Photo: Magdalena Wernefeldt
11/02/2020

كيف نحافظ على إنسانيتنا؟

كيف نحافظ على ما تبقى من انسانيتنا وكيف يمكنها أن توحدنا؟.. هذا السؤال ما سعى اجتماع مالمو للإجابة عليه. حيث اجتمع ولمدة أسبوع 70 من القادة الدينيين والعلمانيين والمجتمع المدني، وممثلي هيئات حكومية ودولية، والصحفيين والناشطين من 14 دولة في مدينة مالمو وبحضور محافظها. في هذه المدينة التي يعتبرها الكثيرون ميناء الأمل، والتي تضم أكثر من 140 جنسية بخلفيات دينية وعلمانية واجتماعية مختلفة.عُقد ذلك اللقاء بدعوة من مبادرة عالم من الجيران“ والذي استضافته رئيسة الأساقفة آنيت جاكيلين. لمناقشة كيف يمكن للقاطنين في أوروبا أن يعيشوا بسلام، ويتغلبوا على مشاعر الخوف من الآخر، متعاونيين من أجل بناء مستقبل أفضل.

ضرورة بناء الثقة

دعت رئيسة الأساقفة آنيت جاكلين لإيجاد بيئة حوار مشتركة لمواجهة الأشكال المختلفة من التمييز والعنصرية والشعبوية المنتشرة في عالمنا اليوم، وأهمية الحفاظ على انسانيتنا التي تميزنا عن باقي الكائنات، خاصة نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها العالم. كما ركزت على ضرورة بناء الثقة ما بين قيادات المجتمع المختلفة والناس، والسعي لتطوير المستقبل والعمل من أجل ازدهاره. فقد أصبح لزاماً للحفاظ على انسانيتنا مواجهة كافة أشكال التعصب والإقصاء بشجاعة.

تقليل المسافات

كان للبروفيسورة والميسّرة الدولية ساندرا جانوف والتي هي واحدة من أكثر الاستشاريين خبرة في العالم بما يتعلق بتسهيل ودعم التغيير الجذري في النظم بأكملها، دوراً مهماً. أشارت جانوف أنه لا يمكن بناء رؤية شاملة من وجهة نظر واحدة، لذا من الضروري الاستماع للآخر وبناء الجسور معه، تماماً مثل قصة العميان والفيل والتي تصور العديد من الحقائق والمغالطات. يعتقد كل شخص يصف الفيل دون أن يراه ولكن يلمس جزءاً من جسده أنه امتلك الحقيقة المطلقة من خلال تجربته الشخصية دون ادراكه لوجود حقيقة أخرى يمتلكها شخص آخر. كان التركيز على تقليل المسافات فيما بيننا وبدء العمل المشترك مع ما نواجهه من متغيرات سريعة للوصول إلى هذا المجتمع الأفضل.

فقدان آليات التعامل مع الآخر الإنسانية!

وأشارت كارلا خيجويان المتحدثة باسم مجلس الكنائس العالمي في جينيف والمسؤولة عن مكتب الشرق الأوسط إلى أن التاريخ مازال يكرر نفسه لكن بأشكال مختلفة، فلم تتوقف عمليات الابادة الجماعية بدءاً بما شهده الأرمن في عام 1915 مروراً بما حدث لليهود والهلوكوست في عام 1945.. “كنا نظن اننا تعدينا هذه المرحلة ولكن ماحدث مع داعش في العرق 2014 مع الأيزيديين وما حدث ضد المسلمين في الايغور، يُظهر ذلك نفس الطريقة بالعنف والقتل ونفي الآخر، وهذا دليل على أنه بالرغم من كل التحضر والتطور الذي حققتته البشرية ولكن هناك شيء ما مفقود، وهذا ان دل فهو يدل على فقدان الأليات بالتعامل مع المختلف بطرق غير الإقصاء والقتل”، وأضافت أنه على الرغم من وجود وسائل التواصل المختلفة وعالم الديجتال الذي يسهل الوصول للآخر لكن لاتتم الاستفادة منه بما يخدم البشرية: “على الرغم من الأنماط المختلفة للحكم والتي تعددت أشكالها خلال التاريخ لكن مازلنا نجد أنفسنا في حركة مستمرة للبحث عن نظام عالمي يتماشى مع طموحاتنا وأمالنا ويستجيب لتوقعاتنا لكننا لم نصل اليه حقيقة حتى الآن”.

تأثير التطور الاقتصادي على ازدهار الشعبوية

في حين تحدثت تينا مراد المؤسسة لمنظمة “أرند مراد” ومبادرة “أهلاً باللاجئين في ستوكهولم”، عن تأثير التطور الاقتصادي الذي أدى لازدهار الشعبوية، هذا التأثير الذي لايمكن تجاهله اليوم، بالاضافة لافتقاد العدالة الاجتماعية والتي هي أحد نتائج هذا التطور، وهو من أسباب نشوء الصراعات. وتذكر أنه عند النظر لحركات المجتمع المدني منذ الستينات والتي ركزت على دور الحوار، وسعت لتفعيل القوانين والتشريعات الدولية لحماية حقوق الانسان في أنحاء العالم كافة. لم تعد تعمل كما سبق فحركات المجتمع المدني اليوم تعمل على معطيات وأساسيات مختلفة و ليست كلها فاعلة على الأرض بشكل ايجابي، ولا يمكنها مواجهة الانقسامات والصراعات داخل المجتمع نفسه بعمل فردي بل يتطلب تضافر القوى المجتمعية المتقاطعة باللأفكار وتمتلك أرضية مشتركة. كما أكدت مراد على ضرورة مواجهة الشعور الذي بدأ يتكون لدى قطاعات المجتمع المختلفة بالعجز وعدم القدرة على تغيير مايجري على أرض الواقع، بالاضافة للشك المتنامي من مصداقية مايحدث، وشددت مراد على أهمية الشفافية والوضوح اذا أردنا بناء المستقبل، بالاضافة لأهمية تعزيز ثقافة الترحيب مجتمعياً بضوء مايحدث والذي هو همّ عام.

التحالف من أجل الإنسانية

لايمكن أن يُنكر أحد ضرورة ايجاد تقاطعات وأرض مشتركة بين الجميع بغض النظرعن كل الاختلافات، والعمل لجعل الاختلاف غنى وتنوع لا سبباً لتكريس الخلاف بين الناس، وأهمية الابتعاد عن الأحكام المسبقة التي غالباً ما تقود إلى طريق بعيد عن الحقيقة، وإغفال الآخر المتجدد والمتنوع. حيث وجدت آنا ستامو المتحدثة باسم الرابطة الإسلامية في اليونان أن اجتماع مالمو المكثف كان مهماً،  فقد استطاعت الكنيسة السويدية أن ترى ما يجري وراء الأحداث الجارية هذه الأيام، وهذه ليست مسألة أديان، فدعوة الناس الذين يمكنهم إنشاء تحالف قوي يدعم تطلعات الجميع بتحقيق العدالة والوقوف من أجل قيم الإنسانية والكرامة والتضامن أمر يجب العمل من أجله. كما أشارت ستامو إلى “ضرورة اتخاذ الإجراءات وتحقيق نتائج ملموسة طويلة الأجل إذا أردنا أن نقول إننا حققنا شيئًا ما وحتى لايبقى هذا الأمر بإطار التمني والنوايا الحسنة”.

Photo: Magdalena Wernefeldt