الثلوج التي ما زالت تغطي شوارع برلين وسطوح بيوتها وأبنيتها أفرحت قلوب الكثيرين. ونشر الزائر الأبيض السعادة في الأماكن التي زارها، وكانت الحقول المغطاة بالثلوج متنفساً للبرلينين في ظل الإغلاق المستمر للحد من انتشار وباء كورونا. لكن الثلوج ذاتها وغيرها من العوامل الجوية، والسياسية كانت سبباً لجعل “حياة اللاجئين المشردين في البوسنة، كارثة إنسانية مُعلنة”.
ولنتطلع أكثر على الوضع الكارثي هناك، التقينا مع المتحدثة باسم منظمة Wir packen’s an e.V الألمانية، ميريام تودتر. المنظمة تعمل على توفير المساعدة الطارئة للاجئين، سواء في اليونان، أو الذين هم في طريقهم إلى أوروبا.
أماكن مزدحمة وفاشيون
تقارن تودتر بين الوضع بمخيم فيليكا كلادوشا، والوضع في مخيمات الجزر اليونانية، فهو “مختلف قليلاً”. فهناك بحسب تودتر “مخيم رسمي يحتوي على حاويات، وعدد قليل من الأكشاك المخصصة للاستحمام. ويتم تقديم وجبة سيئة لنحو 700 شخصاً كل يوم والمكان مزدحم”. لا يقتصر الأمر على الأشخاص الذين في المخيم الرسمي، فوفقاً لتودتر، هناك 500 شخصاً يعيشون خارج المخيم، في الغابة! وهؤلاء لا يتلقون رعاية على الإطلاق. ويحاولون كل الليلة الدخول إلى المخيم لكن في اليوم التالي تطردهم سلطات المخيم مرة أخرى.
الازدحام وسوء الخدمات ليسا الأمرين الوحيدن الذين يعاني بسببها اللاجئون في هذا المخيم! فبحسب تودتر هناك “فاشيون يمينيون متطرفون بوسنيون” كما هو الوضع في ألمانيا أيضاً. لكن في المقابل هناك بوسنيون نذروا حياتهم لمساعدة اللاجئين، كالسيدة Z، وهي بحسب تودتر “امرأة شابة من البوسنة شاركت في مساعدة اللاجئين لسنوات”، أو كمالك بوسني وفّر شقة لعائلة عراقية مع أطفالها!
ودودون رغم الظروف القاسية
الناس بحسب تودتر ودودون للغاية، لكن ليس لديهم سوى ملجأ بسيط، ويمتلكون بعض الحاجيات. بعضهم لا يرتدي أحذية في ظل درجات حرارة متدنية، وليس لديهم ستر دافئة. ربما يدفئون أنفسهم بأحلامهم التي تتلخص “بالوصول إلى المنطقة الغنية من أوروبا، ويحاولون مرة، مرتين، خمسين مرة”. ومع تكرار محاولتهم، يتم القبض على معظمهم بشكل متكرر، ويتعرضون “لمعاملة سيئة في انتهاك واضح للقانون الدولي”، ولا تتوقف انتهاكات القانون بمعاملتهم السيئة بل في إعادتهم أيضاً! معظمهم يفشل، فهذه الأماكن باردة جداً، وتتقطع بهم السبل في نهاية رحلتهم الطويلة، فيتجمعون بالمخيم أو في الغابات من حوله.
كأس شاي ساخن في خيمة مفتوحة للريح!
خلال المهمة التي أنجزها متطوعو منظمة “فير باكن أن” في البوسنة، مرّوا بتجارب عديدة، تركت انطباعاً عميقاَ، بشكل خاص تقول ميريام: “الدفء والود اللذين تم استقبالنا بهما، وترحيبهم بنا كان يحرجنا. حيث كانت تتم دعوتنا عدة مرات في اليوم، إلى خيمة مشرعة أبوابها للريح الباردة، وذلك لتناول الشاي الساخن، أو حتى وجبة كاملة، ويقومون بتحميص الخبر اللذيذ على النار لنا، إنه لأمر مثير للإعجاب، كيف أن الأشخاص الذين فقدوا كل شيء، والذين يتعرضون لصدمات نفسية، وسوء المعاملة كل يوم، لا يزالون يحتفظون بكرامتهم ودفئهم، وإنسانيتهم في التعامل مع الآخرين”. وتضيف ميريام: “على الناس هنا أن يقدموا القليل الذي لديهم ومن المهم جداً فعل ذلك. فهم ليسوا ضحايا، بل هم أناس يتحدثون معنا وجهاً لوجه، وبندية”!
مخيم على تلة ثلجية!
بعد فيليكا كلادوشا توجه المتطوعون إلى مخيم ليبا بالقرب من مدينة بهاتش. وبحسب وصف ميريام فإن ليبا “صحراء من الثلج، مشهورة جداً في الإعلام العالمي، وهي قاسية جداً”. مخيم ليبا احتل عنوانين الصحف خلال الأسابيع القليلة الماضية، وخاصة بعد الحريق الذي وقع قبيل عيد الميلاد. المخيم وفقاً لميريام يقع في “مكان ما في وسط اللامكان”، على بعد ما يزيد قليلاً عن 20 كم من بيهاتش. وهو مكان بارد للغاية، ولا توجد فييه حمامات، وهو أبرد من فيليكا كلادوشا بـثمان درجات. تصف ميريام الوضع هناك فتقول: “الناس يقفون خلف بعضهم البعض متلاصقين للحصول على الطعام. فالمحافظة على مسافة متر ونصف لتجنب انتقال العدوى تعتبر ترفاً في مخيم ليبا”. الجيش بدوره نصب خياماً، تتسع كل خيمة لحوالي 40 شخصاً. لكن الخيام ليست كافية للجميع!
لاجئو ليبا لا يملكون شيئاً!
يتخفف اللاجئون أثناء طريقهم إلى أوروبا من أمتعهم الثقيلة، ليجدوا أنفسهم أمام العواصف الثلجية بلا مأوى ولا ملابس دافئة. وكذلك هم الناس في مخيم ليبا لا يملكون شيئاً، لا ملابس دافئة ولا أكياس نوم، ولا طعام دافئ يكفي الجميع، ولا سكن مناسب لفصل الشتاء. ومرافق الغسيل معدومة. وبعد الحريق الذي وقع قبل فترة وجيزة من عيد الميلاد، تُركوا لوحدهم في مواجهة مصيرهم.
تقول ميريام إن فريق الأزمات لدى المنظمة أصيب بالصدمة، حين شاهد ألف شخص في مخيم ليبا يتجمدون، فكثير منهم حفاة، يرتدون الصنادل الخفيفة في درجات حرارة دون الصفر. وقد “وعدناهم بإحضار أحذية دافئة للجميع بالمخيم، أوفينا بوعدنا، وقمنا بعد يومين بتوزيع 1000 حذاء شتوي جديد، ليتمتعوا بأقدام دافئة وجافة وسط العواصف الثلجية التي تضرب المنطقة”.
وتتابع ميريام “اشترينا 1000 قطعة من الملابس الشتوية، كنزات وسترات وملابس داخلية، وبالتعاون مع شركائنا، وعلى الرغم من إعلان المخيم منطقة عسكرية، وعدم السماح بالوصول إليه، تمكنا من توزيع 1000 مجموعة من الملابس الدافئة، تم شراؤها محلياً بحوالي 9000 يورو. وغالباً ما كانوا يهمسون لنا -شكراً يا أخي- لكن مساعداتنا لهم ليست سوى قطرة في محيط”!
40 طن مواد إغاثة!
بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020، أرسلت المنظمة من ألمانيا شاحنة حمولتها 40 طناً، محملة بمواد الإغاثية إلى البوسنة. وفي منتصف الشهر الماضي تم إرسال شاحنة أخرى أيضاً. وهناك بحسب ميريام مناقشة للاحتياجات مع المنظمات المحلية الشريكة لهم. كما قامت المنظمة بشراء إمدادات الإغاثة التي يحتاجها الناس في المخيم بشكل عاجل وبأكثر من 50 ألف يورو. وتم شراء أكياس نوم وأحذية، وأدوات مطبخ، وملابس داخلية، وجوارب وقفازات. وختمت ميريام الحديث بقولها: “لا أحد يجب أن يعيش مثل هذا”.
Photo : Wir packen’s an e.V