16/04/2023

أنا أسكن بمتحف في برلين استقبل 1.3 مليون لاجئ!

“أنا أعيش بمتحف” هذا جوابي لمن يسألني أين تسكن في برلين. نعم أنا أعيش بمتحف! تخيل أن تسكن في مكان مرّ عليه ما بين عامي 1953 و1993 حوالي 1.3 مليون شخص. منهم أطفال ونساء ورجال، جميعهم خاضوا تجربة اللجوء. ربما يخطر في بالك فورًا أنهم أجانب، بل هم من الألمان. إنه مركز اللجوء في مارين فيلده، الذي يقع بالزاوية الجنوبية الغربية من العاصمة برلين.

مركز اللجوء في مارين فيلده

70 عاماً على الافتتاح

في 14 نيسان/ أبريل 1953، جاء الرئيس الألماني آنذاك تيودور هيوس من بون إلى برلين، لافتتاح موقع جديد ومهم في الجزء الغربي من المدينة المقسمة. هذا الموقع والذي اكتملت المرحلة الأولى من بنائه في أقل من عام، من المفترض أن يستقبل اللاجئين من برلين الشرقية، وبقية جمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR بعد وصولهم إلى القسم الغربي من البلاد، والذين كانوا يفرّون بالآلاف شهرياً، بحثاً عن مستقبل جديد. وحضر الافتتاح ممثلون عن الحلفاء الغربيين الثلاثة، فرنسا، وأمريكا، وإنكلترا.

حينها ألقى هيوس خطاباً، ولم يوجّهه فقط للحاضرين، بل أراد أن تصل كلماته للقسم الآخر من البلاد. وأكّد هيوس حينها لسكّان ألمانيا الشرقية التي كانت تحت سيطرة السوفييت، أن الجمهورية الألمانية لن تنساهم. وأظهر التزام الحكومة آنذاك بمنح اللجوء لهم. وعلى الرغم من أنها لن تكون جنة، إلا أنه سيكون مكاناً للعودة إلى الديار بحسب تعبير هيوس.

المراحل التاريخية التي مرّ بها المبنى

بيروقراطية وتحقيقات

تلك المرحلة من التاريخ، كانت ألمانيا مقسّمة إلى دولتين. الأولى DDR، والتي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، والثانية، كانت مدعومة من قبل الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية على النظام النازي. وهم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإنلكترا. وكما هو الحال في كل زمان ومكان. تلعب المعلومات دوراً مهماً في الصراعات والحروب. لذا كانت تُجرى استجوابات للفارين من ألمانيا الشرقية من قبل المخابرات، سواء الألمانية أو مخابرات الحلفاء.

كانوا يسألون عن كل شيء، عن طرق الهروب، وعن المساعدين، وعما رآه اللاجئ في طريقه إلى القسم الغربي من البلاد. خوفاً من وجود جواسيس بين الهاربين. وعلى اللاجئ حينها أن يمرّ بهذه الإجراءات جميعها، ناهيك عن البيروقراطية، والأوراق وهناك صورة في مبنى المتحف الذي يحكي قصة المكان، تُظهر الأختام المُستعملة حينها. لكن كل ذلك، ولو أنها تجربة مريرة إلا أن مارين فيلده كان عبارة عن ممر من جحيم الشرق إلى فردوس الغرب رغم جميع المنغصات.

شكل الغرف في السابق

التاريخ يعيد نفسه

خطاب هيوس، ذكّرني بخطابات ميركل، وصراعاتها التي خاضتها في 2015 و2014، من أجل استقبال اللاجئين السوريين والأفغان، وغيرهم. والهاربين من نظام لا يقل دموية وبطشاً عمن كانوا يديرون شؤون البلاد في ألمانيا الشرقية. ففي مارين فيلده يعيش الآن حوالي 700 شخصاً من سوريا، وأفغانستان، وإيران، وتركيا، والشيشان. فالمكان سيكون انطلاقتهم للحياة الجديدة في ألمانيا. ربما الإجراءات تغيّرت، لكن البيروقراطية  باقية. لكن وبعد 8 سنوات من العيش في المكان، وسط أزمة السكن التي يعاني منها سكان برلين. هناك الكثيرون ممن غادروا، وبدأوا حياتهم خارج اسوار المكان.

واجهة مبنى المتحف عليها صور ممن عاشوا في المكان

في عشق برلين

برلين تشكّل متحفاً بكل شوارعها وأبنيتها، لكن هذا المكان، شكّل لي حالة خففت علي من وطأة الوصول والصدمة الأولى. بل ساهم ولو بجزء قليل بحل عقدة النقص، التي كان يُشعرنا فيها البعض، وهي أننا لاجؤون. وهاربون من بلادنا. ففي هذا المكان عاش الألمان تجربة اللجوء، بمرارتها، وبقسوتها، وبكل النتائج التي تترتب عليها. ربما كانت أخف كونهم يتحدثون ذات اللغة. لكن اللجوء وخاصة في بدايته، لا أبالغ إذا ما شبهته بحياة البرزخ! منّا من يتجاوزها ويبدأ حياة جديدة. ومنّا من لا يحتمل كل ذلك.

مُلضق في المكان بمناسبة 70 عاماً على افتتاحه