“لا يجب الانتظار والخوف من القادم، كن إيجابياً في أي ظرف، وفي أي مكان وزمان، من هذا المبدأ قررت أن أساعد بلدتي الوديعة، وأهلها الطيبين، وبدأت بخياطة الكمامات لمن يحتاجها مجاناً والنتيجة كانت شكرهم وتقديرهم حتى قبل أن أبدأ بالعمل بشكل فعلي”.. هذه الكلمات نشرها مصمم الأزياء السوري من أصول كردية هجّار الشيخ، مُرفقة مع مقال نُشر عن مبادرته في صحيفة محلية على صفحته في فيسبوك.
هجارالذي وصل إلى ألمانيا قبل خمس سنوات، وإلى بلدة فارشتاين التابعة لمدينة سوست الواقعة بولاية شمال الراين- فيستفاليا منذ عام، قرر أن يقدم مبادرة إيجابية في هذا الزمن الصعب بحسب وصفه، فأراد أن يصنع الكمامات، خاصة في ظل النقص الذي تعاني منه معظم الولايات الألمانية بعد انتشار فيروس كورونا.
توقف عجلة الزمن
هجار قبل انتشار الفيروس العابر للقارات، كان يعمل مصمماً للأزياء في البلدة التي يبلغ عدد سكانها 28 ألف نسمة، حيث يساعد زبائنه على اختيار الألوان المناسبة، ويقوم بتصميم ملابس تناسب حفلاتهم مع إدخال بعض التصاميم الشرقية، الأمر الذي جذب الإعلام إليه، ودعا إحدى المجلات المتخصصة بالأزياء للكتابة عن تجربته.
لم يقتصر عمل هجار على تصميم الأزياء، وخياطتها، بل تعاون مع إحدى المجموعات التي كانت تمد يد العون للقادمين الجدد، وبحسب هجار هناك القليل منهم في هذه البلدة، ويضيف: “كنت أقدم ورشات عمل مع القادمين الجدد عن طريق كنيسة البلدة، فقد كان هناك مجموعة مهتمة بمساعدة القادمين الجدد، ومن خلال خبرتي في الأزياء والتصميم،والتدريب التي اكتسبتها في سوريا قمت بعمل دورات للمتقدمين، وللمبتدئين” وفجأة بحسب تعبيره ومع انتشار فيروس كورونا “توقفت عجلة الزمن” وبما أن زبائن هجّار معظمهم من كبار السن، الفئة المهددة أكثر بالإصابة بالعدوى وفقاً لمعظم التقارير، فقد شعروا بالخوف، فآثروا البقاء في المنازل.
الجلوس في البيت ليس حلاً
لكن هجّار لم يكن يرغب بالجلوس في البيت، ومتابعة الأحداث ومشاهدتها عن بعد، لأن ذلك بحسب وصفه “ليس حلاً”، فاستشار المسؤول المالي عن عمله، والذي شرح له أن الإجراءات مع بدء انتشار الفيروس كانت مقتصرة على المطاعم والصالات الرياضية، ولم يصدر شيء في حينها بما يتعلق بالمهن اليدوية: “خلال هذه الفترة قررت أن أقدم شيء إيجابي ولم أفكر بالخسارة التي سأتكبدها نتيجة توقف العمل، خاصة إيجار المحل، وفواتير الكهرباء والضرائب وغيرها من المصروفات”، فاستعان بمساعدته الألمانية، وطلب منها كتابة منشور على مجموعة “Warstein” الفيسبوكية والتي تضم سكان البلدة.
كمامات للجميع ومجاناً
المنشور بحسب هجار كان يتعلق بمبادرته لصنع الكمامات، وتقديمها مجاناً لكل من يرغب، الأمر الذي تلقى ترحيباً كبيراً من قبل أعضاء المجموعة. لكن البلدية والتي تواصلت معه بعد ساعات كان لها رأي آخر: “قالوا لي يمكنك أن تبقي محلك مفتوحاً، لكن مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من انتشار الفيروس. وبالنسبة للكمامات يرجى عدم إكمال المبادرة، فالقماش الذي ستستخدمه قماش عادي، ولا يقدم حماية، وقد يتسبب للأشخاص الذي سيرتدونه مشاكل، ولك الكثير من المتاعب”!
فاعتذر هجّار عبر مجموعة البلدة على فيسبوك من سكان البلدة، لم ينته الأمر عند ذلك، تواصل المسؤول الصحي في البلدة مع هجّار وشرح له أن هذه الأقنعة قد تحمي الأنف والفم، لكنها ليس واقية من الفيروس، ويمكنك صناعتها مع إجراء بعض التعديلات. فتوصل هجّار مع خبرته في مجال الخياطة إلى طريقة يجعل من الكمامات أكثر أماناً: “أتتني فكرة فتح جيب في الكمامة، لأضع فيها ورق كلينكس، أو فلتر قهوة، حيث يمكن استبدالها بشكل دائم مع الإبقاء على هيكل الكمامة، وهي تساعد قليلاً، المسؤول الصحي قال إنها ليست طبية مئة بالمئة لكنها قد تساعد”، وبدأ هجار بصنع الكمامات، التي يقدمها مجاناً لزبائنه، ولكل سكان البلدة الراغبين بذلك، وبدأوا بالتوافد إلى محله لإقتنائها. لم يتوقف الأمر عند ذلك بل عرض مساعدته أيضاً على إصلاح جميع الملابس الواقية في المستشفى والمراكز الصحية في البلدة، فبهذه الطريقة بحسب هجّار: “أقدم الشكر للأشخاص المتواجدين من أجلي وأجل الآخرين على رأس عملهم”.
Photo : Hajar Sheikh