Foto: Jörg Carstensen/dpa
07/01/2023

احتفالات 2023 في برلين.. تعبير عن فرح أم كابوس مرعب؟

كان صباحاً هادئاً انتظرنا قدومه بفارغ الصبر، بعد صدمة أحداث شغب الليلة قبل الفائتة لاحتفال رأس السنة الجديدة 2023، إذ قرّرت وجارتيّ صبيحة يوم الثلاثاء الخروج معاً لتسوق احتياجات منازلنا..

الخوف من تكرار التجربة!

في طريقنا إلى “Neukölln Arkaden” بدت لنا الأرض وكأنها قد افترشت سجاداً من بقايا المفرقعات النارية وآثار بقايا الأشياء المحروقة والمدمَّرة.

لم أستطع منع نفسي من التفكير بصوتٍ عالٍ عندما قلت لجارتيّ: “فوضى في كل مكان، اعتداء على رجال الشرطة والإنقاذ، إصابات بين البشر حد الموت! ما هكذا يكون الفرح.. ولا حتى التعبير عن الابتهاج، أذكرُ اني شاركت احتفالاتهم برأس السنة مع أول قدومي البلاد، ظناً مني أنها بداية حسنة لاندماج موفّق، ومع أنني اتخذت موقف المتفرجة فقط في الشارع، إلّا أني عدت وأطفالي يومها بإصاباتٍ في الوجه، ومعطفٍ محروق! واليوم.. لم آمن حتى على نفسي وأطفالي الخروج لزيارة أقاربي ليلة رأس السنة، مخافة التعرض لإصاباتٍ مماثلة. ومع أن الأمر تجاوز حدود حيّنا ليصل معظم المقاطعات الألمانية والعواصم الأوروبية، إلّا أني أجده ظاهرة سلوكية مُدانة بشدة، لا تعبّر عن فئة معيّنة من البشر دون غيرها، وإنما عن مدى أصالة وتفهّم وتحضّر هذه الفئة.. فكل شيء في سبيل السعادة مُباح، ما لم يسبب الأذى للآخرين”!

فشل سياسة الهجرة والاندماج

بادرتني جارتي الأفغانية، السيدة رحماني بالقول: “لقد تجددت بالأمس اتهامات من المعارضة لحكومة برلين حول سياسة الهجرة والاندماج في ألمانيا، وقالوا إنها سياسة فاشلة. نعم أنا أؤيد قولهم.. أتعلمين لماذا؟ لأننا كأفغان على سبيل المثال لم يحصل الكثير منا على حقوقه في الإقامة والعمل بعد، فلجأ بعض شبابنا للانحراف والتخريب بدافع الضغط النفسي والعوز والبطالة. أنا لا أبرر لهم أفعالهم، لكنّي أتمنى تنفيذ القانون بشكلٍ عادل على الجميع، وعدم تسييسه، مثلما رأينا من تصرفات بعض أفراد الشرطة الذين تعاملوا مع المشكلة وفق أصول الأشخاص المهاجرة أو جنسيتهم”!

ولليمين المتطرف من التخريب نصيب!

أوافقك الرأي  قالت أم وسيم جارتي الثانية في البناء، والقادمة من سورية قبل سبع سنوات: “منذ قدومي إلى برلين، وأنا أشهد احتفالات المهاجرين برأس السنة الجديدة، في ذات الوقت الذي يحتفل فيه شباب اليمين المتطرف أيضاً، لكنهم دائماً ما يركّزون على أفعال المهاجرين فقط، ليظهروا بصورة المدمّرين للمجتمع! نعم، يوجد عندنا بعض النماذج السيئة ولكن ليس الكل، ويجب أن يعلم الجميع بأن الحكم يكون بناءً على أخلاق وأفعال الناس، لا على جنسياتهم”!

محادثة صادمة!

وصلنا بوابة متجر التسوّق، وقبل دخولنا بلحظات.. شدّني حوارٌ بين اثنين من عمال النظافة المنهمكين بكنس الأرض: “يجب معاقبة هؤلاء الشباب المخرّبين الذين اعتدوا على قوات الشرطة والمسعفين”، أجابه الآخر: “لا بد من ترحيلهم إلى بلادهم ليحتفلوا هناك بليلة رأس السنة الجديدة بطريقتهم الخاصة دون أن يستغلوا بلادنا ويخرّبوها”!

نبذ النظرة العنصرية والتركيز على النماذج المشرّفة!

بعد انتهاء جولتي وتسوّقي و”صدمتي” من كل ما سمعت وشاهدت، توجهت إلى محامٍ خبير في شؤون الهجرة واللجوء، لأسأله عن رأيه فيما جرى ويجري، فقال: “لا شك أن أحداث العنف في أي بلد مرفوضة مهما كان نوعها وسببها، وأن كل من يهاجم عناصر من الشرطة أو الإطفاء أو الإنقاذ فهو يعرّض نفسه للمحاكمة، وقد تورط في الأحداث الأخيرة فعلاً مواطنون ألمان، لكن غالباً ما يُلقى اللوم على المهاجرين واللاجئين من جنسيات أخرى، وهذا ما يؤكد النظرة العنصرية تجاه المهاجرين سواء كانوا عرباً او أفغان او أتراك والتمييز ضدهم”.

وتابع: “شخصياً، أحمّل الإعلام الألماني جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأنه لا يركز في أي قضية أو مشكلة على جوهرها وأسبابها، بل على الأصول المهاجرة للأشخاص المعنيين فيها، متجاهلين تماماً النماذج المشرّفة من المهاجرين، الرافضين لأي عملٍ من شأنه أن يلحق الأذى بالدولة الألمانية. برأيي لا بد من اتباع منهاج جديد في سياسة الاندماج وتقبّل الآخر، وحظر الإتجار بالمفرقعات النارية المؤذية، ودعم مشاريع العمل بما يمنع البطالة عن شبابنا ويحمي المجتمع من التفكك والانهيار”.

  • إعداد وتقرير: خلود فاخرة