أقيم في مركز إبن رشد للفكر الحر، ديوان فلسفة بعنوان “الفرد في الإسلام والثقافات الشرقية: مقارنة بين الفرد في الثقافات الشرقية والغربية”، تحدث فيه المفكر العربي الدكتور محمد عادل مطيمط، والذي شرح كيف دأب العقل الغربي على نحت كينونة الفرد وترسيخها منذ الإغريق والرومان، بينما الثقافة الشرقية والإسلامية عملت على مبدأ ترسيخ الجماعة والتي يذوب فيها الفرد. حيث انطلق الغرب من تصوره أن حرية الفرد هي أساسية وجوهرية، وهي أساس الديمقراطية التي وصل إليها نتيجة التطور الثقافي والفكري والسياسي.
لا استقلالية للفرد في مفهوم الجماعة
ولفت الدكتور مطيمط النظر لأهمية فهم الحرية المدنية في العقد الاجتماعي، والتمييز بين الجماعة وبين المجتمع، ففي المجتمع هناك علاقة تعاقدية باختيار الفرد لحفظ البقاء، مفهوم الجماعة يتضمن في معناها العميق أنه لا استقلالية للفرد. وأشار مطيمط إلى -كاترين كنزلار- و”منظومة الفئة المفارقية”، وهي الفئة التي ينتمي إليها الفرد ويكون مستقلاً عنها بنفس الوقت بحيث يمتلك الحق بأن يكون مختلفاً، ولا يمكن لهذه الفئة أن تفرض عليه معتقداً بعينه، وهذا ما يسمى بالانتماء المفارقي والذي تعتبره كنزلار أساساً للديمقراطية، ولكن على الفرد أن يحترم القانون الذي ليس له من هدف سوى ضمان ذلك الحق.
كما حذر مطيمط من الفردية النيوليبرالية الإقتصادية والتي تحترم الفرد فقط من الجانب الاقتصادي، وسرعان ما يكون هناك أبعاد سياسية واجتماعية و ثقافية قائلاً: “هذا ما نلاحظه اليوم في المنظومة النيوليبرالية التي أصبحت تبشر بنفس ما تبشر به الجماعات الدينية الإسلامية المتطرفة، وهي تريد أن تفرغ المجتمعات من تاريخها ومن ثقافتها وروحها وتشفط هذا المحتوى إن كان فني أو الأدبي ثقافي، وتخلق مفهوم الجماعة المجردة بدون ثقافة أو تاريخ أو روح، جماعة هلامية مجردة من الإرث الحضاري لينطبق عليها المفهوم التولتارية، وهذا ليس الليبرالية الكلاسيكية” .
هل من وجود للفرد في المجتمع العربي المسلم؟
في المجتمعات العربية التي يحكمها إما منطق الصلة الدموية القبلي، أو منطق الانتماء إلى الجماعة الدينية، كان هناك محاولات من خلال التصوف أو الاعتزال، أو من خلال الصعلكة في الشعر الجاهلي لتصنع للفرد كياناً، غير أن الثقافة الجمعاوية كانت أقوى من الثقافة الفردانية أو التنويرية بالمعنى الحديث، وهي لا تسمح -للفرد- بأن يعتقد أو يفكر كما يشاء.
وأكد مطيمط على حاجة المجتمعات العربية لفهم معنى الديمقراطية، بأنه ليس فقط هو حق الانتخاب، وإنما هي منظومة أخلاقية متكاملة، وبالتالي فإن هذه المجتمعات بحاجة لثورة أخلاقية وثقافية، قبل أن تكون ثورة سياسية.
الجدير بالذكر أن الدكتور عادل مطيمط أستاذ في الفلسفة والتاريخ الفكري بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية في جامعة قابس التونسية، وحاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة باريس 8 في عام 2007. تتركز أبحاثة حول تاريخ الفكر السياسي، وقد صدر له العديد من المنشورات بالعربية والفرنسية والألمانية، وهو عضو في مجموعة الأبحاث التونسية -الألمانية حول النوع الاجتماعي في جامعة لونيبورغ.
أمل برلين | تقرير وتصوير: أملود الأمير
Photo: Amloud Alamir