رائد صالح، واحد من أبرز السياسيين في الحزب الإشتراكي الديمقراطي، ولد عام 1977 في قرية فلسطينية، ثم جاء إلى ألمانيا بعمر الخامسة مع ثمانية أخوة وأخوات، ليستقروا في منطقة شبانداو البرلينية. ترشح صالح عام 2014 ليكون عمدة برلين، و كان عضواً في مجلس نواب برلين منذ 2006، ليصبح فيما بعد المتحدث الرسمي للتكتل الاشتراكي بما يخص سياسة الاندماج في برلمان ولاية برلين.
تلاحم المجتمع.. ومصطلح الثقافة الألمانية الرائدة
يرى صالح أن نسبة الـ 13% من الناس الذين انتخبوا حزب “البديل من أجل ألمانيا” ليسوا جميعهم نازيين، بل الكثير منهم أشخاص محبطين ويائسين وأيضاً غاضبين، بالإضافة لمخاوف البعض من الإسلام، وهذا الصراع السياسي المنقول لهم دون أي شرح من قبل السياسيين له. لذلك يؤكد السياسي صالح على أهمية الحقوق الأساسية والتنوع الديني والوطنية التي تؤدي إلى تلاحم المجتمع ووحدته ويقول: “تتصاعد في المجتمع المخاوف من المختلف، يجب معرفة أسبابها وايضاحها، علينا أن نكون موضوعيين بفهمها، ومن المهم تقديم الحقائق للناس. لا يمكن بناء ألمانيا الديمقراطية معاً اذا لم نقم بذلك، ستكون مهمة شاقة لكنها ضرورية للجميع”.
و في محاولة من رائد صالح أن يحتل مصطلح “الثقافة الألمانية الرائدة” بشكل إيجابي، والذي كان متواجد في الحملات الانتخابية المحافظة، قدم كتابه المكون من سبعة محاور متحدثاً فيه عن تجربته ورؤيته. وفي حفل توقيع الكتاب في برلين، تحدث صالح عن أهمية اللحظة الراهنة لنبقى بآمان، بالرغم مما تواجهه ألمانيا من لحظات صعبة، خاصة مع قضية اللاجئين، ومسألة إيجاد الوطن البديل، وردّات فعل الناس لكونهم ألمان من خلفيات مهاجرة، هذا ما دعاه ليختار عنوان كتابه “أنا ألماني”. ويظن القارئ أن هذا الكتاب هو رد على أفكار الكاتب “سارازين” والذي يقول “لا يمكن لأي بلد أن يحل مشاكل بلد آخر” والذي استخدم مصطلحات مثل “الهوية الثقافية” و”شخصية الشعب” الألماني، كما دعا لوقف الهجرة الإسلامية إلى ألمانيا لأسباب جينية في نهاية المطاف، منتقداً سياسة اللاجئين للحكومة الاتحادية وطريقة مراقبتها للحدود، والتي سهلت دخول الإرهاب الى أراضيها. بينما يقول صالح “الإرهاب لا دين له” ومن قدموا من أرض يشيع فيها الإرهاب، هم أناس يبحثون فقط عن الآمان، ومن الضروري مواجهة مخاوف الناس من الإسلام بتصحيح صورته، وبذلك ستكون الضربة الأكثر فعالية بوجه الإرهابيين.
الدعوة لإسلام ينتمي إلى ألمانيا ويتناسب مع بيئتها
دعا صالح لإسلام أوروبي مستنير وتطبيعه في بيئته بحيث يمكنهم أن يطوروا البديل الألماني الخاص للإسلام، في تأكيد من أن الإسلام هو جزء من الحاضر ومن المستقبل. وهذا يتناسب مع ما قاله المستشار الألماني شرويدر سابقاً: “الإسلام ينتمي إلى ألمانيا”. وأشار السياسي الإشتراكي صالح لضرورة السماح بدراسة الإسلام في جامعات ألمانية، “وأن يكون هناك أئمة مسلمين ألمان، بحيث يكون انتمائهم لألمانيا وليس لدول أخرى، وأن يكون هناك أسلامنا الخاص التابع لفهمنا له من هذه الأرض، فلا يمكننا أن ننكر أن الإسلام الموجود في السعودية مختلف عما هو موجود في ماليزيا وعن الموجود في كوسوفو تماما كما هي المسيحية الموجودة في كونغو مختلفة عن المسيحية الموجودة في الفلبين”. و يقلقه أن تشعر المرأة بالرعب إذا كانت ترتدي الحجاب وأرادت الخروج إلى الشارع، ويستنكر الإساءة لهذه المرأة، فلا يجب أن يتم ذلك على هذه الأرض التي تحترم حقوق الإنسان، فهذا لا يتفق مع الثقافة الألمانية الرائدة.
الوطنية والمواطنة وشواهد القبور!
يتحدث صالح عن الشعور بالوطنية: “إن وطنيتي لا علاقة لها بالإقصاء والقلق من القوميين الذين يعيشون في دريسدن، هؤلاء وطنيون خاطئون بالنسبة لي”. هناك كثير من الناس الذين لا يملكون جنسية ألمانية أو جواز سفر ألماني ولكنهم لا يقلون ألمانية عن الآخرين وهم يعيشون هنا منذ عدة أجيال ولا ينتمون لمكان آخر. يذكر صالح ما قاله له لاجئ سوري (16 عام) أتى هو وأسرته إلى ألمانيا منذ فترة: “شكراً لكم لكونكم هنا، هذا البلد عظيم، وأنا أحبه، وأود ان أقدم كل شيء لهذا البلد وشعبه”.. هذا ما صالح يعتبر أن بعض المهاجرين هم أكثر وطنية من بيغيدا، يقول: “في نهاية المطاف وعندما يموت الإنسان سيكتب على قبره فلان – شارلوتنبورغ – برلين…. لن يكتب إن كان من سوريا أو من كوسوفو أو من روسيا”.
الجدران والأحكام المسبقة واشكالية الهوية
لا ينكر صالح وجود جدران نفسية داخل أذهان الناس، بل يعتقد أنها كانت ومازالت موجودة: “بين شرق وغرب برلين، شرق وغرب ألمانيا، شرق وغرب أوروبا” وأشار لما قاله الرئيس الألماني شتاينماير عن الجدران التي نشأت، وإن كانت بدون سياج، وإنما تقف أمام المفهوم العام لكلمة نحن. حيث ستقع إشكالية كبيرة إذا لم يشعر الناس الذين يعيشون هنا بالقبول، والتي ستستقبل بدورها “خطاب الكراهية”، لذلك يجد صالح أنه: “من السهل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن يتلاعب بالألمان ذوي الجذور التركية والذين لا يشعرون بالقبول، وبالتالي مازالوا ملتزمين بأصول آبائهم أو أجدادهم (…) إذا شعر التركي أنه في بيته في ألمانيا، فلن يناقش مزايا ومساوئ النظام الرئاسي التركي، بل مسألة من سيكون المستشار التالي”. ورأى صالح أنه يتعين على المهاجرين وذريتهم أيضاً القيام بدورهم، وأن نتوقف عن اطلاق الأحكام المسبقة، وأن يمتلك كل من يعيش في ألمانيا الفرصة للمساعدة في تشكيل الثقافة الرائدة.
أمل برلين| تقرير وتصوير: أملود الأمير
Photo: Amloud Alamir