Photo: Amloud Alamir
18/01/2018

برلين: حصص تدريب للسيدات حول كيفية مواجهة التحرش

سمعنا كثيراً في الآونة الأخيرة عن قصص التحرش التي تتعرض لها النساء، والتي كُشف عن بعضها بعد فترة طويلة من الزمن إثر حملة “أنا أيضاً” التي تتبناها النساء حول العالم. منذ عدة أيام وقّعت 100 سيدة فرنسية على بيان نشرته صحيفة “اللموند” يعتبرن فيه أن الحملة تكرس صورة المرأة الفريسة، وتجريم الرجل لأفعال قد تكون مزعجة أو غير لبقة لكن لا تصل لوضعها في اطار التحرش.

الفرق بين الناجيات والضحايا!

من الضروري معرفة الطريقة التي يتم فيها الرد على الازعاج الذي يتسبب فيه الرجل حسب درجته وأذيته، هذا ما تقوم به الفتاة الفلسطينية مجد حوراني والتي أتت إلى برلين بعد حصولها على منحة من “كورت لوفنشتاين”، بالتعاون مع مؤسسة “ايراسموس بلس”. تقوم حوراني أيام الأحد بدورات تقدم فيها المعلومات الأساسية للنساء عن كيفية الدفاع وحماية أنفسهن في المواقف التي قد يتعرضن لها، وفيها نوع من التحرش أو سوء التصرف. وتسمي مجد النساء في تلك الحالات بالناجيات ولسن الضحايا، فهي تعلم المرأة كيف ترفع صوتها بوجه الشخص المعتدي لتقول “لا” أو “توقف” محافظة على مساحتها الآمنة إن كان في وسائل النقل أو في الماكن العامة.

درست حوراني علم النفس في فلسطين وتاريخ الفن بكوبا، لكنها قامت بدورة تدريبية في السويد تعلمت فيها أليات الدفاع عن النفس وتم اختيارها لتأخذ دورة إضافية لستة أشهر لتصبح مدرّبة تقول: “أنا أتيت من بيئة عربية وموضوع التحرش مطروق وتعاني منه الفتاة لذلك أجدني معنية ولدي مسؤولية مجتمعية، وبما أني أمتلك هذه الأدوات من الضروري مشاركتها مع من ترغب من النساء بالحصول عليها، أنا أحب القيام بهذا العمل و اجده مهم”.

الثقة بالنفس قد تخيف المتحرش

ردود الفعل تختلف باختلاف البيئة، أحياناً لا تحتاج الفتاة لاظهار القوة الجسدية، فقط عليها إظهار ثقتها بنفسها مما يجعل الحدث يقف دون أن يتطور نتيجة امتلاك الفتاة الوقفة الجريئة والواثقة أمام الشخص. تتحدث حوراني عن تقاطعات ظروف النساء العربيات واللواتي يعشن في شارع غير آمن والفرق بينهن وبين النساء الغربيات، لسن جميعاً يمتلكن تعريف واضح للاختلاف بين التحرش اللفظي والأذى النفسي و التحرش الجنسي، بالإضافة أن النساء في دول أوربا لديهن معرفة حقيقية لأجسادهن من خلال الثقافة الجنسية التي يتعلمونها في مدارسهن بينما هي في مجتمعاتنا تابوهات لا يمكن الاقتراب منها وبالتالي التعاطي معها يصبح صعب ومجهول. كما أن مفهوم الرجل وسيطرته في مجتمعاتنا أيضاُ مختلف عما هو في المجتمعات الأوربية فالرجل العربي لديه مساحة أكبر في بيته، في شارعه، في مجتمعه بالمقارنة عما يملكه الرجل الأوربي.

معرفة المكان والتفريق بين التصرفات أهم مراحل التدريب

ورشة التدريب التي تقوم بها مجد في المكان الذي وفرته لها مكتبة “بيناتنا” كل يوم أحد من الساعة 2 الى الساعة السادسة، قيمة الاشتراك رمزية ومن لا تملك من السيدات مبلغ 10 يورو للاشتراك، تستطيع المشاركة مجاناً، وهناك فتيات يدفعن عن غيرهن ايماناً منهن بأهمية التدريب.

تنقسم الورشة الى قسمين: الأول معرفة المكان الذي نحن فيه، معرفة قوانينه وكيفية الاستفادة منها وما يتعلق بالمرأة. والقسم الثاني آلية الدفاع العقلية وهذا لا يمكن العمل به إلا عندما يصبح لدى السيدات والفتيات مفهوم واضح عن الفرق لأنواع التحرش وأشكاله والتطرق للعنف المنزلي. تقول حوراني: “أحياناً يتحدث أحدهم عن أي جزء من جسد الفتاة وهذا يدفعها للضحك دون أن تدري أن ذلك أذى وتحرش لفظي”. حوراني ترى أن النسبة التي قدمها مركز المرأة للإرشاد عن حالات التحرش في فلسطين وهي 35% غير دقيقة، خاصة أن: “بيئتنا لا تتقبل حديث الفتاة عن تعرضها للتحرش وبالتالي لا تعترف كل الفتيات بما يتعرضن له، كما لا يمكن التفريق بين التحرش اللفظي والجسدي، أو حتى الحديث عن التحرش ضمن الأسرة أو سفاح القربى”.

من ضحية إلى مدربة للدفاع عن النفس ضد التحرش

تذكر حوراني حادثة قديمة أثرت بها عندما تعرضت من إحدى الفتيات الصغيرات لضربة قوية دفعتها للخلف أثناء التدريب مما لفت نظرها، وعندما حاولت متابعة وضع الطفلة وسألتها عن سبب قوة ضربتها، قالت الطفلة: “شعرت بأني أضرب شخصاً أعرفه” وبعد فترة من البحث تبين أن هذا الشخص هو والدها. عندها تدخلت مؤسسة “البيت الآمن” مع أسرة الفتاة فقد كان هناك سفاح قربى من والد الفتاة، تم أخذ الفتاة إلى البيت الآمن وبإحدى زيارات المدربة مجد قالت لها: “أرغب ان أكون مثلك، قوية”، أصبحت الآن بعمر الثمانية عشر وتقوم بتدريب الفتيات الأخريات كيف يدافعن عن أنفسهن، وأن يتحلين بالشجاعة لإكمال حياتهن برضى.

التحرش جريمة ويجب أن نساعد الضحايا دون تمييز

وفي حادثة أخرى أثناء احدى ورشات التدريب في برلين تقول حوراني: “أتت فتاة تحدثت عما وقع لها في احدى محطات (إس- بان) وكيف قام شاب بدفعها عن الدرج الكهربائي ليعلق شعرها بدرجاته مما اضطرها لقصه”.. تضيف حوراني: “لاحظت أن الفتاة من إسرائيل، لم أعرف كيف أجيبها، استغرقني الموضوع دقائق لأدرك انها امرأة واجهت مشكلة قبل أن تكون أي شيء آخر، استطعت فيما بعد اجابتها بعد أن استجمعت نفسي”. في وقت لاحق أرسلت هذه الفتاة ايميل طويل لحوراني تشكرها فيه على المساعدة التي قدمتها، وأنها عاملتها كإنسانة وامرأة بحاجة للمساعدة قبل أن تنظر لانتمائها.

أمل برلين | تقرير وإعداد: أملود الأمير
Photo: Amloud Alamir