شهد العام الماضي تبني 150 دولة لميثاق الأمم المتحدة للهجرة، وذلك بمراكش في الـ 10 من ديسمبر/ كانون الأول 2018. تميز الميثاق باعترافه بوجود رابطة بين تغيرات المناخ ونماذج الهجرة والنزوح المختلفة، ورغم حديث العلماء المستمر عن ارتباط ظاهرتي تغير المناخ بالهجرة والنزوح، إلا أن العلاقات السببية بين التغيرات المناخية وقرارات الهجرة مازالت معقدة ومتنوعة ويشوبها الكثير من الغموض، لذا لا يوجد إطار قانوني دولي معترف به يمكنه تناول مسألة النزوح بسبب تغيرات المناخ، أو ما يمكن أن نطلق عليه “اللجوء أو النزوح المناخي”. كما أن تقديرات أعداد النازحين أو اللاجئين بسبب مشكلات المناخ مازالت عصية على التنبؤ، ومع ذلك يؤكد العلماء المختصون مرارًا وتكرارًا على أنه ونتيجة للآثار الملحوظة لتغيرات المناخ والدمار البيئي، يمكن توقع زيادة حركات الهجرة والنزوح بشكل كبير! فنحن الآن أمام كارثة مناخية تأتي في ظل عدم عدالة مناخية فجة، حيث يوجد تقريبًا 52 بلد تأثرت وستتأثر بسبب التغيرات المناخية، هذا في حال الحفاظ على درجات الحرارة عند المعدلات المطلوبة، كما يتوقع نزوح ولجوء ما يقارب الـ 215 مليون شخص بسبب التغيرات المناخية حسب ما ذكرته الصحفية بجريدة تاجسشبيجل أندريا ديرنباخ أثناء إدارتها للندوة حول “الهجرة المناخية” التي استضافتها منظمة هاينرش بول في برلين مؤخرًا، بحضور بعض الباحثين والساسة.
الفلسفة وإشكالية التفسير السياسي
أكد د. أحمد نوبيل علي من مركز Leibniz Center Modern Orient على أهمية إنشاء مؤسسات لأجل تبني قضايا مهاجري المناخ، لأن هجرة المناخ ستكون وجهًا آخر جديدًا لمشكلات الحدود، بالإضافة إلى أهمية التعاون بين هذه المؤسسات، كما أشار إلى تأثير محدودية الموارد المالية وأضاف بأن الاهتمام بالفلسفة من وراء حماية المتضررين بسبب تغيرات المناخ، هي بنفس أهمية المؤسسات والمال، لأنه بدون هذه الفلسفة لن يتوفر للناس الأسباب والمبررات الكافية للمساعدة. يقول علي: “البعض يرى الأزمة بمنظور سياسي من خلال القول بأنها أجندة لتقييد حرية التنقل خاصة إلى أوروبا، لكن حقيقية هناك عدد من دراسات الحالة ليس أهمها فيضانات باكستان عام 2010 ونزوح السكان سباحة في الماء للوصول إلى مكان آمن”. ويرى علي بأن السياسات التي تصنع للتعامل مع ضحايا المناخ يجب أن تكونة مرنة ومهتمة أكثر بالسياق كما يجب الأخذ بالاعتبار أنه هناك أناس لا يريدون الهجرة أو النزوح وبالتالي فمن المهم التفكير في مثل هذه الحالات.
الفجوة القانونية
رغم وجود العديد من القوانين الإنسانية التي تنطبق على المهاجرين بغض النظر عن الأسباب، إلا أن معظمها غير ملزم وكثير من الدول لا تعترف بها، كما أنه لا يوجد اتفاقية دولية تنظم حق الأفراد من ضحايا تغيرات المناخ بالهجرة وعبور الحدود إلى بلدان أكثر أمنًا والبقاء فيها، وهو ما أطلق عليه د. أفيدان كنت، أستاذ القانون الدولي بجامعة East Anglia -UEA بـ “الفجوة القانونية”، والذي تحدث بدوره عن حالة الجزر وربما الدول المعرضة للغرق تمامًا وبالتالي الاختفاء من على وجه الأرض، كيف سينظم القانون الدولي الحقوق الاقتصادية بهذه الجزر أو البلدان بالإضافة لقضايا السيادة، وعلى أي أساس يمكن قبول لجوء أبناء هذه المدن في الدول الأكثر أمنًا، وكيف سيتم تنظيم حقهم مثلًا في تعليم أبنائهم بلغاتهم الخاصة والحفاظ على هوياتهم، وغيرها الكثير من المشكلات التي تثير الارتباك من مجرد ذكرها، نظرًا لأنها لم تحدث بعد، وأشار كنت بأنه غالبًا سيتبع تأثيرات تغيرات المناخ حالات من النزوح وهي ليست هجرة أو لجوء.
جواز سفر المناخ
فيما يتعلق بفجوة المعرفة المتمثلة بما لدينا من معلومات عن تأثيرات تغيرات المناخ والضحايا، وبين ما سيحدث بالفعل، تحدثت كلاوديا روث، نائب رئيس البوندستاغ الألماني وعضو حزب الخضر، وأكدت أنه مازال هناك أناس حتى وقتنا الحالي يرون أن تغيرات المناخ وتأثيراتها ليست حقيقة، كاليمين وحزب البديل على سبيل المثال، وأشارت إلى دور حزب الخضر في التركيز على موضوعات المناخ، كما قامت بالمساهمة في تأسيس مجموعة للنقاش حول ضحايا المناخ وكيف يمكن الاستعداد لمساعتدهم، وأكدت على ضورورة دراسة كل الاحتمالات ومحاولة إيجاد حلول، منها مثلًا منح ضحايا المناخ جواز سفر يمكنهم من الاحتماء إبان حدوث أي كارثة مناخية، خاصة حالات غرق المدن الساحلية المتوقعة.
Photo: Asmaa Yousuf