فرحنا في فريق أمل برلين لأن مجلة فوكوس ستنشر مقالة لزميلتنا الإيرانية، تتحدث فيها عن الاحتجاجات الدائرة في إيران. وفي لحظتها فكرت لماذا نفرح، أليس من الطبيعي كوننا صحفيين، أن يكون لنا مقالات في صحف ومجلات ومواقع ألمانية!؟ الجواب على هذا السؤال للأسف (لا)!
فمنذ 5 سنوات، أي منذ أن بدأنا العمل في أمل برلين، انهالت علينا العروض للكتابة في الصحافة الألمانية كصحفيين أجانب. لأننا حينها كنّا لا زلنا نضع خطواتنا الأولى في هذه البلاد، وكان الجميع بحاجة للتعرّف علينا، وعلى تفكيرنا. وسنة بعد سنة بدأت العروض تتناقص، حتى أنها اختفت، إلا في مناسبات معينة. كالانتخابات الألمانية، يوم حرية الصحافة، يوم المرأة العالمي.
فرصة لا تُعوض
منذ وصلت إلى ألمانيا، وفي ذلك الوقت كانت الحرب في سوريا، الشغل الشاغل للجميع. وكذلك ما نتج عنها من لجوء مئات الآلاف إلى أوروبا. حاولت دائماً أن أشرح فكرة مفادها، أن الصحفيين ذوي الخبرة، يشكلون فرصة للصحافة الألمانية، وخاصة تلك التي تهتم بالأحداث العالمية، وبالأخص التي تهتم بشؤون الشرق الأوسط. كون معظم اللاجئين حينها كانوا من أفغانستان وسوريا والعراق. فهذه المناطق لا تُعد آمنة للصحفيين الغربيين، لذا، وجود صحفيين محترفين من أبناء هذه البلدان في ألمانيا، كان من الممكن أن يسد هذه الثغرة. فهؤلاء لهم علاقاتهم، ولهم طرقهم في الحصول على المعلومات من أرض الحدث، وتزويد الصحف الألمانية المهتمة بها. لكن الصحافة الألمانية ضيّعت هذه الفرصة. والحجة في بعض الأحيان “المهنية التي تقتضي التواجد في أرض الحدث”. وفي أحيان أخرى “حاجز اللغة”!
آلامنا مغرية
وحتى أتحدث عن جوانب الحقيقة كاملة، هناك صحفيون سوريون وأفغان بدأوا العمل ضمن الصحافة الألمانية، حتى أن بعضهم شق طريقه في كبريات الصحف واسعة الانتشار، كبيلد، والقناة الأولى، وكذلك دير تاغسشبيغل. لكن المؤلم بالنسبة لي، أنه رغم الندوات العديدة، والمؤتمرات، والتقارير والدراسات، عن ضرورة التنوع بالإعلام الألماني، ليعكس تنوع المجتمع. إلّا أن الصحف والمواقع والقنوات الألمانية، لا تهتم بهذا التنوع إلا في حلات محددة. على الصعيد الخارجي، حين يقع حدث سياسي مهم في بلادنا الأم، أو انفجار كبير، أو قتال، أو مصيبة، فهذا الأمر يغري الصحافة الألمانية، وحينها تعرض علينا كتابة مقالة عمّا يحدث! وعلى الصعيد الداخلي فقط في حال كانت هناك جريمة، أو إحصاءات جديدة، أو إنجاز خارق، مع أن معظمنا كأشخاص سواء لاجئين، أو لاجئين حصلوا على الجنسية الألمانية يدفعون ضريبة الإذاعة والتلفزيون. لكنهم لا يستفيدون شيئاً من هذه الضريبة، فالإعلام الألماني لا يهتم بهم ولا يتحدث معهم، ويمكن اعتبارها كاشتراك النادي الرياضي الذي ندفعه لكن لا نذهب إليه!
شارع ميرنغدام والصحافة الألمانية
في عدة أحاديث ونقاشات مع صحفيين ومهتمين بالشأن الإعلامي، دائماً أورد مثالاً في معرض إجابتي عن رأيي في الصحافة الألمانية. بأنني أريد من الصحافة والإعلام في ألمانيا أن يكون كشارع ميرنغدام. فلحظة خروجك من المحطة في حال خرجت من اليمين، ستجد نفسك أمام مصطفى غيموزه كباب، وإلى جانبه مطعم أسيوي، وإلى جانبه بيتزا تركي، ويليه مباشرة مطعم لبيع الفورست الألماني، وبعد شارع تجد نفسك أمام مطعم بيتزا إيطالي. وفي حال خرجت من اليسار، تجد نفسك أمام مطعم فلافل، ومقاه ألمانية وتركية. فلماذا لا يكون الإعلام الألماني كشارع ميرنغدام بتنوعه، ونكهاته المتعددة. لماذا علينا أن ننتظر ثورة أو حرب أو انفجار أو سيطرة فصيل إسلامي راديكالي حتى نهتم بمن باتوا يشكلون 25% من سكان البلاد!
- هذه المقالة تأتي ضمن سلسلة مقالات تحت عنوان “حديث الأحد”. سأعلق فيها على ما يحدث سواء هنا في ألمانيا أو العالم. وهي مجرد آراء شخصية، ولا تعبر بالضرورة عن آراء فريق العمل في أمل برلين..