©Dawood Adel
07/03/2019

صور في المنفى.. عرض راقص يعكس قيمًا إنسانية

شابان وسيدتان مع مدربتهم، يؤدون رقصات تعبيرية، يدورون في مساحة صغيرة، تتشبث أقدامهم ببقعة بينما تحاول أدرعهم الطيران إلى الأمام، ببطء شديد ولكن بانسيابية يتحركون للأمام، تستمر الحركة البطيئة المنسابة إلى الأمام على نفس المساحة الصغيرة للعرض، ولكن لا يمكنهم العودة للخلف. يبدو أن لكل منهم قصة يحاول أن يحكيها لنا، أو ربما يحكون قصصنا نحن، من خلال عرض منتظر بعنوان “وثيقة ذاتية.. صور في المنفى”.

حلم العودة إلى الوطن

“بينما أرقص يوجد جزء من جسمي على الأرض ويحاول الثبات، بينما الجزء الآخر مشدود إلى ناحية أخرى لا أستطيع الوصول إليها، وهذا يمثل وضعي كإنسان يعيش في المنفى ويحاول بدء حياة بينما يجذبني الحنين لوطني، ولكنني لا أستطيع العودة لنفس الوضعية مرة أخرى، علي أن أكمل في المكان الجديد ولكن روحي وتفكيري في الوطن”. هكذا يرى غيث نورين 23 سنة من العراق الآداء الذي يمثله في العرض، يقول الشاب الذي ترك العراق عام 2004 وذهب إلى سوريا وهناك درس التكنولوجيا والرقص، بأنه وعلى الرغم من أن العرض عن المنفى إلا أن لكل راقص بصمته الخاصة فيه.

غيث نورين

الرقص شاهد على قصصنا الإنسانية

أما ديالى غنم 32 سورية مقيمة بفرنسا، فهي تفضل التعبير عن مشاعرها بالفن عوضًا عن الحديث، فهي تفضل الغناء أو الرقص كمساحة للشخص ليعبر بالحركة عما مر به، وما يمثله هذا العرض يعد شيء مشترك بين معظم من تركوا بلدانهم ويعيشون في أوروبا على اختلافاتهم واختلاف أسبابهم وظروفهم، ليجتمع أربع راقصين يتشاركون نفس القصص على نفس المساحة ويعبرون عنها بالرقص. ورغم أن ديالى درست الأدب الفرنسي في سوريا إلا أنها تدرس الماجيستير في الرقص في فرنسا، حيث ترى ديالى الرقص بمثابة “شاهد على ما يمر به البشر من قصص ومآسي وأفراح، فهو شاهد على قصص إنسانية يمكن أن يشترك فيها أناس من أي جنسية أو يتحدثون أي لغة اختبروا في النهاية تجربة العيش في المنفى”.

ديالى غنم

تقمص الراقصين لقيم إنسانية بعينها

يقول محمد ديبان 32 سنة من سوريا، بأن “كل راقص يتقمص قيمة إنسانية معينة، وذلك من خلال اختيار كلمة أو جملة أو فقرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. ويضيف أحد أبطال عرض “حضرة حرة” بأنه هناك اختلاف بين العرضين فحضرة حرة كانت تعرض وفي إطار صوفي قصة شخص اضطر لترك وطنه إلى المجهول، أما “صور في المنفى” فقد اتبعت مصممة الرقصات كريستل أسلوب كننجهام، كما أكد ديبان على أن العرض سيكون متفاوت أدائيًا وحركيًا وفكريًا، فالراقصات والراقصين سيعمل كل منهم على معنى وفكرة مختلفة، كما أن الراقصين يتمتعون بكامل الحرية في التعبير.

محمد ديبان

“نص بيتين بيعملوا بيت”

للمنفى أوجه كثيرة وأشكال عديدة، فأسيل قبطي 23 سنة من فلسطين وتقوم بدراسة الرقص في برلين، لديها خبرة مختلفة مع المنفى، تقول: “أنا من الناصرة، من فلسطين الداخل، فأنا أسكن هناك في بيتي وفي مدينتي ومع عائلتي لكن بهوية إسرائيلية وفي دولة لا أنتمي لها، لطالما عشت بمنفى داخل بلدي، وأقيم ببرلين منذ ثلاث سنوات فأصبحت نوعًا ما وطنًا لي، ربما هذا ليس سيء جدًا فنصف بيت بفلسطين ونصف بيت ببرلين بيعملوا بيت”. كما أكدت أنه على الرغم من حريتهم كراقصين وبرغم الطبيعة الشخصية للعرض إلا يتسم بطابع إنساني مشترك، فيمكن لأي شخص أن يرى نفسه وتجربته في أحد العروض.

أسيل قبطي

المنفى والرقص والتواصل مع الآخرين

لمصممة الرقصات وصاحبة فكرة العرض كريستل برينك بشيجودا تاريخ مع المنفى والهجرة والذهاب والعودة أيضًا، فهي ولدت لأبوين اختبرا المنفى والهجرة والتنقل بأشكال مختلفة، فوالدها المولود عام 1912 في بولندا (والتي كانت تابعة لبروسيا في هذا الوقت) ومع صعود الفاشية غادر إلى أمريكا الجنوبية ما بين الأرجنتين وريو دي جانيرو وعاش هناك لمدة عشرين عام بدون أوراق ثبوتية، ليعود بعد انتهاء الحرب فيجد أن وطنه الذي اعتاده لم يعد له وجود، فيقرر البدء من جديد في هامبورج ويكمل حياته بشكل يغلب عليه عدم التواصل مع المجتمع المحيط، أما والدتها والتي ولدت عام 1927 بالقرب من مجدبورج وقررت بعد الحرب العمل كمعلمة، لكن لم ترضي طريقة الحياة في ألمانيا الشرقية طموحها، فقامت بالهجرة إلى المانيا الغربية ليتم إرسالها لتعيش في هامبورج وهناك التقى المهاجران ليتزوجوا وينجبوا كريستل، لتنشأ كريستل بين أم تشكو دائمًا افتراقها عن عائلتها وأب لم ير غضاضة فيما عاشه من سنوات في منفى بلا أوراق ثبوتية، إذ كان يشجع أبنائه دائمًا على السفر والتنقل والحركة. لتكبر كريستل وتقرر ترك هامبورج إلى برلين في ثمانينيات القرن الماضي، ثم تقرر بعدها السفر إلى فرنسا لدراسة الرقص المفاهيمي مع تلامذة الأمريكي ميرس كننجهام، تقول عما اعتبرته منفى في فرنسا: “شعرت هذا الشعور أيضًا فوضعي غير الذين ولدوا هناك، حتى لو كان لدي عائلة وأتحدث اللغة”.

جانب من البروفات

لماذا عروض راقصة عن المنفى؟

تقول كريستل: “عدنا لألمانيا عام 2014، وعايشت قصص القادمين الجدد، ثم قابلت كاتارينا روزامان من Berliner Schloss وتحدثت معها عما يمكنني فعله، ووجدت أنه من الممكن إيجاد مساحة مفتوحة لعرض قصصنا، أردت نوعًا من التواصل مع الناس من خلال الفن، انتهينا من الجزء الأول من المشورع والذي شهد ثلاث راقصين من سوريا وثلاث راقصات من أفغانستان ودار العرض حول قصصهم وماذا حدث في بلدانهم وكيف قرروا المغادرة وكيف غادروا أيضًا، وتركت كل فرد يعرض ما أراد هو أن يخبره، فالراقصين ليسوا ممثلين، والآن نأتي للجزء الثاني من المشروع (صور في المنفى) والذي هو محاولة لرسم لوحة لهم في المنفى، والذي يدور حول كيف هو شعورك كونك في بلد جديد، ولكل شخص قصة مختلفة لمشاركته”.

كريستل برينك بشيجودا

وأكدت كريستل أنها لا تسعى إلى رقص عاطفي “طلبت منهم أن يعبروا فقط عن أنفسهم، أردت الحركة البطيئة وليس الركض، فمع الركض المتواصل لن يرى الشخص شيئًا، أركز على الاتجاه دائمًا للأمام ولكن في نفس المكان، من خلال البقاء في نفس المساحة الصغيرة على خشبة المسرح”. وحول تقمص قيم إنسانية مستمدة من مواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تقول كريستل: “أردت كلمات وقيم لم تأت من شخص بعينه ولأناس بعينهم، ولكنها لكل الناس وعابرة للثقافات، ونحن لا نحلل هذه المواد أو الكلمات ولكنها تستخدم كنقطة التقاء لكل البشر”.

تعرض “صور في المنفى” في Uferstudio 1, Badstraße 41, 13357 Berlin. وذلك يوم السبت 9 مارس / آذار الساعة 20:30K، ويوم الأحد 10 آذار / مارس الساعة 19:00 ولحجز بطاقات الحضور اضغط هنا.

معلومات الحجز والتواصل

أمل برلين | تقرير وإعداد: أسماء يوسف
Photos: Dawood Adel & Asmaa Yousuf