Foto: Kholoud Fakhra
24/01/2024

المطاعم العربية في برلين.. وصفة الانتشار والنجاح!

برلين، مدينة الألف وجه ووجه، يشكّل الوجود العربي فيها أحد أهم هذه الوجوه. فهو الذي ترك بصمةً لا يستهان بها في عالم المأكولات والأطباق العربية المميزة. ومن بين مجموع سكانها الذي يقترب من أربعة ملايين نسمة. جاء العرب ليشكّلوا ما يعادل خُمس العدد الإجمالي للأجانب في المدينة تقريباً. ويبرز بعضهم اليوم -بعد مرور سنين طويلة من اللجوء- ليقدّم لنا صورةً جميلة من صور نجاحه بإدارة هذه المطاعم العربية التي ساهمت في جعل برلين مدينة الألف طعم وطعم.

مبادرات طيبة وإثبات وجود!

نزهة قصيرة على الأقدام في شارعي Sonnenallee وKarl-Marx-Straße. ثم جولة في السّوق والجلوس بإحدى المطاعم المشهورة هناك. كفيلتان بتبديد كلّ الهواجس التي خلقتها ادّعاءات وجود المافيات. أو المسلسلات التي تهدف إلى الإثارة والدراما، بشهادة السيّاح والمتسوقين، رجالاً ونساءً وأطفالاً من كلّ الأعمار. هذا ما أكدته لي صديقتي وجارتي الألمانية هايكه التي شاركتني فطوراً خفيفاً في واحدٍ من تلك المطاعم قائلة: “لقد أثبت الطعام العربي وجوده في بلدنا منذ سنوات، فنحن نحبّه ونطلبه رغم حبّنا لمأكولاتنا الألمانية المعروفة، وحقيقةً.. لقد ترك أصحاب المطاعم العربية بصمة جميلة في منطقتنا، فمثلاً.. نحن لا نزال نتذكر مبادرة (أبطال برلين) التي قاموا بها السنة الماضية، والتي قدموا فيها وجبات طعام بيورو واحد فقط، لرجال الشرطة والإطفاء الألمان، بدافع العرفان بالجميل بعد أحداث شغب ليلة رأس السنة 2023، وتوضيح أن العرب والألمان يد واحدة. وأن أي فعل همجي يتم في شوارع منطقة نويكولن لا يتعلق بجنسية أو هوية محددة. بل من الممكن أن يشمل الجميع”.

 التعاون وروح الفريق!

علاء الدين الملّوحي، مدير مطعم “صنوبر” الذي يتوسط شارع Sonnenallee أو “شارع العرب” كما يحب أن يسميه البعض. يروي لنا تجربته في هذا المجال: “شخصياً، لم أتعرض لهجوم مافيات أو فرض أتاوات، كنت أسمع عن هذا من قبل، ولكن الأمور هادئة في هذا الشارع ولله الحمد.. يأتي إلينا الناس من مختلف الجنسيات والأطياف، ولا نواجه سوى مشكلة ضيق مساحة المحل”!

المطاعم العربية

علاء الدين الملوحي

يتابع الملّوحي القادم من حمص، والذي يعمل بالمطعم منذ أربع سنوات ونصف: “بدأت كعامل بسيط في المطبخ، ثم اتفقت مع أصحاب هذا المطعم (لبنانيي الأصل) أن أستثمر مهاراتي التي اكتسبتها في بلدي قبل المجيء لألمانيا، وأن أضع لمساتي السورية في عالم المعجنات والمأكولات الشعبية المعروفة. فتم الأمر بنجاح واستلمتُ فيما بعد إدارة المطعم، ولا نزال حتى الآن نعمل بروح الفريق الواحد الذي يتقبّل رأي الآخر. ويهمّه إسعاد الناس من خلال اللقمة الطيبة”. ويَعتبر الملوحي أن لبنان وسوريا بلدٌ واحد لا فرق بينهما، لدرجة تفكير أصحاب المطعم بتغيير اسمه مستقبلاً إلى صنوبر بلاد الشام!

يتابع الملوحي: “أؤمن بوجود عاملان مهمان لنجاح أي مطعم كما يقال عندنا: (أن يكون لابن مصلحة، وأن يكون عنده النَفَس الطيب)، ولا ننسى طبعاً العامل المادي المهم لإنجاح أي مشروع. وعامل النظافة الدائمة بالمطعم، إضافةً إلى ضرورة وجود الخبرة بالأساس من أجل الاستمرارية والمحافظة على اسم المحل. فالعبرة ليست بالبداية فقط، بل هي دائماً بالنهايات”.

سر النجاح..

المطاعم العربية

عبد العزيز النميري

أما عبد العزيز النميري، مدير مطعم Feel good food، والقادم من الجولان/ سوريا. فله تجربة مختلفة يرويها لنا: “قبل مجيئي إلى ألمانيا درستُ وعملت لمدة ست سنوات في مطعم عليا المركزي في الأردن. ثم تابعتُ دراستي هنا في Ausbildung اختصاص طبخ ألماني. فكان لكل هذا أثر في ازدياد خبرتي كـ Chef، وبداية لفكرة افتتاح مطعم يمزج بين الأكل العربي المطلوب بكثرة هنا كالفلافل والمقالي. والطعام الألماني الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المكونات الصحية الغنية بالخضار الطازجة أو المشوية للأشخاص النباتيين Vegetarier”. ويتابع النميري: “طبعاً بالإضافة إلى إدخال لمساتي الخاصة في سندويش الشاورما العربي على طريقة الدونر التركي. فكان لهذا العمل الاستحسان والإقبال من عدد كبير من الناس ولله الحمد. وأنا هنا أؤكد على ضرورة وجود الخبرة والتخصص لنجاح أي مطعم، صحيح أن العامل المادي مهم ولكنه ليس أساسي”.

يضيف النميري: “لم أواجه صعوبات أو ضغوطات من أي أحد، وبداياتي كانت ميسّرة في تحضير الأوراق المطلوبة لجميع دوائر الدولة الألمانية. لكني أنصح كل مبتدئ في هذا المجال أن يكون صاحب خبرة وابن المهنة، وإلا فسيكون الفشل حليفه. كما يجب أن يكون يقظاً عارفاً بقوانين الدولة. وأحذّره من بعض عمليات النصب والاحتيال عند شراء أو استئجار أي محل. فهناك للأسف بعضاً من (الملّاك القدامى) الذين يستغلون نجاح أي شخص ولا يفون بوعودهم معه”.

مطاعم مميزة برائحة وطن!

يتضح لنا، أنه برغم وجود بعض الفوارق بين معظم المطاعم العربية في برلين. إلا أن ثمة قواسم مشتركة تجمعها جعلت منها عوامل رئيسية لتحقيق النجاح. كالموقع الحيوي داخل العاصمة، ووضوح الرؤية فيما يخص “نوعية” شريحة الزبائن المراد استقطابها. والإخلاص بالعمل وتقديم الأطباق العربية لكل متشوق لنكهةِ الشّرق الأوسط. ولكل عربي يشعر أحياناً أنه قد وجد بديلاً مؤقتاً عن وطنٍ يفتقده!

  • إعداد وتقرير وتصوير: خلود فاخرة