Foto: Syria Civil Defence
08/03/2023

ملائكة الخوذ البيضاء

تفعل النساء ما يجب فعله حين يتعلّق الأمر بمن يخصّهن. وهذا لم يكن أمراً طارئاً، إنما هو قاعدة ثابتة لا تحيد عنها. وسواء كانت إحداهنّ أماً، أختاً أم زوجة تصبح كـ لبؤة لا تنفك تدافع عن عائلتها بشراسة. وإن كانت تؤمن بما تقوم به فمن المستحيل أن تتخلّى عنه؛ ومنهنّ ملائكة الخوذ البيضاء.

نساء الثورة

وإن كنا قرأنا سابقاً قصصاً تحاكي صمودها، فإن ما فعلته النساء خلال ثورات الربيع العربي يؤكّد تلك القصص وهذا ما لمسناه جميعاً. أذكر جيداً كيف كنّ يخرجن للتظاهر ويشاركن في الاعتصامات. وكيف كنّ يقمن بتهريب الشباب حين بدأ النظام بقمع المتظاهرين، ويهجمن على رجال الأمن ويخلصن الشبّان من بين أيديهم. وكم كان تواجدهنّ عظيماً في المشافي الميدانية، يضمّدن الجراح ويعتنين بالمصابين.

اعتقلن وتعرّضن للتعذيب واختطف بعضهنّ وقتل منهنّ من قتل، وحين تهجّرت عائلاتهن وفقدت إحداهنّ زوجاً أو أباً أو ابناً كانت المعيل وحملت عبء عائلتها.

فاعلات رغم التهجير

إحدى متطوّعات الدفاع المدني السوري

لا يخفى على أحد أن ما مرّ به السوريون خلال 12 عاماً لا يمكن احتماله، فبين القصف والتهجير الممنهج تضيق سبل الحياة وتزداد المعاناة. لكنّ ذلك كلّه لم يثنِ من عزيمتهم. عادوا كطائر الفينيق ينفض رماد الحزن ويشتعل من جديد. ورغم الخوف من القصف المستمرّ على بلداتهم وقراهم، فنراهم يودّعون شهداءهم ويعودون لبناء بيوتهم من جديد. أمّا النساء فيحملن عبئاً مضاعفاً في غياب من يعينهنّ، لكنّهن لملمن حزنهنّ ونسجْنَه أجنحة يحلقن بها. ولم تقتصر أعمالهنّ على ما يدور في البيوت فحسب.

متطوّعات في الدفاع المدني السوري

أجبرت رحلة النزوح والتهجير القسري إلى الشمال السوري عائلات بأكملها على البدء بحياة جديدة. وأمام القصف المستمرّ من قبل النظام السوري والروسي والذي لم يهدأ في أحلك الظروف. كان لا بدّ أن يتحرّك الجميع ويقدم يد العون دون توانٍ وكان نشوء الدفاع المدني السوري المعروف بـ الخوذ البيضاء ضرورة حتمية.

وكعادتهنّ لم تقف النساء مكتوفات الأيدي، وشاركن منذ تأسيس مؤسسة الدفاع المدني عام 2013. ومع تطوّرها أصبح هناك مراكز نسائية خاصّة. وفق ما صرّحت به فاطمة العبيد إحدى المتطوّعات في المؤسسة: ” نحن حالياً لدينا 39 مركز نسائي منتشر بمناطق شمال غربي سوريا. نقدّم فيها الإسعافات الأولية داخل مراكز الرعاية المنزلية ومسح الأمراض المزمنة في المخيمات. ونعمل على نقل المرضى المصابين بالقصور الكلوي من أجل عمليات غسيل الكلى داخل المراكز المختصّة بالإضافة إلى جلسات التوعية التي تواكب الظروف الاجتماعية والمخاطر التي تحيط بالمدنيين والأهم هو مهمّة البحث والإنقاذ”

الصعوبات التي تعترض طريقهنّ؟

إحدى متطوّعات الدفاع المدني السوري

في معرض حديثنا عن الصعوبات اعتبرت فاطمة العبيد أن التسمية غير دقيقة: “نحن لا نستطيع أن نطلق عليها تسمية صعوبات وإنما هي تحدّيات وكل عمل يواجه تحديات” وأكّدت أنه بالإضافة إلى الاستهداف المزدوج الذي يتعرضون له خلال البحث والإنقاذ من قبل قوات النظام وروسيا وانتشار الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا وكورونا يبدو التحدي الأكبر الذي يواجهنه هو قدرة المتطوّعة على القيام بدورها كأم وكمتطوّعة في الدفاع المدني رغم المخاطر التي تهدّد حياتها.

ردّة فعل المجتمع حول عمل المتطوّعات في مجال الإنقاذ؟

ولأن هناك أخطار كبيرة كانت البداية صعبة بحسب العبيد. “نحن أيضاً أمام ردة فعل المجتمع ففي بداية التطوّع كان هناك جهل لدى المدنيين عن عمل متطوعات الدفاع المدني وهذا الأمر فيه تحدِ لنثبت وجودنا ولنثبت ما نستطيع القيام به وماهي أعمالنا. لكن هذه النظرة تغيرت مع الوقت فأنا مثلاً متطوعة منذ سبع سنوات لاحظت تغييراً كبيراً. كان السؤال دائماً يطرح حول دورنا وما الذي نفعله؟! وعندما توضّحت الصورة لهم لمسنا تقديرهم لعمل المتطوعات”.

بين الظروف الخاصّة والعمل المضني؟

أكّدت فاطمة كذلك على أن الأمر لا يخصّ المتطوّعات فقط فالمرأة السورية بشكل عام تعرّضت للقصف الروسي وقصف قوات النظام والتهجير. لكنّ “الواجب الإنساني يدفعنا إلى تقديم الخدمات في أسمى صورة وفي أفضل تقنية متوفرة بين يدينا. ويحتّم علينا أن نكون أقوياء”. فخلال كارثة الزلزال تركت المتطوّعات عائلاتهنّ وأطفالهنّ في الطرقات. “بعد أن اطمأنت قلوبنا بأنهم على قيد الحياة كان هناك بالمقابل أناس تحت الأنقاض يستنجدون بالدفاع المدني. نحن هنا، ولا أعرف إن كنتم قادرين على تخيل هذا الموقف، لا نستطيع أن نترك الناس بلا مساعدة”.

وكما هو معروف لدى الجميع أن الدفاع المدني السوري فقد الكثير من العاملين ومنهم ثلاث سيّدات هنّ: “مريم عبد الكريم، صبحية السعد وفاطمة الحسن”. لكنّ ضحكة طفل أو كلمة شكر منه ودعوة طيبة من شخص مسنّ يمكن أن تخفّف من المعاناة وصعوبة عملهن.

زيارة قبر إحدى شهيدات الدفاع المدني السوري

ما الذي تغيّر بعد الزلزال؟

أمام هول الكارثة تثمّن التضحيات وما قام به أعضاء الدفاع المدني لن ينسى. وهذا برأي فاطمة العبيد كان كفيلاً بتغيير نظرة المجتمع. “التقدير لعملنا ولجهودنا كمتطوعات في الدفاع المدني السوري هو ما لمسناه. حاولنا إنقاذ أكبر عدد من الأرواح لكن الوقت لم يساعدنا بشكل كافٍ بسبب قلة المعدات أمام حجم الكارثة الكبير”. “زاد إيماننا بالعمل الجماعي فرغم أننا نركّز دائماً على المشاركة لكنّ مشاركة المدنيين والمنظّمات المحلّية خلال كارثة الزلزال رسخّت الفكرة لدى المتطوّعين والمتطوّعات بشكل أكبر”.

أثناء عمل إحدى المتطوّعات

ـ الصور لـ   Syria Civil Defence