©Asmaa Yousuf
13/08/2017

حكاية مطار “تيغل” البرليني.. نجم الصحافة الألمانية منذ سنوات!

لا يمر يوم إلا وتشهد الصحافة الألمانية خبرًا أو تعليقًا بخصوص مطار تيغل، والذي كان من المقرر إغلاقه عام 2012  بعد إفتتاح مطار براندنبورغ برلين الجديد، ومنذ ذلك اليوم وتأجيل بدء العمل بالمطار الجديد صار خبرًا عاديًا، تزامن معه تكرار الجدل حول إغلاق مطار تيغل.

القصة من البداية إلى.. البداية!

بدأت القصة منذ حوالي خمسة عشرة عامًا عندما تقرر إنشاء مطار جديد في برلين، في البداية تقرر إنشاؤه بجانب مطار شونيفيلد،  لكن رفضت الفكرة لأسباب تتعلق بالضوضاء والتلوث وغيرها من الأمور التي صنفت وقتها على أنها خطر على حياة سكان البيوت القريبة من الموقع. ثم اتخذ قرار من قبل كل من حكومة برلين وحكومة براندنبورغ  والحكومة الألمانية الاتحادية ببناء المطار الجديد في براندنبورغ، بشرط إغلاق مطار تيغل عند انتهاء بناء المطار الجديد، فالناس الذين يعيشون في تيغل بنفس أهمية الناس الذين يعيشون في شونيفيلدا، ثم بدأ الحزب الديمقراطي الحر حملة ضد إغلاق المطار. ومن هنا انطلق الجدل بين حكومة برلين وبين الحزب خاصة سباستيان شايا.

ثم قاد الحزب الديمقراطي الحر حملة تحت عنوان “برلين تحتاج تيغل” وقام بجمع توقيعات مطالبة بعرض قرار الإغلاق من عدمه للإستفتاء، وتمكنت الحملة من تجميع 198 ألف توقيع، وتجاوزت الحملة النصاب المطلوب للموافقة بـ 24 ألف توقيع، وسيتم بالفعل الاستفتاء على الإبقاء على المطار من عدمه يوم 24 أيلول/ سبتمبر في نفس موعد الانتخابات الفيدرالية.

الديمقراطية في الميزان

هاكان تاش عضو حزب اليسار وعضو في برلمان برلين

هاكان تاش عضو حزب اليسار وعضو في برلمان برلين

“إن النقاش حول مطار تيغل قد حسم من قبل، فقد تقرر إغلاقه بعد ستة أشهر من افتتاح المطار الجديد، وبالتالي ليس علينا، كمؤيدين لفكرة إغلاق المطار، أن ندعم شيئًا قد حسم القرار بشأنه بالفعل قبل ذلك، وكل ما نريده هو احترام القواعد واتباعها”. هكذا بدأ السيد هاكان تاش من حزب اليسار حديثه مع أمل برلين حول مطار تيجل. أما السيد ديفيد يان من الحزب الديمقراطي الحر إبتدأ حديثه حول مطار تيغل قائلًا: “إرادة الناس هي من يجب أن تحسم الأمر، فألمانيا بلد ديمقراطي، ومواطني برلين هم من طالبوا بعدم إغلاق المطار، ووقع البرلينيون عريضة طالبوا فيها بإخضاع قرار الإغلاق للإستفتاء الشعبي وهو ما سيحدث  أثناء التصويت للإنتخابات البرلمانية الإتحادية”.

وكان للسيدة إيلكا شيلينج رأي آخر في هذه المسألة حيث رأت أنه: “من غير العدل الاستناد إلى استفتاءات الرأي بهذه الطريقة، ففي مسألة كهذه كيف يمكن مساواة البرلينيين الذين يعيشون في الأحياء المتضررة من وجود المطار ببقية البرلينيين الذين لا يتأثرون بالضوضاء والتلوث؟ قضية كهذه تمس صحة وحياة البشر يجب فيها الاستماع أكثر لأصوات ووجهات نظر المتأثرين المباشرين بالمطار، خاصة عندما يتعلق الأمر براحتهم وصحتهم”. وردًا على ذلك قال ديفيد يان بأن “التوقيعات في حملة برلين تحتاج تيغل تقول عكس هذه المخاوف، حيث أن ترتيب الأحياء في التوقيعات كان من الأكثر إلى الأقل كالآتي: شالوتنبورج ثم فيلمرسدورف ثم راينكيندورف، كما أن قضايا برلين هي مهمة لكل سكانها وليس فقط سكان الأحياء القريبة”.

موقع المطار مدعاة للإبقاء عليه ولإغلاقه!

ديفيد يان عضو بالحزب الديمقراطي الحر، وبرلمان حي راينكيندورف

ديفيد يان عضو بالحزب الديمقراطي الحر، وبرلمان حي راينكيندورف

وحول الأسباب التي يتبنى وفقًا لها التحالف الحاكم في برلين لأحزاب اليسار والخضر والديمقراطي الاشتراكي، لقرار إغلاق المطار، أكد هاكان تاش على أن موقع المطار “يمثل إحدى المشكلات الكبيرة حيث أنه يقع في القلب من المدينة وهذا يجعله مصدر خطورة كبيرة من نواحي عدة، والآلاف من سكان برلين يعانون من الضوضاء كما أن المنطقة المحيطة بالمطار تعاني من التلوثات الهوائية، مما يعد خطرًا على حياة الناس”. أما لدى الحزب الديمقراطي الحر والذي يتبنى قضية الإبقاء على مطار تيغل، يعد موقع المطار من أهم أسباب دفاعهم للإبقاء عليه بحسب ديفيد يان، حيث لا يبعد المطار سوى مسافة 8 كيلومترات عن مركز المدينة”. إلا أن السيد هاكان تاش لا يعتبر هذا الأمر بمثابة حجة للإبقاء على المطار لأنه: “سيكون هناك فرص للوصول للمطار الجديد والتي ستتيح للجميع بما فيهم كبار السن الوصول إليه بدون أية مشاكل أو معاناة”.

حل أزمة السكن يكمن في “إغلاق” و”إستمرار” مطار تيغل

يرى كل طرف أن موقفه من مطار تيجل يمثل حلًا جزئيًا لأزمة الإسكان في برلين، حيث يرى هاكان أن بناء مساكن جديدة في منطقة تيجل يأتي ضمن خطة إغلاق المطار بالإضافة لإنشاء مراكز البحوث والتطوير التكنولوجي، مما سيساهم في حل أزمة الإسكان في برلين. على الجانب الآخر يرى ديفيد بأن الإبقاء على المطار لن يساهم في حل الأزمة، حيث أن أسعار السكن هناك منخفضة وبمجرد إغلاق المطار سترتفع الأسعار حوله، مما سيؤثر على سوق الإسكان في برلين كلها بشكل درامي على حد وصفه.

التلوث يضع حياة البشر على المحك

إيلكا شيلينج سياسية سابقة

إيلكا شيلينج، سياسية سابقة ومتطوعة في البرامج الاجتماعية

تتمثل المشكلة الأساسية في إستمرار عمل مطار تيغل لدى السيدة شيلينج بما يسببه من تلوث وضوضاء.. كما أعربت عن قلقها بخصوص الناس الذين يعيشون في الأحياء القريبة من المطار قائلة: “حتى النوافذ المزدوجة لا يمكنها أبدًا التقليل من حدة الصوت، وحتى لو تم تقليل حدة التلوث السمعي فلا يمكن تقليل التلوث الناتج عن عوادم الطائرات، وحدوث ذلك في قلب المدينة أمر مخيف، كما أن قرب المطار للمنازل السكنية مازال يعد خطرًا، فلدى الخروج من محطة شوماخر بلاتس على سبيل المثال يمكنك رؤية كيف أن الطائرات على وشك ملامسة أسطح البنايات”. لم ينفي ديفيد يان هذه المخاوف وأكد أنه لمعالجة ذلك هناك خطة تتضمن ما يلي: تخصيص حكومة برلين لميزانية تبلغ 109 مليون يورو لمتطلبات الحماية من الضوضاء والتلوث، وتقليل الرحلات من وإلى تيجل إلى النصف خلال اليوم الواحد، بالإضافة إلى حظر الطيران ليلًا من العاشرة مساءًا إلى السادسة أو حتى الثامنة صباحًا، ولن يسمح بالإستثناءات الحالية التي تتيح العمل حتى منتصف الليل بسبب رحلات السياسيين، أوالطائرات المؤجلة مواعيدها.

لم يقنع هذا الرد هاكان تاش قائلًا: “الآن هناك بالفعل حظر للطيران ليلًا، لكن بسبب الإستثناءات التي لا تنتهي والتي يصعب التحكم فيها فإن الطائرات تهبط وتقلع ليلًا مرارًا وتكرارًا”.

برلين تحتاج تيغل

أضاف يان حجة أخرى للحفاظ على تيغل وهي أن المطار الجديد مصمم ليخدم 27 مليون مسافر في العام، بينما تيجل خدم 31 مليون مسافر خلال العام الماضي، وبالتالي لن يفي المطار الجديد باحتياجات المسافرين في برلين، وقد يؤدي ذلك إلى أزمة، كما أن برلين مازالت تحتاج إلى وجود مطار تيجل في حال حدوث أي مشكلة مفاجئة بالمطار الجديد. أما السيد تاش فيرى أن المطار الجديد سوف يكون أكثر من كافِ لاستيعاب أعداد المسافرين وإدارة كل احتياجات الإقلاع والهبوط حتى المفاجئ منها.

“تيغل” سيصبح مطارًا للأغنياء

مطار تيغل في برلين

مطار تيغل في برلين

وبالتحاور مع بعض المواطنين البرلينيين وبغض النظر عن موقفهم من إغلاق المطار إلا أنهم أعلنوا تخوفهم من أن يصبح مطار تيغل فقط للأغنياء والسياسيين ورجال الأعمال مثل “مطار المدينة” في لندن، وردًا على ذلك قال يان بأنه لا يوجد أية نية لتحويل المطار للأغنياء أو لفئة معينة، فهم فقط يريدون الإبقاء على المطار كما هو الآن مع إجراءات الحماية السابق ذكرها، فهو مطار لكل الناس، وعلق تاش على ذلك بأن المطار الجديد سيكون لكل الناس من كل العالم.

وبعد هذه الرحلة القصيرة بين مؤيدي ومعارضي إغلاق مطار برلين، نصبح أمام إحتمالين: الأول أن يأتي استفتاء سبتمبر لصالح إغلاق المطار وهنا لن توجد مشكلة، والثاني أن يأتي الاستفتاء لصالح بقاء المطار وهنا ستبدأ قصة جديدة أمام القضاء، حيث أنه منصوص في عقد المطار الجديد أن يتم إغلاق مطار تيغل بمجرد بداية عمل مطار برلين براندنبورغ.

Photo: Asmaa Yousuf