لكل شخصية وبنينا العلاقة بينها وبين -ايفيجينيا- لتكون مناسبة حين نضعها بالنص العام”.

المرأة واستخفاف مجتمعاتنا بإنجازاتها

لم يكن لتلك النساء تجارب سابقة بالتمثيل على خشبة المسرح، لكن المخرج أبو سعدة استطاع خلال 100 دقيقة أن يدهش الجمهور بإيصال صوت النساء بكل انسيابية يقول: “لم يكن سهلاً العمل مع من لا يمتلك الخبرة بالعمل المسرحي، ولكني رغبت إيصال صوت من لا يُسمع صوته، عادة يرتفع صوت الرجال أثناء الحرب، لكن للنساء فهم مختلف لما يجري في سوريا الآن وأثناء الثورة”. و يضيف العطار: “وضع المرأة مأساوي إن كان في سوريا أو في المنطقة العربية، فهي تقاتل على جبهات مختلفة وكانت في الصفوف الأمامية، لكن المجتمع البطرياركي دائماً ما يستخف بها و بإنجازاتها، لذلك من المهم مشاهدة ما يجري من الداخل”.

نور بوغاوي

نور بوغاوي

تقول إحدى الممثلات نور بوغاوي (23) سنة والتي أتت الى ألمانيا منذ سنتين تقريباً: “قد نكون ايفيجينيا 2017، كل واحدة منا ضحت بطريقة مختلفة بخروجها من سوريا، لم يكن سهلاً أن نبوح بما في داخلنا أمام الآخرين، وعما تخلينا عنه وفقدناه”. تغني نور على المسرح ليستفز صوتها الكثير من الذكريات، بينما ليلى شندي ترقص لتقلل من توترها، أتت ليلى من شمال سوريا مع طفلها بعد أن انفصلت عن زوجها، وتعيش الآن هذه التجربة الجديدة  تقول: “أهرب من الكثير من المشاكل بالرقص”.. اختارت ليلى أغنية كردية لترقص عليها أثناء العرض تتحدث عن فراشات المدينة التي عادت تتذكرها وكلما اقتربت منها الفراشات تتفتح جروحها وتتذكر هي بدورها عيون من تحب.

الحياة بين سوريا وألمانيا

زينة العبدالله

زينة العبدالله

أقيم العرض المسرحي في هنغار مطار تمبلهوف الذي كان قبل وقت ليس بطويل أحد الأماكن التي يقيم بها اللاجئون، لم يقم المخرج بأي تغيير فيه، بل قرر التعامل معه كما هو، مستخدماً مسرحه الخاص، ربما ليجعل كل من يشاهد العرض يتذكر كم كان الوضع صعباً على المقيمين فيه سابقاً.

تتحدث زينة العبدالله عن إقامتها في أحد مراكز اللجوء  وتعرضها للمضايقات وفقدانها للآمان أيضاً في ألمانيا، ليتحول الإنسان فجأة لشخص مختلف.

ديانا قدح

ديانا قدح

بينما ديانا قدح تتحدث عن المفارقة كونها تلك الفتاة السورية أتت الى ألمانيا وجدتها الألمانية بقيت في سوريا، قدح درست بالمعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا لكنها لم تكمل درساتها وأتت الى ألمانيا تقول : “هذا العرض مختلف، فأنا أمام الكاميرا كما لو أني في السينما وبنفس الوقت أقف على خشبة المسرح أمام الجمهور، إنها تجربة فريدة”.

فسيفساء الوجع

هبة الله العبد

هبة الله العبد

لم تنتهِ تلك القصص هنا، بل توجد قصص أخرى عن أسباب مشاركتهن في هذا العمل. اختلاف الأسباب يضيء زوايا أخرى للشخصيات، أحياناً هي أسباب مادية، وأحياناً أخرى محاولات لشق طرق جديدة، لكن السبب الذي أتت من أجله هبة الله العبد والتي أصبحت الآن في الثامنة عشر شيء مختلف. تريد هبة التغيب عن المدرسة فلا أصدقاء لها هناك، تشعر أنها تجلس مع أطفال أصغر منها بكثير بعد أن تقرر وضعها في الصف التاسع. تقول هبة: “أنا أشبه ايفيحينيا، لقد ضحيت من أجل أخوتي الصغار عندما أتيت مع أسرتي الى ألمانيا”. لقد تخلت هبة خلال رحلة لجوئها عن الكثير من الأصدقاء والأماكن الحميمة بالنسبة لها في مدينتها حلب.

استطاع كلٌ من المخرج عمر أبو سعدة والكاتب محمد العطار تفكيك الواقع المعقد لتلك النساء وفرده أمام الجمهور ليلتقط بدوره فسيفساء الوجع بأشكاله المختلفة ومشاهدته وجعاً كاملاً.

 صور من العرض المسرحي

خلال العرض

خلال العرض

بيان الجرعتلي احدى المشاركات

جانب من الجمهور

جانب من الجمهور

أمل برلين| تقرير: أملود الأمير – تصوير: أنس خبير
Photo: Anas Khabir