في الوقت الذي تعلن في بعض المحجبات البرلينيات امتعاضهن من قانون حظر ارتداء المعلمات للحجاب في المدارس الابتدائية، يشهد العالم الافتراضي صراعًا يمكن أن يأخذ عنوان: داعمي الحجاب في مواجهة رافضي الحجاب، صراعًا مبنيًا على واقع تاريخي مرير في التعامل مع الحجاب وملابس المرأة.
سابقاً تابعنا جميعًا ما شهدته إيران أواخر عام 2017 من حراك نسوي فيما عرف بـ “فتيات شارع الثورة” إحتجاجًا على الحجاب الإلزامي وما تعرضن له من اعتقال وضرب من قبل الشرطة، ما دعا منظمة “هيومان رايتس ووتش” لمطالبة إيران بالتوقف عن ملاحقة النساء بسبب لباسهن (1)، وتعرض أكثر من 35 امرأة في طهران وحدها للاعتداء بشكل عنيف والاعتقال بسبب مشاركتهن في الاحتجاجات السلمية المستمرة ضد فرض الحجاب (2).
إحدى المعتقلات كانت نرجس حسيني التي حكم عليها بغرامة وصلت لـ 135 ألف دولار أو السجن لمدة 10 سنوات أو الجلد 74 جلدة. سبق كل ذلك عقود من القمع لفرض الحجاب على المرأة الإيرانية منذ أوائل الثمانينيات، لم تكن هذه الحالة الوحيدة التي كان فيها غطاء رأس المرأة في إيران مسببًا للقمع، ففي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي حظر رضا بهلوي الحجاب في إيران وقابل الاحتجاجات على ذلك بالعنف الذي وصل إلى ذروته بارتكاب مجزرة مسجد كوهرشاد الشهيرة ضد من طالبوا بإسقاط قانون الحظر.
لنترك الشرق الأوسط ونذهب إلى الطرف الآخر من العالم، حيث جاء في تقرير صادر عن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية كير: 154 حالة من التمييز والتحرش في عام 2006، وتم تحديد “المرأة المحجبة” كعامل أساسي مسبب لهذه الحوادث (3)، كما ذكرت عالمة النفس أليسا ريبي أن 69% من النساء المحجبات اختبرن التمييز على الأقل مرة واحدة في حياتهن مقابل 29% لغير المحجبات (4). أما ألمانيا فشهدت في يوليو 2009 مقتل المصرية المحجبة مروة الشربيني على يد رجل ألماني بمحكمة دريسدن، بينما كانا يحضران استئناف الجاني ضد حكم المحكمة عليه بغرامة مالية على خلفية اعتدائه بوقت سابق على مروة ومحاولة نزع حجابها ونعتها بالإرهابية.
الحجاب ليس قضية تافهة، والنقاش حوله ليس رفاهية، فقد ارتبط الإجبار عليه أو الحرمان منه بصعود أنظمة سياسية وسقوط أخرى، أهينت النساء اللائي رفضنه وعُرضت حيواتهن للخطر وقتل رجال رفضوا حظره.
الحجاب؟
بدأ الأمر عندما أعلنت منظمة اليوم العالمي للحجاب هاشتاج العام وهو #FreeInHijab وطالبت السيدات المحجبات حول العالم بإرسال صور سيلفي لهن بحجابهن مع كلمة توضح ما يمثله لهن الحجاب، راحت السيدات المحجبات يرسلن صورًا لهن بالحجاب مع تغريدات توصل رسالة بأنهن فخورات بحجابهن، وكيف أنهن يشعرن بكامل الحرية بارتدائهن للحجاب.
شاركت ميم حسين من بنجلاديش مغردة: حجابي هو كرامتي واحترامي وشرفي، وأنا أشعر بالفخر بهويتي الإسلامية.
“My hijab is my dignity, my respect & my honor. I feel proud of my Muslim identity.”-Mim Hossain, Bangladesh 👉👉👉Please…
Gepostet von World Hijab Day am Montag, 21. Januar 2019
أما نيلي عاشور من مصر، فشاركت قائلة: “أرتدي الحجاب منذ 17 عامًا، وأشعر دائمًا بأنه مصدر قوة وحرية بالنسبة لي، لأنني لا أقلد ثقافات أخرى ولا أتأثر بآراء الآخرين ولا أي من صيحات الموضة، أنا أخضع فقط لإرادة الله وأوامره”.
“I have been wearing Hijab for 17 years. I always feel that it is a source of strength and freedom for me because I do…
Gepostet von World Hijab Day am Dienstag, 22. Januar 2019
كيف تحول الأمر؟
سارت الأمور على ما يرام وتدفقت المنشورات والتغريدات على كل من موقعي فيسبوك وتويتر، وفجأة حدث ما يشبه الاختراق الكبير، إذ راح الهاشتاج يتضمن قصصًا مؤلمة عن فتيات فرض عليهن الحجاب من أماكن عدة حول العالم خاصة من إيران، رحن ينشرن صورًا بالنقاب مع قصص عن المعنفات اللائي تعرضن للعقاب الشديد لإجبارهن على ارتداء الحجاب أو النقاب، ليقمن بعد ذلك بإنشاء هاشتاج لا لليوم العالمي للحجاب #NoHijabDay
بدأ الأمر بدعوة من قبل بعض الناشطات اللائي كان لهن تجربة سابقة مع الحجاب، فقامت ياسمين محمد بتصوير فيديو تقوم فيه بخلع الحجاب وإحراقه، بالإضافة لدعوتها مع كثيرات أخريات لإرسال صور لهن مع تغريدة تصف معاناتهن من فرض الحجاب.
In solidarity with woman who are forced to wear the hijab.#MyStealthyFreedom pic.twitter.com/VPgLOnH1Nx
— Yasmine Mohammed ياسمين محمد 🦋#FreeFromHijab (@YasMohammedxx) February 1, 2018
سيدة أخرى غردت تقول: “ليس اختياري وأنا مجبرة على ارتداءه وإن لم أفعل فسوف يتم قتلي”!
It wasn’t my choice and I’m forced to wear it and if I don’t i will be killed #FreeInHijab pic.twitter.com/ya2yXFS07N
— micki minash (@hurrah_) December 29, 2018
وتوالت التغريدات المصحوبة بصور النساء الغاضبات والمتألمات من فرض الحجاب عليهن حول العالم، ورحن يحكين تخوفاتهن وما يتعرضن له من قمع بسبب إجبارهن على ارتداء الحجاب.
هل يشجع الهاشتاج القمع؟
أعلنت الحملة على مواقعها وعلى لسان السيدة نظمة خان (صاحبة مبادرة اليوم العالمي للحجاب منذ 2013) أن الحملة تهدف إلى تأكيد فكرة أن الحجاب ليس له أية علاقة بالقمع أو الظلم، ومجابهة تصنيف النساء على أنهن مضطهدات ومسجونات، وأن الهاشتاج تحديدًا تم ابتكاره لتشجيع النساء على التعبير عن حرية اختيارهن للحجاب، وهو ما لم تقتنع به الرافضات للحملة، حيث تقوم بدعم الحجاب بينما يتم قمع الآلاف من النسوة حول العالم لإجبارهن على ارتداءه، فهو دعم لأداة تستخدم من قبل الأنظمة السياسية والمجتمعات والأسر لقمع المرأة في دول كإيران والسعودية وربما تركيا ومصر وسوريا كما سنرى.
يبدو أن القائمين على منظمة اليوم العالمي للحجاب لا يتفقون مع ذلك، فقد قاموا بنشر نتائج آخر استبيان أجري على موقعي فيسبوك وانستجرام، رفض 94% من المستجيبات على إنستجرام كونهم مجبرات على ارتداءه مقابل 6% أقررن بإجبارهن على ذلك، بينما أقرت 19% من مستخدمات فيسبوك بإجبارهن على ارتداء الحجاب مقابل 81% أجبن بعدم إجبارهن.
كما أظهر الاستبيان أن 93% من مرتادات كلا الموقعين تشعرن بالثقة لدى ارتداءهن الحجاب مقابل 7% لا يرين ذلك.
رقية تيل، سيدة برلينية محجبة، ألمانية من أصول تركية تدرس “علم التربية”، أعربت عن سعادتها بالحملة، حيث “يمكن للنساء أن يظهرن بحجابهن بفخر وحرية، ويعد ذلك بمثابة إجابة على كل التساؤلات المتحيزة ضد الحجاب”. وحول تعرض بعض المحجبات للضغط من أجل ارتداءه، تقول رقية: “لا يوجد أي قمع، نحن نرتدي الحجاب حبًا في الله، وإن كنا نتحدث عن كونه فرض، نعم فهو فرض إسلامي وأمر من الله”.
الحجاب والاندماج!
أظهر استبيان قامت به مؤسسة TNS Infratest عام 2014 أن 71% من المستجيبين قالوا بأن الحجاب يؤثر على عملية الاندماج في ألمانيا، بينما أجاب 25% بأنه لا يؤثر، في نفس الوقت ووفقًا لاستبيان آخر قامت به نفس المنظمة قال 31% من المستجيبين أنهم يرون ارتداء المرأة للحجاب في ألمانيا أمر سيء، بينما أجاب 62% بأنه لا يوجد فارق، في حين رآه 6% أمر جيد.
استقبلت رنيم أبو غليون، سيدة برلينية درست الأدب الفرنسي في سوريا، هذه النتائج بشيء من الاستغراب، واستاءت مما اعتبرته مبالغة في تناول موضوع الحجاب والحديث حول منعه.. تقول أبو غليون: “أعلم أن الاندماج والحجاب أمران مهمان في ألمانيا، وأفهم جيدًا مخاوف الألمان من انتشار الأفكار والطابع الإسلامي، ولكن ما حدث هو أننا اندمجنا ودرسنا اللغة ولم يمثل الحجاب عائقًا أمام قدرة أي منا على التعلم والاندماج وتحدث اللغة الألمانية”. وعبرت رنيم عن استغرابها من احتلال الحجاب كل هذه المساحة من الجدل والنقاش مرجعة ذلك للإعلام، حيث أن “الحجاب أمر شخصي وقرار فردي يخص كل امرأة”. ختمت أبو غليون حديثها.
المجتمع والأسرة يفرضون الحجاب؟
ترفض رقية تيل إظهار المرأة المحجبة على أنها ضحية لأي قمع، تقول: “أولئك الذين يصدرون الأحكام ويقولون بأن النساء المسلمات يرتدين الحجاب بالقوة، هل قاموا بسؤال المرأة نفسها عن ذلك؟” نافية أنه في وقتنا الحالي يمكن أن تجبر المرأة من قبل المجتمع أو الأسرة على ارتداء الحجاب.
تأتي الإجابة سريعة على رقية من خلال ما شهدته تركيا خلال الأيام الماضية، وبشكل مشابه لما حدث مع هاشتاج حرية الحجاب، تم استخدام هاشتاج تحدي العشر سنوات (الذي كان يهدف بالأساس إلى وضع صورتين للشخص بينهما 10 سنوات لتوضيح الفارق في العمر) من خلال العديد من السيدات التركيات لعرض صورهن بالحجاب منذ 10 سنوات أو 20 سنة أو أقل وصورهن الآن مصحوبة بتغريدات توضح أنهن الآن أكثر حرية وسعادة.
غردت نازان بالقايا من تركيا قائلة: “لا أظن أنه يجب أن يكون هناك وصفة للشخص عليه اتباعها كي يعيش حياته”.
#1YearChallenge
İnsanın inandığı şekilde yaşamak istediği şekilde yaşayabilmesinin tarifi yok sanırım. pic.twitter.com/MYR6eJt7c8— Nazan1Kadın (@NazanBalkaya34) January 17, 2019
أما بورشانور غردت قائلة: “أنا حرة، وحريتي ليس لها علاقة بالأسرة، وأفكارنا حول ما يمكننا القيام به أصبحت حرة، نحن أحرار من القواعد التي يفرضها الدين على النساء، ولن نلعب دورًا وضعه لنا الآخرون، نحن أنفسنا”.
İsteyen istediği yere çekebilir, ÖZGÜRLEŞTİK. Ve bunun aileyle çevreyle alakası yok. Kendimize, yapabileceklerimize dair düşüncelerimiz özgürleşti. Dinin kadına dayattığı tüm normlardan arındık. Başkalarının bize biçtiği rolü oynamadık. Kendimiz olduk.#10yearschallenge pic.twitter.com/bdX1O8bacy
— Büşranur (@kirazcicegi_) January 18, 2019
المجتمع المسلم متحكم في المهجر أيضًا؟
ترى رقية أنه ما قد يصل إلى 99% من النساء يرتدين الحجاب بشكل طوعي لأننا نعيش في عام 2019، ولا يمكن أن يفرض الحجاب من قبل ذوي المرأة خاصة في بلد حر كألمانيا.
تختلف زينا المنصور، سيدة برلينية أخرى كانت تعمل معالجة نفسية في سوريا، وترى أن المجتمع والأسرة لهما تأثير كبير على خيارات المرأة، خاصة إذا كان الحديث عن الحجاب، فهي تعرف بعض النسوة ممن نزعن الحجاب هنا وواجهن مشكلات مع ذويهن: “إذا أرادت المرأة أن تخلع حجابها لا يكفي أن تكون لديها فقط القناعة الشخصية، يجب أن يكون هناك موافقة وقبول من أهلها، ومن قمن بعمل ذلك قليلات”.
وبخصوص المجتمع العربي والمسلم في ألمانيا تقول المنصور: “أرى المجتعات العربية والتركية هنا إلى حد كبير مجتمعات مغلقة، ويزيد ارتباط الأفراد بمجتمعاتهم ببلدانهم الأصلية من خلال الإنترنت أو بتكتلهم معًا، ومن استطعن التغلب على هذا الأمر هن نساء قويات للغاية، كما أن بعض النساء ممن فعلن ذلك كان لديهن دعم ومساندة من رجل سواء كان الأب أو الأخ أو الزوج”. وأكدت المنصور أنه أحيانًا ما يكون الرجل متحرر ويريد أن يدعم ابنته أو شقيقته أو زوجته، لكن هو نفسه يكون ضحية ضغوط مجتمعه الموجود هنا، أو الموجود في بلده الأم.
إذاً، هل الحل سيكون بفرض قوانين تجبرها على خلعه؟ تجيب المنصور: “لا، هذا أيضًا خاطئ، بدلًا من ذلك علينا تمكين المرأة ودعمها وتوفير سبل حمايتها حال تعرضها للإجبار على ارتداء الحجاب”.
هل يضغط المجتمع الألماني في اتجاه نزع الحجاب؟
هل يمكن بالفعل أن يمثل المجتمع الألماني عاملًا ضاغطًا في اتجاه نزع الحجاب على الرغم من عدم وجود قانون يجرم ارتداء الحجاب في الحياة العامة (باستثناء بعض المدارس الابتدائية)؟ هل يوجدأية آليات أو تصرفات فردية أو مؤسسية توصل رسالة للمرأة المحجبة مفادها: “إن أردتِ العيش هنا وتقلد الوظيفة التي تريدين، فلتعلمي أن الحجاب سيمثل عائق”؟
تقول شروق أ.ب (اسم مستعار) فلسطينية ألمانية محجبة: “عندما كنت أحضر تدريب وظيفي، قالت لي الموظفة: حجابك سيمثل عائق، فأخبرتها بأنني لا أريد خلعه، راحت تمارس علي ضغط بشكل يومي لأغير شكل الحجاب على الأقل، مدعية أن مكان العمل الذي قمت بالتقدم له سيرفض”. تكمل شروق بأنها لم تجد أي رفض من قبل القائمين على المقهى، مضيفة أنها وزميلاتها كن يعانين بشكل يومي من ضغوط المشرفة بسبب موضوع الحجاب، ولم يردن أن يقدمن شكوى ضدها حتى لا يتفاقم الموقف. وفي محاولة منها لتأكيد أن الحجاب يؤثر على نوعية الوظائف، تساءلت رنيم أبو غليون: “هل ترين موظفة في بنك ترتدي حجاب؟ تذهب الفتيات المحجبات لمدارس التدريب المهني في مجال التربية وخاصة في المدارس التابعة للأتراك”.
سيظل موضوع الحجاب من القضايا الشائكة والمربكة في نفس الوقت، فجميعنا نعلم، أنه حتى ومع غياب قانون يجبر المرأة على الحجاب أو خلعه، سيبقى المجتمع يلعب دورًا كبيرًا في ذلك. ما أعرفه أنه يجب توفير كل ما يجعل المرأة حرة تمامًا في تحديد خياراتها سواء بارتدائه من عدمه، فكما هناك من تريد خلع الحجاب، هناك سيدات يردن ارتداءه وبكل حرية.. يجب ألا يصبح الحجاب بل ولباس المرأة محل نقاش أو شأن مجتمعي أو قضية سياسية.
أمل برلين | تقرير وإعداد: أسماء يوسف
(1) https://www.hrw.org/news/2018/02/24/iran-stop-prosecuting-women-over-dress-code
(2) https://www.amnesty.org/en/latest/news/2018/02/iran-dozens-of-women-ill-treated-and-at-risk-of-long-jail-terms-for-peacefully-protesting-compulsory-veiling/
(3) https://www.aclu.org/sites/default/files/field_document/discriminationagainstmuslimwomen11.08.pdf
(4) https://ar.scribd.com/document/36906515/Discrimination-of-Veiled-Muslim-Women-in-the-United-States-and-France