Photo: Moufade Alkoor
27/04/2020

الراحة الحورانية.. من جنوب سوريا إلى جنوب شتوتغارت!

الراحة الحورانية، الحلوى الأثيرة لسكان مدينة درعا، كبرى مدن حوران التي تقع في الجنوب السوري، والتي تعتبر مادة غذائية غنية ولذيذة، خاصة إذا ما اجتمعت مع البسكويت. فما دمت من درعا، يجب عليك أن تشتري الراحة لزملائك في الجامعة، أو لأصدقائك أثناء زيراتك لهم في غير مدينة، حتى قد تكون رشوى للضباط! لتتخلص من تبعات التأخر بالإجازة، أو للحصول على إجازة من الخدمة العسكرية! الراحة والتي تُسمى في بلدان أخرى “حلقوم” هي مكعبات من السكر، والنشاء، مطبوخة ومقطعة، ومرشوش عليها السكر الناعم، كانت بالبداية عبارة عن نوعين فقط، لكن فيما بعد تم إضافة المكسرات، وحتى الزهور المجففة، مما أكسبها شهرة واسعة، ليس في سوريا وحسب، بل في البلدان المجاورة أيضاً.

صناعة تتوارثها الأجيال

الأسواق الألمانية لا تعرف الراحة الحورانية، وإنما الراحة التركية، الأمر الذي لفت انتباه مفضي الكور (47 عام) الذي ينتمي لإحدى العوائل المشهورة بتصنيع الراحة في درعا منذ ستينيات القرن الماضي. ليبدأ بعمل تجارب في مطبخه المنزلي في قرية “إندينغن” جنوب مدينة شتوتغارت الألمانية، وليعرض المنتج على أصدقائه الألمان، الأمر الذي استحسونه وأحبوه كثيراً بحسب مفضي. حكاية مفضي مع الراحة الحورانية بدأت منذ صغره، حيث كان يعمل بمصنع افتتحه والده في ستينيات القرن الماضي، لكن في فترة الثمانينات، شحت المواد الأولية الخاصة بتصنيع الراحة كالسكر والنشاء، ما دعاه لترك صناعة الراحة، والعمل بتجارة الألبسة، لينقطع عن تصنيع الراحة حتى وصوله إلى ألمانيا!

أنا وأصدقائي الألمان والراحة الحورانية

في ألمانيا يقول مفضي: “لمست لدى القادمين الجدد حنين للوطن، ولكل الأشياء والأطعمة والحلويات التي كانوا يتناولونها هناك، الأمر الذي دعاني للتفكير بافتتاح المصنع”، لكن ذلك لم يكن سهلاً بالنسبة لمفضي، فعرض الفكرة على أصدقائه الألمان في القرية التي يسكنها، ليساعدوه بكتابة خطة للمشروع لعرضها على مكتب العمل هناك.. يضيف مفضي: “بدأت بجمع معلومات أكثر عن الراحة الحورانية، كذلك صور ومقاطع فيديو لأدعم خطتي أمام مكتب العمل”، لكن المشروع بحسب مفضي احتاج لمبلغ لا يملك منه شيء، فتكلفة المصنع قد تصل لحوالي 40 ألف يورو!
بعدها بدأت رحلة البحث عن التمويل، والتي تجسدت فيها روح التعاون والتضامن بين القادمين الجدد، وبين المجتمع الذي باتوا جزء منه، يقول مفضي: “مكتب العمل ساعدني بمبلغ 5 آلاف يورو، وجمعت باقي المبلغ من الأصدقاء الألمان، فكل شخص قدم مبلغاً بحسب استطاعته، مع تعهدي لهم بإرجاع المبالغ بعد انطلاق المشروع”، وبدأ مفضي مشروعه بتقديم الأوراق المطلوبة للحصول على الرخصة والتي حصل عليها بعد عامين ونصف! تساعده بذلك زوجته، التي تتقن الألمانية أفضل منه، حيث قامت بعمل دورات بالمحاسبة، لتكون سنده بحسب وصفه في إدارة المصنع.

الصبر ثم الصبر ثم الصبر!

واجهت مفضي صعوبات كثيرة، فأي مشروع وفقاً له يحتاج للصبر، فكيف إذا كان المشروع في ألمانيا، بلد الأوراق حسبما يطلق عليها أهلها. لم تقتصر الصعوبات على الروتين الحكومي، بل أيضاً تمثلت أيضاً في تأمين المواد والآلات اللازمة لصناعة الراحة، يقول مفضي على صوت هدير الآلات: “في أول شهرين كنت أوزع البضاعة، وأقوم بسحبها من الأسواق، حتى أصبح المنتج جاهزاً ليكون منافساً للراحة التركية، والآن يتم توزيع منتجنا على معظم الدول الأوربية، وكذلك يتم تلبية الطلبات الخاصة عبر الشحن مع شركات الشحن الخاصة”.

يعمل مفضي يومياً من الثامنة صباحاً حتى ساعات متأخرة من الليل، وذلك لتأمين الطلبات التي تزداد يومياً، متأملاً  بتوسعة معمله الذي افتتحه بالطابق الأرضي من منزله، وداعياً كل من يود ببدء مشروع، للتحلي بالصبر والصدق والأمانة، فالعمل وفقاً له يُكسب المرء احتراماً لنفسه أولاً، و تقديرالمجتمع الألماني له ثانياً.

Photo: Moufade Alkoor