Photo: Wikipedia
09/03/2018

حركة “سفرجيت” وتطور النضال النسائي

ارتبط نضال المرأة شبه المنظم بالثورة الصناعية في الغرب وسيطرة الرأسمالية وما قابلها من أفكار منادية بالحرية والعدالة الاجتماعية وتأسيس التنظيمات الاشتراكية والشيوعية التي استهدفت التصدي لاستغلال أرباب الأعمال، كما تأثر حراك المرأة بالحداثية وجاء متزامنًا مع حركات التحرر التي ظهرت في عصر التنوير، وسيادة الروح النقدية الدياليكتية آنذاك.

وتعود الشرارة الأولى لانتفاضة المرأة في العالم إلى نهايات العقد السادس من القرن التاسع عشر، وما شهدته تلك الفترة من تظاهرات ضخمة لعاملات النسيج في نيويورك احتجاجًا على ظروف العمل اللا إنسانية، بعد ذلك تم إنشاء أول نقابة نسائية لعاملات النسيج، وفي عام 1889 تم إنشاء جمعية NAWSA في الولايات المتحدة، وبهذا التاريخ تنتهي المرحلة التأسيسية للحركة النسوية لتبدأ مرحلة جديدة من نضال المرأة أكثر أهمية استمرت حتى الربع الأول من القرن العشرين، مرحلة ساهمت في تكوينها واحدة من أهم الحركات النسوية في التاريخ، وهي حركة Suffragette.

“السفرجيت” حركة تبنت قضية الدفاع عن حقوق المرأة بشكل عام وخاصة حقها في الانتخاب والترشح خاصة في بريطانيا، وكانت Emmeline Pankhurst بالإضافة لابنتيها كريستابل وسيلفيا، حيث كن جميعهن عضوات في الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة WSPU، أيضًا تضمنت الحركة بعض من النسويات الراديكال في العالم مثل Rosa Luxemburg وElizabeth Cady Stanton.

تميزت هذه المرحلة التاريخية من نضال المرأة (أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) بشكل عام بتطور حراك المرأة والتنوع في مطالب الحراك النسوي ما بين الحصول على الحقوق السياسية والمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاهتمام بقضايا عامة محلية وعالمية بالاضافة لاتساع رقعة نضال السفرجيت خاصة في أمريكا وبريطانيا.

في عام 1905 قامت بعض عضوات “السفرجيت” في بريطانيا بإثارة بوقف اجتماع سياسي في مانشستر وسؤال ونستون تشرشل وإدوارد جراي حول قناعتيهما بخصوص حق المرأة في التصويت، ولم يجب أي من الرجلين، فهتفت وتم طردهما ثم قبض عليهما، ورفضت السيدات آنذاك دفع كفالة وفضلتا دخول السجن، ثم بدأت العضوات مع أخريات مناضلات في السجن إضرابًا عن الطعام، ليحاول المسؤولين إجبار السجينات على الأكل، لتبدأ الحركة في الخارج بزيادة التصعيد من خلال الاعتصامات.

في نفس السياق بالـ 8 من مارس 1908 خرجت آلاف العاملات بمسيرة في نيويورك للمطالبة بتخفيض عدد ساعات العمل ورفع المعاش ووقف عمالة الأطفال وحق الاقتراع، تلكم التظاهرات الشهيرة بأغنية “خبز وورود” معبرة عن تطورٍ ما في مطالبهن، فمن مطالب بتخفيض عدد ساعات العمل للعاملات منذ 50 عامًا إلى مطالب أخرى تشمل الطفل والوضع المالي للعاملات والمطالبة بالحقوق السياسية ممثلة في حق الاقتراع، لتعلن عاملات النسيج في عام 1909 الإضراب .النسائي الأشهر والأكبر خلال هذه الفترة والذي استمر عدة أسابيع من أجل رفع الأجور وتحسين ظروف العمل

وعلى نفس نهج “السفرجيت” في بريطانيا سارت عضوات حزب المرأة القومي في الولايات المتحدة من خلال اعتصامهن أمام الكونجرس والبيت الأبيض وتعطيل العمل، وبدأن في تصعيد الحراك من خلال هجومهن على ويلسون واتهامه بالازدواجية والكذب فيما يدعيه من نشر الديمقراطية بالخارج وفي داخل أمريكا نصف السكان لا يستطيعون التصويت، وفي تصعيد مقابل من قبل الحكومة تم القبض على وسجن بعض عضوات الحزب مثل Alice Paul لتقوم السجينات بدورهن بالإضراب عن الطعام احتجاجًا على احتجازهن كسجينات سياسيات.

وعندما لم تجدِ الوسائل السلمية، انتهجت “السفرجيت” في كل من بريطانيا وأميركا نهجًا أكثر حدة وعنف كتكسير نوافذ المتاجر وإحراق صناديق البريد وتفجير بعض الأهداف كخطوط الاتصال وبعض منازل المسؤولين غير المسكونة، وكان ذلك بمثابة الإعلان عن دخول نضال المرأة مرحلة جديدة بأدوات ووسائل جديدة، فلم يعد باستطاعة المرأة الاستمرار في استجداء حقوقها وإنما كان عليها اقتناصها.

ولأنه ليس هناك شيء كامل في نقاءه في هذا العالم، فإبان الحرب العالمية الأولى، وفي أواخر عام 1914، أوقفت الحركة حملة العنف، ودعمت الحكومة البريطانية تمامًا أثناء فترة الحرب، وهذا ما اعتبره أنا إحدى سقطات الحركة، حتى أن البعض يرى أن حصول المرأة على حقها في التصويت في بريطانيا عام 1918 كان بمثابة مكافئة للسفرجيت على دعمها للحكومة أثناء الحرب.

مهما يكن فالشيء الهام هنا هو أنه تمت الاستجابة لـ “مطالب” المرأة، وأتى حراكها ثماره، لكن الشيء الأهم هو أن استجابة السياسيين لمطالب المرأة لم تكن إنطلاقًا من التزام شخصي أو أخلاقي منهم تجاه ما يرددونه من شعارات العدالة الاجتماعية ولا لما يدعون اعتناقه من قيم تقدمية ولكنهم فعلوها على مضض استجابة لما أملته عليهم تطور آليات وأدوات نضال المرأة.

أسماء يوسف | أمل برلين
Photo: Wikipedia