Photo: Christian Ditsch - EPD
07/03/2018

المرأة والعنف “الناعم”

رغم مرور ما يقارب القرن ونصف على الإرهاصات الأولى لنضال المرأة بشكل شبه تنظيمي، إلا أنه وبرغم كوننا في العام 2020 مازالنا نحن النساء نعاني، خاصة في مجتمعاتنا العربية، معاناة تبدأ من قضايا كبرى كالمساواة والعدالة والعنف ضد المرأة وليس انتهاءًا بحصر المرأة في في دور “الفراشة” التي عليها دائمًا أن تحدث تأثيرًا دون أن تظهر بالصورة أو ما يسميه البعض ابتذالًا “القوة الناعمة” أو Pink power وبرغم ما حققته الحركة النسوية حول العالم من تقدم لصالح المرأة إلا أنه ما زال هناك نوع من العنف ضد المرأة أسميه أنا بـ “العنف الناعم” لا يمكنك أن تراه، ولا يمكنك أن تمسك بتلابيب من يمارسه على المرأة، لأنه عنف متأصل بداخل المرأة نفسها، عنف يضع المرأة تحت ضغط منذ أن تعي الحياة وحتى الموت، ضغط يقف على ركيزتين أساسيتين: الأولى: “أن المرأة إنسانة بشرطة”، والثانية: “المرأة بلا أسباب ليست إنسان”.

المرأة إنسانة بشرطة

منذ ولادة الفتاة وبغض النظر عن الدور الذي يرسمه لها مجتمعها، يوضع للفتاة دستورًا غير مكتوب وقواعد غير معلنة وأدوار متفق عليها ضمنًا، فالطفلة الجميلة هي الطفلة الهادئة المطيعة لوالديها، والفتاة الجيدة هي التي لا تخرج عن تقاليد العائلة، والأم العظيمة هي الأم التي تفقد أنوثتها وتفني نفسها لأجل تربية أبناءها، والشقيقة المثالية هي التي لا يشعر شقيقها بالإنزعاج والحرج بسبب تحررها وانفتاحها، والزوجة الرائعة هي السيدة التي تعيش فقط لأجل راحة ومساندة وإنجاح زوجها، وسيكلل صبرها ومثابرتها بالنجاح عندما يأتي الزوج ويفرد لها 10 مليميتر في ثاني صفحة بكتابه الجديد ليكتب “إهداءًا إلى زوجتي”، عليها دائمًا أن تكون زوجة عظيمة تعمل في الخفاء تقبل أن تكون مجرد جسم صغير يدور في فلك رجل هو محور الكون، بل عليها أن تسعد بذلك فسيكافئها الزوج ذات مرة أثناء ظهوره على إحدى الشاشات ويذكر أنها كانت سببًا في نجاحه، ليرضيها المجتمع بالجملة المقدسة: “وراء كل عظيم إمرأة” وإن أراد المجتمع خداعها وترويضها أكثر أضاف: “وراء كل رجل عظيم إمرأة أعظم”.

إذن في النهاية أنتِ كامرأة تعيشين في أي من هذه المجتمعات تستمدين قيمتك فقط من مدى اتباعك للأدوار المرسومة لك، فأنت كإنسانة تتمثل قيمتك في مجموع ما تحصلين عليه من درجات أدائك للأدوار المطلوبة منك بتفان.

أسوار من “لماذا”؟

تحاصر الفتاة بالتساؤلات منذ اللحظة الأولى لنضوجها وبدء اعتبارها مستقلة تتخذ قراراتها بنفسها، ويصبح عليها إيجاد إجابات منطقية ومقنعة لكل حركة تقوم بها في حياتها فمطلوب منها أن تجيب على أسئلة مثل: لماذا تريدين الذهاب لحفلة عيد ميلاد زميلك؟ ما الفائدة المرجوة من حضور زفاف صديقتك؟ لماذا تريدين السفر بينما يمكنك القيام بنفس العمل هنا؟ لماذا أحببتِ ذلك الرجل؟ لماذا تركتِ ذاك؟ هل تغيرت قناعاتك بشيء ما؟ ولماذا؟ لماذا تتحدثين بصوت ناعم؟ لماذا تتحدثين بصوت مرتفع؟

سيقوم أحد الصحفيين بمهاتفتك قبل منتصف الليل ليسألك: لماذا قمتِ بخلع الحجاب؟ وعندما ترفضين الإجابة انطلاقًا من أنك امرأة قوية وحرة ولست مطالبة بتقديم كشف حساب وتبريرات لتصرفاتك، سيباغتك بقوله: “لا تخشي شيئًا فلن أذكر اسمك” أو “سأضع علامة لا توضح وجهك” ليشعرك أنك ارتكبت إحدى الجرائم أو فعلتِ ما يجب عليكِ الخجل منه. سيهاتفك صحفي آخر ويساءلك: “لماذا ارتديتِ الحجاب” وعندما ترفضين أيضًا لأنه فقط قرارك وليس لديك ما تقولينه سيساومك منافقًا قائلًا: “أنتِ قدوة ومثال يحترم وقيمة في المجتمع”، في الحالة الأولى فقدت قيمتك لأن السيد الصحفي يرى خلع الحجاب أمر غير أخلاقي، وتكتسبين قيمتك في الحالة الثانية لأن نفس السيد الصحفي يرى أن ارتداء الحجاب يضفي عليكِ قيمة كبيرة.

في مجتمعاتنا العربية تعاني المرأة ليس فقط ازدواجية المجتمع بل أيضًا ازدواجية بداخلها هي، فهي ممزقة بين ما تريده هي كإنسانة وامرأة وبين ما يريده العقل الجمعي منها. إن تحدثتِ كأنثى قالوا تريد اجتذاب الرجال، وإن رفعت صوتك قالوا فقدت أنوثتها، قيمتك مرتبطة بمفهوم التضحية على طول الخط، تحتاجين أن يفخر بكِ أخ أو زوج أو عائلة كي تكوني امرأة صالحة.

لذا عزيزتي المرأة عيد سعيد، وأمنيتي لكِ هذا العام أن يحترمكِ الآخرون لمجرد كونك إنسان، وأن يتقبلك الجميع بلا شروط، وأن تستمدي قيمتك كإنسانة من نفسك وليس من كونك أمًا رؤوم لأطفال رائعين، أو زوجة صالحة للعظيم فلان، أو ابنة مطيعة للشهير علان. أتمنى أن تتحرري من وضعك تحت مقصلة إيجاد إجابات لأسئلة المحيطين حول كل حركة تقومين بها وكل نفس تتنفسينه.. أحلم لك بعالم ملئه الحب والسلام، عالم تشعرين فيه بالحب والرضا وتكونين فيه نفسك بلا ضغوط.

  • المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته، ولا يعبر بالضرورة عن رأي منصة أمل برلين

أسماء يوسف | أمل برلين 
Photo: Christian Ditsch – EPD