Bild von Gerd Altmann auf Pixabay
10/07/2024

مفتاح السعادة وأسباب التعاسة.. وتأثير مرحلة الطفولة!

ما هو مفتاح السعادة وماهي أسباب التعاسة؟! وماهي علاقتها بالطفولة؟! كثيراً ما نسمع من مختصي التحليل النفسي هذه الأيام مقولة أنَّ كل شيء في حياة الإنسان له علاقة بطفولته بشكل أو بآخر. وأنَّ السنوات الأولى من عمر أي إنسان هي بمثابة الأساس الذي سيبني عليه بقية سنوات عمره. وإن كان هذا الأساس متيناً فستجري بقية مراحل عمره بعدها على ما يرام، وسيكون قادراً على رسم مستقبله بطريقة صحيحة. كما سيكون قادراً على المشي في الطريق الذي قد يمكنه من الوصول إلى أحلامه.

تأثير مرحلة الطفولة على المراحل اللاحقة في حياة الإنسان

أما إن كان هذا الأساس هشاً فاقداً للعناصر الأساسية التي ينبغي أن تكون موجودة فيه. وفي مقدمتها منح الطفل الكثير من العاطفة التي ستسهم في تحقيق توازنه النفسي فيما بعد. ومنحه فرصة اكتشاف عالمه الصغير بطريقة عفوية بسيطة بعيداً عن أي تعقيدات ومشاكل. فقد يكون هذا الطفل مستقبلاً عرضة للكثير من المطبات والأزمات النفسية، وعرضة كذلك للفشل في التأقلم مع محيطه، وفي عيش حياة سوية مستقرة تناسب شخصيته.

تساؤلات وحقائق

لكن ما هي حدود الدقة لهذا الكلام الذي نقرؤه عادةً في كتب علم النفس؟! ولأي درجة من الممكن أن تؤثر السنة الثانية أو الثالثة أو الرابعة على سبيل المثال بحياة أي إنسان فيما بعد؟! كيف تستطيع هذه السنوات التي بالكاد يكون الطفل فيها قادراً على النطق أن تتحكم بالقرارات التي سيتخذها والأهداف التي سيرغب بالوصول لها؟! هل يمكن أن تتمكن الصور التي يشاهدها طفل من الولوج إلى عقله حينها ومن ثم التحكم بمخيلته التي ستتسع مع مرور الأيام؟!

على الرغم من أنَّ علماء النفس يؤكدون جواب هذه الأسئلة بالإيجاب إلا أنهم لا يطرحون الكثير من الأدلة المادية المقنعة. ومع ذلك يبدو بالنسبة لي كلامهم السابق عن تحكم السنوات الأولى لأي إنسان بمصيره دقيقاً نوعاً ما، وسأطرح الآن مثالاً حول هذا الأمر.

السر الخفي خلف الشعبية الساحقة كرة القدم

لماذا لا نتخيل معاً طفلاً صغيراً بعمر السنتين أو الثلاثة اشترى أهله له كرة؟! ثم بدأ هذا الطفل اللعب بكرته، وراح يركلها بقدمه ويجري خلفها ويستمتع كل يوم تقريباً بقضاء وقته في اللعب بها. وراح يشعر بالطبع في أثناء ذلك بالمتعة والسعادة.

كرة القدم رياضة سهلة، وليست بحاجة لأكثر من أقدام سليمة كي يستطيع الإنسان ممارستها. كما أنَّ هذا الطفل الصغير الذي نتحدث عنه كان يستطيع اللعب بكرته في كل مكان تقريباً، في البيت، في الشارع، في الحديقة، في الملعب، في المدرسة، في النادي، وما إلى ذلك. وبهذا كان يستطيع قضاء الكثير من أيام طفولته وهو يلعب بالكرة مع أصدقائه الذين لديهم الميل ذاته.

 التعامل مع ذكريات الطفولة

بعد ذلك ذهبت أيام الطفولة وجاءت أيام الشباب، وكبر الطفل وكبر معه بقية أصدقائه. إلا أنَّ ذكريات الطفولة فيما يتعلق بالكرة بقيت عالقة في مخيلاتهم، وقسم صغير منهم هنا تمكنوا من متابعة اللعب بالكرة. وربما من احترافها حتى في النوادي وتحويلها إلى مهنة. أما البقية وهم السواد الأعظم منهم فقد تحولوا إلى جمهور للعبة كرة القدم قضى الكثير من أيام طفولته هو يركل الكرة بقدمه ويجري خلفها.

بالنسبة للطفل الذي نتحدث عنه فقد كان ممن خانهم حظهم في موضوع كرة القدم. ولم يتمكن من احترافها أو متابعة اللعب بها في شبابه، أو أنه ببساطة أراد أن يصبح شيئاً آخر بعيداً عنها. لكن ليس ببعيد عن طفولته التي كانت مليئة بالألعاب والصور والذكريات والتفاصيل الأخرى. وهكذا أصبح مشجعاً للعبة كرة القدم ويذهب إلى الملاعب ويشاهد كيف يمرر اللاعبون الكرة لبعضهم البعض. وهو يشاهد نفسه باللاشعور، ويتذكر لحظات ممتعة من طفولته كان يكتب من خلالها السطور الأولى في شخصيته.

لو افترضنا هنا أنَّ هذا الطفل وأصدقاءه لم يركلوا الكرة ويجروا خلفها عندما كانوا أطفالاً. فلن يفكروا دون شك حتى بفكرة دخول الملعب ومشاهدة أشخاص آخرين يركلون الكرة ويجرون خلفها بعد أن كبروا، وكانت هذه الفكرة ستكون بالنسبة لهم سخيفة للغاية.

على هذا الأساس كذلك فإنَّ شعبية كرة القدم الكبيرة بين الذكور على وجه التحديد. وليس غيرها من بقية أنواع الرياضة التي لا تقل متعتها عن متعة كرة القدم عائدة فقط لأنَّ معظمهم قاموا بركل الكرة والجري خلفها في مرحلة مبكرة من حياتهم. ولأنَّ صورة كرة القدم رافقتهم باللاوعي بعدها في مخيلاتهم وأحلامهم لسنوات طويلة.

 سر سعادة وتعاسة الإنسان تكمن في مرحلة الطفولة

إنَّ شعبية كرة القدم الساحقة في كل بقاع الكرة الأرضية تقريباً مثال واضح ربما على أنَّ كل شيء بحياة الإنسان له علاقة بطفولته. كما أنَّ هذا المثال ينطبق على بقية الأمور الأخرى التي تشكل ذاكرتنا في السنوات الأولى من عمرنا. وإذا سلمنا جدلاً بصحة هذا التحليل تكون تلك التجارب البسيطة التي عشناها آنذاك، وتلك الصور التي نظرنا إليها ولم نفهم حينها ماهيتها. تلك المحادثات التي أجريناها مع آبائنا وأمهاتنا حول مواضيع شتى، والألعاب التي لعبنا بها مع أقراننا. هي العجيبة التي شكلت عالمنا بعد ذلك، وسيطرت علينا في كل مرحل عمرنا اللاحقة. وهي ما شكلت مخزون السعادة التي قد نكون شعرنا بها في الأيام اللاحقة.

بالمقابل إن كان هناك شخص بالغ يشعر بتعاسة دائمة بطريقة غير مبررة، وذلك على الرغم من أنه يملك جميع أسباب السعادة التقليدية. فربما كان ذلك راجعاً لتشويش حصل في فترة مبكرة من طفولته، ثم دفن بعد ذلك في اللاوعي لديه تحت رماد الذاكرة. وللأسف أنَّ كثيراً من الآباء والأمهات يستخفون بهذه المرحلة من عمر أطفالهم دون أن يدركوا بأنهم يرتكبون غلطة كبرى بحقهم. وفي الوقت الذي عليهم فيه مساعدتهم على رسم صورة واضحة لأنفسهم وعالمهم يتقاعسون عن فعل هذا الأمر، ويكتفون بتأمين حاجاتهم الأساسية فقط. فيكبر الأطفال وهم يشعرون بخلل ما يجعلهم عاجزين عن الاستمتاع بحياتهم. وعن التفكير بطريقة منطقية صحيحة، وعن تحقيق أي نجاح حقيقي منسجم مع ذواتهم وشخصياتهم.

سأختتم هذا المقال هنا بالقول فقط أنه غالباً، ومن منطلق نفسي بحت، فإنَّ سر سعادة أي إنسان يمكن في طفولته. وأنَّ سر تعاسة أي إنسان يمكن في طفولته كذلك، وأنَّ كل ما يعيشه الإنسان من أحداث وتجارب بالنسبة لهذه المسألة بالذات هو تحصيل حاصل. شأنه في ذلك شأن بناء غاية في الروعة والجمال إلا أنه بني على الرمال التي قد تذوب من تحته في أية لحظة.

المقال لـ مازن دقة