يعد التنمر من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي باتت منتشرة إلى حدٍ ما في أجواء العمل، والتي تمارس ضد الأجانب والقادمين الجدد في ألمانيا، ويرى علماء النفس أن التنمر في العمل يعود لأسباب اجتماعية وسيكولوجية تدفع شريحة كبيرة من الألمان إلى اقتراف سلوكيات عدائية ضد زملائهم في العمل أو مدراء ضد مرؤوسيهم، ولابد من إيجاد حل يقي كلا الطرفين من أمور لا تحمد عقباها..
عنصرية وعدم احترام!
إسماعيل محمود، خريج كلية الهندسة المعلوماتية من جامعة حلب، عمل في إحدى شركات البرمجيات في دبي منذ عام 2007، ثم جاء إلى ألمانيا عام 2015، وبعد جهد جهيد وجد عملاً في شركة برمجيات بمدينته، إلا أنه اصطدم بواقع المعاملة السيئة في الشركة أوضح قائلاً: “كانت معالم العنصرية تجاه الأجانب تبدو واضحة أثناء عملي، سواء من قبل المدير أو العاملين، كانوا ينظرون نحوي نظرة دونية، كان كلامهم دائماً ملغوماً يحمل في طياته الكره وعدم احترام الأجانب، فعلى سبيل المثال كانوا يسألوني دائماً لماذا أتيت إلى ألمانيا لما لم تذهب إلى دولة أخرى؟ ناهيك أنهم كانوا ينعتوني بألفاظ سوقية عندما يتحدثون معي، أيضاً عندما يريدون مخاطبتي لا ينادوني باسمي، بل يقولون هي أنت تعال! وكنت أستشيط غيظاً من طريقة تعاملهم، رغم أني حاولت التقرب منهم بطرق شتى لكن مبادرتي قوبلت بالرفض”!
أشكيك لمين؟
اختتم محمود معاناته بقوله: “رغم شرحي الأمر للمدير بأن زملائي لا يحترموني و يعاملوني بطريقة سيئة، كان جوابه أنه سيحقق بالموضوع، إلا أن معاملتهم لم تتغير بتاتاً، بل على عكس ذلك زادت تصرفاتهم السيئة تجاهي! كما أن المدير لم تكن معاملته لي أفضل منهم، بل كان يتكلم معي بنبرة حادة وصوت مرتفع، ويتحدث بسرعة فائقة، وعندما أقول له أرجو أن تتكلم ببطء كان يجيبني: اذهب وتعلم الألمانية أفضل من أن تعمل! ورغم أني شرحت له مراراً بأني أجيد الإنكليزية وبإمكانه التحدث معي بها، إلا أنه رفض الأمر جملة ًوتفصيلاً! وكان شجاري مع أحد الزملاء هي القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث استدعاني المدير إلى مكتبه وطلب مني الذهاب إلى البيت، ريثما يبت في أمري، وبعد يومين أرسل لي عبر البريد قرار فصلي من العمل”.
همز ولمز
أما ساهر عبد الرؤوف لم يكن حاله أفضل من حال سابقه فقد بيّن قائلاً: “عملت كموظف أمني في مول (GALERIA) بمدينة غوتنغن، وتعرضت لمضايقات كبيرة من قبل زملائي وبدت عليهم علامات الكره تجاهي! كانوا يسخرون مني دائماً ويشتموني بألفاظ نابية، كذلك يقلدوني بسخرية عندما أتحدث معهم، ويلفقون أقاويل لم أصرّح بها، وينقلوها إلى الإدارة، وكثيراً ما كان المدير يصدقهم لكونهم ألمان وقديمي المهنة، كما كانوا يتجسّسون أثناء حديثي مع الزبائن، ويراقبون تحركاتي حتى عند ذهابي إلى الحمام! وفي نهاية الأمر صدر قرار بفصلي من العمل لأن المدير صدّق زيف ادعاءاتهم التي لفقت ضدي، رغم أنها كانت محض افتراء”.
رأي مغاير
أما علي الأحمد فقد نفى نفياً قاطعاً تنمر الألمان ضده خلال عمله و نوّه قائلاً: “أعمل حارساً أمنياً في شركة (Octeo) لخدمات الحراسة الأمنية بمأوى لرعاية اللاجئين في دويسبورغ، بحيث تسود المودة والاحترام بيني وزملائي، ولم أشعر بوجود تنمر من قبلهم، بل على العكس مع مرور الوقت كانت صداقاتنا وزياراتنا العائلية المتبادلة هي حصيلة جو العمل الإيجابي، كما يتفقد حالي الرئيس المباشر دائماً، ويلبي احتياجاتي ويعاملني بمساواة وزملائي الألمان”.
ويضيف الأحمد: “أتمنى الاستمرار بالعمل والحصول على عقد ثابت في الشركة، لأني وجدت كل ما أصبوا إليه من مساواة واحترام، كما أنه خلال فترة وجودي في ألمانيا منذ سبع سنوات، لم أصادف ولو لمرة واحدة أي علامات تنمر أو عنصرية من قبل أي شخص ألماني، حتى أنه كانت معاملة موظفي (Jobcenter der) أو (Ausländerbehörde) جيدة للغاية، ولم يبدر أي تعامل سيء منهم بحقي”.
علم النفس يتحدث
المعالجة السلوكية ميرفت عطايا أوضحت أن التنمر هو سلوك عدواني يتمثل في الأذى اللفظي أو الجسدي بشكل مستمر ومتكرر ومتعمد، والتفكير في إيذاء شخص بعينه على الدوام. والمتنمر شخص ضعيف هش من الداخل ويمارس هذا السلوك لتغطية نقص أو ضغط وكبت معين. ويأتي الحد من هذه الظاهرة بإيقاف الشخص المتنمر من خلال إعلام رئيس العمل وعدم ترك الحبل على الغارب، كي لا تتطور الحالة إلى صدام مباشر بين المتنمر والضحية، بحيث تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها من ضرب واعتداء بين الطرفين.
ضرورة معرفة الحقوق والواجبات
كما يجب أن يتعرف العامل على حقوقه بنفسه ويفهم بنود العمل المنصوص عليها في قانون العمل ببلده، والتي تمنع أي سلوك عدواني لفظي أو جسدي لأي شخص مهما كانت مرتبته الوظيفية، وتقضي بالتبليغ عن أي تنمر قد يتعرض له العامل مع تقديم الأدلة والبراهين، وفي حال عدم انصات رئيس العمل للعامل، يتوجب على الأخير التقدم بشكوى رسمية إلى الجمعية النقابية المختصة التي بدورها ترفع الطلب إلى المحكمة وتباشر هذه الأخيرة دورها القضائي.
زيادة الوعي والتعرف على أشكال التنمر
ونوّهت عطايا قائلة: “يتعرض الشخص للتنمر في بيئة العمل أحياناً ولا يعرف أن ما يتعرض له يسمى تنمراً! لذا وجب التعرف على الأمر، وتتجلى مظاهره بعدم احترام الشخص وقدراته وقيمته المهنية ومهاراته، أو عدم توكيله بمهام عمل لإيهامه أن وجوده لا نفع له، أو توكيله بمهام تفوق طاقته وزيادة حجم مسؤولياته، مما يتسبب بإرهاقه، بالإضافة إلى توجيه النقد المستمر له، أو تعرضه للأذى اللفظي (الشتائم والتجريح)، أو التسلط عليه وترهيبه”.
آثار سلبية
وختمت العطايا بالقول إن التنمر يولد آثار نفسية وجسدية على الضحية، كالإجهاد والتوتر والضغط النفسي الشديد والقلق والاكتئاب، والشكوى من قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم! كما ينجم عنه انعكاسات سلبية كبيرة على الفرد وروح العمل، فيؤثر سلباً على الأداء الوظيفي واحجام الموظف عن المشاركة باقتراح أفكار تفيد العمل وتطوره، ويؤثر أيضاً على إنتاجية العمل وفقدان الحافز والصعوبة باتخاذ القرارات، لانشغال الضحية برد سلوك التنمر السلبي، كما يؤدي إلى انعدام الثقة بالإدارة، ما يؤثر سلباً على نظام العمل ككل!
- إعداد وتقرير: عدنان كدم
adnankadm15@gmail.com