شهدت ألمانيا في الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في الجدل العام حول تصريحات المستشار فريدريش ميرتس (من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) المتعلقة بأمن النساء والهجرة. بعد أن قال في مؤتمر صحفي بمدينة بوتسدام إن “المشكلة ما تزال قائمة في المشهد الحضري”، في إشارة فسّرها كثيرون بأنها تلميح إلى المهاجرين. وعندما سُئل عن مقصده، أجاب ميرتس بعد أيام قليلة: “اسألوا بناتكم فقط!” وهي عبارة أثارت موجة من الانتقادات والاحتجاجات.
رسالة مفتوحة من خمسين شخصية نسائية: “من أجل سلامتنا”
وفقاً لتقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية، وجّهت أكثر من خمسين امرأة من مجالات السياسة والفن والعلوم والمجتمع المدني رسالة مفتوحة إلى المستشار تحت عنوان “من أجل سلامتنا”. وطالبت الموقعات في الرسالة الحكومة الألمانية ببذل المزيد من الجهود لضمان أمن النساء في الشوارع والمنازل. مؤكدات أن الهدف هو “مناقشة سلامة البنات، أي النساء، بجدية، لا كذريعة رخيصة لتبرير الخطابات العنصرية”.
ومن بين الموقعات على الرسالة ريكاردا لانغ (الرئيسة المشاركة لحزب الخضر)، لويزا نويباور (ناشطة المناخ المعروفة)، جوي دينالان (المغنية الألمانية)، أليس هاسترز (الكاتبة والصحفية في تاغسشاو)، إيزابيلا ويبر (الخبيرة الاقتصادية) وجوتا ألميندينغر (عالمة الاجتماع). وأكدت الرسالة، التي نشرتها قناة ZDFheute أيضاً، أن النداء جاء استجابة لاحتجاجات شهدتها مدن ألمانية عدّة تحت شعار “بنات ألمانيا”.
مطالب النساء العشر إلى المستشار ميرتس
تضمّنت الرسالة المفتوحة عشرة مطالب محددة تهدف إلى تحسين سلامة النساء وتعزيز المساواة. وبحسب ما ورد في موقع ZDFheute ودير شبيغل، جاءت المطالب كما يلي:
1. تحسين مقاضاة جرائم العنف الجنسي والعنف المنزلي.
2. تحسين الإضاءة والمراقبة في الأماكن العامة.
3. إدراج جريمة “قتل النساء” (Femizid) في قانون العقوبات.
4. جمع بيانات دقيقة حول العنف ضد المرأة.
5. تمويل كافٍ ومستدام لملاجئ النساء والأماكن الآمنة.
6. الاعتراف بالعنف بدوافع عنصرية في القانون والممارسة.
7. تعزيز الحماية ضد العنف الرقمي والعنصرية على الإنترنت.
8. إصلاح قانون الإجهاض بما يضمن حق تقرير المصير الجسدي.
9. دعم الاستقلال المالي للنساء.
10. مكافحة فقر الشيخوخة بين النساء.
وشددت الموقّعات على أن “المساحة العامة يجب أن تكون مكاناً يشعر فيه الجميع بالأمان، لا سيما النساء”. داعيات المستشار إلى تحويل تصريحاته إلى إجراءات عملية.
ميركل تدعو إلى “الصدق في الجوهر والاعتدال في اللهجة”
وفي خضم الجدل، دعت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل إلى اعتماد لهجة أكثر توازناً في الخطاب السياسي. وخلال ندوة في مدينة بون، قالت ميركل، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية (DPA) ، إنه “يجب الجمع بين الصدق في الجوهر والاعتدال في اللهجة”. مشيرةً إلى تجربتها في عام 2015. ورغم أنها لم تذكر ميرتس بالاسم، إلا أن تصريحاتها فسرت على أنها انتقاد ضمني لطريقة تعبيره عن قضية الهجرة وأمن النساء.
انتقادات سياسية من حزب الخضر
كما انتقد زعيم حزب الخضر المشارك فيليكس باناسزاك المستشار ميرتس، وقال في تصريح لإذاعة غرب ألمانيا (WDR): “إنه المستشار، ومسؤول عن هذا البلد، ومسؤول أيضاً عن كلماته”. وأضاف أن ميرتس لم يقدم أي “مقترحات ملموسة لتحسين أمن المدن الألمانية”، معتبراً أن ترك النقاش يأخذ مجراه دون تدخل سياسي واضح أمر غير مسؤول.
استطلاع رأي: غالبية الألمان يريدون من ميرتس انتقاء كلماته بعناية
بحسب استطلاع أجراه معهد فورسا لصالح مجلة شتيرن (Stern)، يرى 66% من الألمان أن على المستشار فريدريش ميرتس أن يختار كلماته بعناية أكبر. بينما قال 30% فقط إن تصريحاته “مناسبة وصحيحة”. وبيّن الاستطلاع أن الانتقادات جاءت من جميع الفئات السياسية، حتى من داخل معسكر حزبه: إذ وافق 44% من أنصار الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاجتماعي على أنه بحاجة إلى لغة أكثر حذراً مستقبلاً.
دعوى قضائية ضد ميرز بتهمة “التحريض على الكراهية”
وفي تطور قانوني للقضية، ذكرت صحيفة(Hamburger Abendblatt) أن المحامية توبا سيزر من مدينة هامبورغ قدّمت شكوى جنائية ضد المستشار ميرتس بتهمة “التحريض على الكراهية”. وقالت سيزر، وهي خبيرة في قانون الهجرة، إن تصريح ميرتس حول “Stadtbild” يربط الهجرة بالمشاكل الأمنية بشكل عام، وهو ما اعتبرته “تعميماً عنصرياً”.
وأضافت في تصريحاتها للصحيفة “لو أنه تحدث عن مشكلات تتعلق بالمجرمين أو الأشخاص المطلوب ترحيلهم، لكان ذلك رأياً محافظاً مشروعاً. لكن تعميمه يجعل من كل المهاجرين متهمين”. ونشرت المحامية عبر حسابها على إنستغرام نموذجاً جاهزاً لتقديم الشكوى، داعيةً المواطنين إلى إرسالها إلى مكتب الادعاء العام في برلين.
وأكد المكتب لاحقاً أنه تلقى عدداً من الشكاوى بالفعل، لكنه لم يُقدّم أرقاماً محددة. وأوضح المتحدث باسم النيابة مايكل بيتزولد أن “كل شكوى تُراجع قانونياً وفق الإجراءات المعتادة”. وبحسب الصحيفة نفسها، يتمتع المستشار ميرتس بالحصانة البرلمانية كعضو في البوندستاغ، ما يجعل إلغاء الحصانة خطوة ضرورية قبل المضي في التحقيقات، إلا أن هذا الاحتمال يُعد ضعيفاً في الوقت الراهن.
قضية لغوية تتحول إلى قضية سياسية
تظهر هذه التطورات المتسارعة أن النقاش حول “أمن النساء” في ألمانيا تجاوز طابعه الاجتماعي ليصبح قضية سياسية ولغوية بامتياز.
فالنساء اللواتي وجّهن رسالتهن المفتوحة لا يطالبن فقط بالأمان الجسدي، بل أيضاً بلغة سياسية مسؤولة تحترم كرامة الجميع دون تمييز. وفي الوقت نفسه، يكشف الجدل حول تصريحات ميرتس أن كلمة واحدة من مسؤول حكومي رفيع يمكن أن تشعل نقاشاً وطنياً واسعاً حول الهجرة، والعنصرية وحقوق المرأة، ودور الدولة في حمايتها.
المصدر باللغة الألمانية هنا

