عندما كنا نبحث في سوريا أنا واخي بمراكز التسوق عن الألبسة والأحذية، وبشكل لا إرادي وبسرعة كنا ننظر إلى بلد الصنع، فعبارة (صنع في ألمانيا أو في أي بلد أوروبي) كانت تستهوينا.
لاحقاً قررت مغادرة البلاد العربية بمغامرة جديدة، كانت الوجهة نحو أوروبا، سألني أخي هل سنلتقي في برلين! لم أعتقد أنه واثق من كل تصرفاتي وأنه واثق من أن مستقبلي سيكون في المانيا، رحلتي لم تكن الأسهل، وكان علي أن أتجه أولاً من تركيا إلى ايطاليا إلى فرنسا، ثم إلى العاصمة الألمانية برلين، ما أملكه من أصدقاء سبقوني إلى أوروبا، لكن لم يكن هدفهم ألمانيا، فهم يسكنون الآن في العاصمة الفرنسية باريس.
في طريقي نحو برلين أخذت بعضا من الوقت لأستريح وألتقي الأصدقاء الذين لم أرهم منذ سنين، كانوا فرحين بقدومي إلى باريس وهم يعتقدون بأني سأكون بجوارهم في دول المنفى كما يحلو لهم أن يُسموها، صديقي الذي استقبلني في باريس ودعاني إلى منزله كان يحدثني عن باريس بأنها مدينة الحريات وأنها مدينة الصحافة والصحفيين، ومن حسن حظي أنني سأكون في هذه العاصمة، لم أخبره بأني سأتجه إلى برلين في غضون أيام، كنت فرحاً أيضاً بلقائهم، حتى أن صديقي أخذني بجولة في المدينة لأرى سحرها وجمالها، عندها فقط اتصلت بأخي وسألته هل أنت واثق بأننا سنلتقي مجددا في ألمانيا، أخبرني بأن برلين ليست فقط عاصمة لألمانيا بل هي أفضل مصنع للمنتجات الرياضية، فهي تملك أفضل الشركات كـ “أديداس وبوما ونايك”، وبعد أن سمعت إجابته عزمت أمري وحجزت تذكرتي لليوم التالي.
في صباح يوم السفر إلى برلين، زوجة صديقي أعدت الفطور وأخبرتني أنه فطور سوري، كونها أحضرت كل المنتجات المكتوب عليها صنع في سوريا، لم ينسوا شيئا أبداً، حتى أنهم جلبوا الخبز العربي، وقالوا لي أنهم لا يستطيعون تناول الطعام دونه.. الساعات الجميلة انقضت بشكل سريع، وحان وقت الرحيل، لم احمل حقيبتي، بالأصل لم يكن معي شيئا أحمله، ودعتهم وقلت لهم سأكون بجانبكم، لكن لن أكون في فرنسا، أخترت العيش في العاصمة الألمانية، فهي هدفي بعد دمشق.
الأيام الأولى لي بألمانيا كانت في مدينة حدودية لفرنسا تدعى ترير، في هذه المدينة الحدودية الجملية، البعيدة عن برلين ما يقارب ست ساعات بالقطار، جعلتني أفكر مجدداً هل مازلت على مقربة من باريس أم أنا أقرب إلى برلين، بحثت في الإنترنت، فوجدت أنني أقرب إلى باريس من برلين، لكن لاحظت شيئاً غريباً في تصرفاتي عندما كنت أشتري، كنت أبحث عن بلد الصنع، والغريب أنني كنت أشعر بالسعادة حال وجدت أي منتج كتب عليه عبارة (صنع في سورية).
بدأت أتأقلم بأنني سأكون في هذه المقاطعة بعيداً عن برلين، لكن منذ حوالي السنة والنصف أعيش في هامبورغ شمال ألمانيا، هامبورغ لا تبعد عن برلين إلا ساعتين أو أقل، في أحد الأيام الغائمة كعادة هذه المدينة، اتصل أخي وأخبرني أنه اشترى المزيد من المنتجات المصنعة في ألمانيا، وأنني أملك الفرصة لأشتري الأفضل فأنا في ألمانيا، نعم أذهب إلى المتاجر لأتسوق المواد الغذائية وبحكم حبي للمنتجات القطنية، بدأت أبحث عنها، في متجر للملبوسات القطنية، جذبني قميص أبيض، ألقيت نظرة سريعة عليه، وبشكل عفوي نظرت إلى مكان الصنع، لم يكن مكتوب عليه (صنع في ألمانيا) بل صنع في سوريا! عندها التقطت صورة لما كتب وأرسلت لأخي الذي مازال بعيدا عني، قلت له بحثّنا عن عبارة (صنع في ألمانيا) جعلني أصل إليها، وها أنا ساحاول أن أبحث عن سورية، وسأتعقب كل المنتجات التي كتب عليها صنع في سوريا، علني أعود إليها!