Foto: dpa
10/05/2023

برلين تحيي ذكرى “محرقة الكتب الكبرى” قبل 90 عام!

في ليلة العاشر من أيار/ مايو عام 1933، اشتعلت النيران بآلاف الكتب في المدن الألمانية. وشكلت محارق الكتب في ساحات المدن العامة، ذورة حملة “ضد الروح غير الألمانية” التي أطلقها الحزب النازي آنذاك. والتي بدأت بعد بضعة أشهر من استيلاء الحزب على السلطة. وبالتحديد في 30 كانون الثاني/ يناير 1933، باضطهاد ممنهج لليهود والمعارضين وغير المرغوب فيهم سياسياً من الكتّاب والصحفيين والعلماء!

عمل وحشي

وفي تعليق على ذكرى هذه الحملة، قال عمدة برلين كاي فيغنر (CDU): “إن حرق الكتب كان عملاً من الأعمال الوحشية، التي تذكرنا حتى يومنا هذا بأهمية حرية التعبير وحماية الحقوق الديمقراطية الأساسية”، وأضاف فيغنر في بيان صحفي حصلت أمل برلين على نسخة منه: “في قلب برلين، ولكن أيضاً في جميع أنحاء ألمانيا، أحرق الاشتراكيون الوطنيون على وجه التحديد أعمال المؤلفين الذين أعلنوا أنهم غير مرغوب فيهم سياسياً، بما في ذلك العديد من الكتاب اليهود والمنشقين”. وشدد فيغنر: “يجب ألا ننسى أبداً أن حرق الكتب لم يكن عملاً إرهابياً فحسب، بل كان أيضاً مقدمة للجرائم المروعة التي ارتكبت خلال فترة الاستبداد النازي”!

وتابع فيغنر: “لذلك من المهم جداً بالنسبة لي أن توفر برلين الآن موطناً آمناً للمؤلفين المضطهدين والمهددين من جميع انحاء العالم، ففي برلين يمكن العمل ووالتقدم بحرية واستقلالية، دون خوف من الاضطهاد والرقابة”!

ماذا حدث في 10 أيار/ مايو 1933؟

قبل 90 عاماً، أُحرقت آلاف الكتب في برلين، وحوالي 20 موقعاً جامعياً آخر في ألمانيا. الحرائق نُظمت من قبل اتحاد الطلاب الألمان DST، حينها كان تحت سيطرة النازيين. أثناء عمليات الحرق ارتدى العديد من المشاركين زيّاً رسمياً من SA وSS، وهي منظمات شبه عسكرية تابعة للحزب النازي.

واشتعلت النيران بأعمال العديد من الكتاب والصحفيين والعلماء المشهورين. منهم بيرتولت بريخت، إريك كاستنر، ألفريد دوبلين، آنا سيغيرس، إريك ماريا ريمارك، إلس لاكر شولر، سيغموند فرويد وكورت توشولسكي وغيرهم. وفي برلين وحدها تم إحراق نحو 20 ألف كتاب. تحت أنظار ما يقدر بنحو 80 ألف شخص، بما في ذلك أساتذة الجامعة، في ساحة Opernplatz والتي تحمل اليوم اسم Bebelplatz. لم يكتفِ الطلاب حينها بالفرجة فقط، بل ساهموا بإلقاء الكتب في النيران. وبعد منتصف الليل ظهر وزير دعاية هتلر جوزيف غوبلز، وألقى خطاباً أمام الحشود المتجمعة!

لما أحرق النازيون الكتب؟

حرق الكتب هو ذروة الحملة التي استمرت أربعة أسابيع، تحت اسم “ضد الروح غير الألمانية” والتي بدأها أيضاً اتحاد الكتاب في 12 نيسان/ أبريل 1933. وأُعلن عن هذا الإجراء على النحو التالي: “حرق الأدب اليهودي من قبل الهيئات الطلابية في الجامعات بمناسبة التحريض المخزي ليهود العالم ضد ألمانيا”. يجب تسليم “كل شيء” غير ألماني للنار.

وبحسب دويتشلاند فونك كولتور نُشر “12 أطروحة ضد الروح غير الألمانية” في جميع أنحاء الرايخ. وهي تشمل، المطالبة بأن تكون اللغة الألمانية “تعبيراً نقياً” للكلمة الألمانية “Volkstum”. وأُعلنت الجامعات الألمانية على أنها ساحات معارك خارج قوة الروح الألمانية! ومع ذلك، فإن حرق الكتب لم يكن موجهاً فقط ضد المؤلفين اليهود، ولكن أيضاً ضد المؤلفين الاشتراكيين والليبراليين وضد المعارضين الآخرين للنازيين، ونظرياتهم ومواقفهم السياسية.

قبل يوم المحرقة، كان الطلاب يفرزون ويجمعون المؤلفات التي كانت “تستحق الحرق”. وشكلت القائمة السوداء التي وضعها أمين مكتبة برلين آنذاك فولفغانغ هيرمان، أساساً لاختيار الكتب التي ستُحرق!

ما هي عواقب حرق الكتب؟

بالنسبة للعديد من الكتاب والصحفيين والعلماء الذين كانوا يعيشون في ألمانيا آنذاك، كان حرق كتبهم مقدمة لقمع شديد وُجّه لهم. فقد فرض النازيون حظراً على الكتابة، وطردوا بعض المؤلفين من البلاد، فيما قرر آخرون الفرار بأنفسهم. ونُفي حوالي 2000 كاتب، واُعتقل بعضهم، وعُذّبوا وقُتلوا، فيما آثر آخرون إنهاء حياتهم بانفسهم. وبحسب دويتشلاند فونك كولتور فإن بعض المؤلفين تعرضوا للنسيان حتى يومنا هذا!

هل كان هناك بالفعل حرق للكتب قبل عام 1933؟

مع حرق الكتب، أعاد النازيون الحياة لممارسات عمرها قرون. فهناك أدلة بحسب دويتشلاند فونك كولتور على حرق الكتب في الصين حوالي عام 200 قبل الميلاد. وفي أوروبا، أحرق الإمبراطور الروماني دقلديانوس كتابات مسيحية بعد عدة قرون. وطوال العصور الوسطى، أمر الأباطرة، أو الأساقفة بانتظام بإتلاف الكتابات التي كانوا يعتبرونها “هرطقة”. وفي عام 1242، وبأمر من الكنيسة الكاثوليكية، تم إحضار الكتب اليهودية من جميع أنحاء أوروبا الغربية إلى باريس وحرقها بمحرقة كبيرة.

حتى في الفترة الحديثة المبكرة، استخدمت الطريقة ذاتها بحرق عدة كتب. كما حُرقت كتابات الفيلسوف الفرنسي فولتير، والشاعر الروماني القديم أوفيد.