عندما قدمنا إلى ألمانيا، انشغل الكثيرون منّا بالمقارانات. بين البلد المضيف الذي ساعدنا (مع وجود بعض الأخطاء) على وضع خطوتنا الأولى في حياتنا الجديدة في بلاد الألمان. من مساعدات اجتماعية، إلى مدارس لتعليم اللغة، ومعاهد مهنية لتأمين المستقبل الوظيفي. ناهيك عن المجتمع المدني، والجمعيات والأندية والفعاليات التي انتشرت في أعوام 2015 و2016، للتخفيف من أهوال الرحلة، وللمساعدة في تفهم بيروقراطية البلد.
من هذه الجمعيات من أغلق أبوابه، ومنها من هو مستمر حتى الآن. وبين بلدنا الأم، سواء بسياسته الفاشلة، أو اقتصاده المرهون بيد اقتصاديين، وفاسدين، ومرتشين. البعض وصف هذه المقارنات بغير العادلة، وذلك نظراً للإمكانيات المختلفة التي يتمتع به البلد المضيف، عن تلك التي تتمتع بها بلدانا التي قدمنا منها. والبعض الآخر توقف عن إجراء هذه المقارانات، وآثر الاستمتاع بما يتوفر له هنا، ونسيان هناك بعجره وبجره!
انقلاب وانقلابيون ومحاولة لإسقاط الحكومة
الأسبوع الماضي، كان الموضوع الأبرز، والشغل الشاغل للإعلام الألماني، والإعلام العالمي، والعربي منه، العملية الأمنية التي شارك فيها 3000 ضابط وعنصر، لإلقاء القبض على مجموعة من مواطني الرايخ الذين يخططون لانقلاب على الحكومة الاتحادية، واقتحام البرلمان، والعودة بالبلد إلى الحكم الإمبراطوري. ولم تكتفِ المجموعة بذلك، بل سمّت وزراء منها ليتسلموا الوزارات المهمة في حال نجحت مهمتهم.
هذا الخبر دعاني للعودة للمقارنة لكن هذه المرّة المقارنة على أساس الأشياء التي باتت متشابهة بين البلد المضيف والبلد الأم، ومنها هذا الخبر. فقد اعتدنا أن نشاهد ونسمع هذه الأخبار في دولنا العربية، أو في دول العالم الثالث، مع أنني لست مع هذه التسمية. لكن شاءت الأقدار أن نعيشها في ألمانيا ونعاصرها. ومن لطف الأقدار أن دستور هذه البلاد، وتعلمها من التاريخ، وحماة الدستور تمكنوا من الإطاحة بهذا الانقلاب. وكان مجرد خبر، لم نشهد له أي ارتدادات في الشارع كما رأيناها في مصر، واليمن، وتونس، وليبيا. أو سوريا في منتصف القرن الماضي.
أزمة طاقة وتخويف من انقطاع الكهرباء
ومن بين الأشياء الأخرى، التي باتت تتشابه بين البلد المضيف وبلدانا الأم، أزمة الطاقة. التي ظهرت على السطح بشكل علني، بعد بداية الغزو الروسي على أوكرانيا. وتفاعل ألمانيا بشكل خاص مع الحدث، والرد والصد بين روسيا وألمانيا، كون الأخيرة كانت تعتمد على روسيا كمصدر للطاقة. والأخبار التي انتشرت بشكل خاص خلال الخريف، عن الشتاء الصعب الذي ينتظره سكان هذه البلاد. سواء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، أو بسبب توقعات انقطاع الكهرباء، الذي قد يحدث. وكيفية التعامل معه في حال حدوثه، لكن حتى في هذه النقطة. بزّت هذه البلاد بلادنا، وذلك بانشغال الدوائر التشريعية، والمالية، لإيجاد طرق للتخفيف عن السكان بما يخص ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الاقتصادي. مع أنها غير كافية من وجهة نظري، إلا أن “بحصة صغيرة تسند صخرة كبيرة”!
فشل كروي وفساد إداري
يُضاف إلى القائمة، الفشل الكروي، وخروج منتخب البلاد من دور الـ 16، الذي يذكرنا بفشل منتخباتنا العربية خلال تواجدها في نسخ كأس العالم الماضية أو لنقل الأخيرة. إلا أن هذه المرة كنا نحن الاستثناء، فوصول أسود الأطلس إلى دور النصف نهائي، كسر هذه القاعدة، وبات قوة ضاربة في عالم كرة القدم. حتى أن المعلق الرياضي الألماني الشهير بيلاريتي، وفي نهاية مباراة الأمس التي أقصى فيها أسود المغرب منتخب البرتغال، قال الكلمة الأخيرة “شابو ماروكو”.
أما الفساد الإداري فكلنا بات يعلم ما فعلته مديرة rbb الشبكة الإعلامي المحلية في برلين وبراندنبورغ، من استغلال للمنصب، ورشاوي، وفساد مالي. كذلك هناك قصة انتشرت في الأوساط البرلينية عن رئيس بلدية الميته وهو من حزب الخضر، وفساده الإداري، وإقالته. ومنها إعادة الانتخابات البرلمانية وانتخابات البلديات. ومنها ما حدث من احتيالات بسبب مساعدات وإجراءات كورونا خلال السنتين الماضيتين. كل ذلك يذكرنا أيضاً بالفساد المالي والإداري الذي ينخر عظام السلطات في بلادنا الأم.
صيف حار وشمس ساطعة
ضِف على ذلك كله، الصيف الحار الذي بتنا نعيشه في هذه البلاد خلال السنتين الماضيتين. الأمر الذي داعني للتساؤل لماذا في جلساتنا السورية والفلسطينية والعربية بشكل عام. نتحدث عن الحنين إلى بلادنا. مع أننا ما بتنا نعيشه في أوروبا وألمانيا ولو بشيء قليل يشبه ما عايشناه وما تعايشه الآن الشعوب العربية في البلدان المحكومة بأنظمة دكتاتورية ومنها المجرمة كالنظام السوري. والسؤال الأبرز الذي سأحاول الإجابة عليه في حديث الأحد القادم “لأي شيء نحن في بلادنا!؟”
- هذه المقالة تأتي ضمن سلسلة مقالات تحت عنوان “حديث الأحد”. سأعلق فيها على ما يحدث سواء هنا في ألمانيا أو العالم. وهي مجرد آراء شخصية، ولا تعبر بالضرورة عن آراء فريق العمل في أمل برلين..