هل يحمل المكان ذاكرة؟ سؤال ربما يجيب عنه معرض ريجينا شميكن، وهو بعنوان “أرض مُخضبة بالدماء، مشاهد من جرائم NSU” والذي سيبدأ اليوم 29 تموز/ يوليو ويستمر حتى 29 تشرين الأول في معرض (مارتن كروبيوس باو ).
سلسلة من الصور الملتقطة بالأبيض والأسود وبأحجام كبيرة، تثير الأسئلة بنفس ذلك الحجم عن توقيت المعرض والذي يتزامن مع محاكمة “بيت شابيه” في ميونخ، و المنتمية لمجموعة الاشتراكيين الوطنيين اليمينية السرية NSU.
تحقيقات مليئة بالشكوك والافتراضات الخاطئة
قامت شمكين بتصوير مواقع الجرائم الإثني عشر، مسرح الجريمة الذي هو ذكرى الأشخاص الذين قتلوا، فضلاً عن اكتشاف أن تلك الأماكن لا أثر للعنف فيها لاحقاً، مما جعلها على بينة من ارتباط تلك الجرائم بالإرهاب اليميني في ألمانيا، والمتهم فيها مجموعة الاشتراكيين الوطنيين اليمينية السرية، وتم قتل عشر أشخاص على يدهم مابين عامي 2000 و2007 في مدن ألمانية مختلفة مثل روستوك، هامبورغ، دورتموند، كاسل، كولن، هايلبرون، ميونخ ونوريمبرغ.
كان عدد الضحايا تسع من أصل تركي ويوناني عاشوا وعملوا في ألمانيا، بالإضافة الى شرطية ألمانية، حدثت أول جريمة في أيلول/ سبتمبر عام 2000 في مدينة نوريمبيرغ, وآخر حادثة كانت مقتل الشرطية ميشيل كيسفيتر في 25 نيسان/ إبريل عام 2007 في هايلبرون، و أكثر من 20 شخص أصيبوا في هجومي تفجير في مدينة كولن.كانت التحقيقات مليئة بالشكوك والافتراضات الخاطئة، والأمر المثير للحيرة هو ما ظهر أثناء التحقيق في مقتل أحد الضحايا، كان أحد عملاء المخابرات الألمانية واسمه أندرياس تيم، موجوداً داخل المقهى عندما وقعت جريمة القتل، ولم يبلغ العميل عما جرى معللاً فيما بعد، أنه لم يسمع الطلقات الصامتة للرصاص، التي أودت بحياة القتيل.
مخاوف ازدياد قبول الشارع الألماني لوجهات النظر اليمينية
كان الجناة هم “أوي موندلوس وبوهندهارت” وهما من أقدم أعضاء اليمين الألماني المتطرف، فرا من الشرطة مع “بيت شابيه” منذ زمن بعيد، واستطاعت الشرطة محاصرة كلاهما في شاحنة تخييم، كانا يضعا فيها دراجاتهما بعد محاولتهما سرقة أحد البنوك في أيسناخ في ولاية تورنعن، وبعد انتحارهما قامت “شابيه” بالاتصال بالشرطة وقالت: “أنا بيت شابيه، أنا من تبحثون عنها”.
في 11 نيسان من عام 2013 ظهرت شابيه للمرة الأولى في قاعة المحكمة في ميونيخ، وبدلاً من التحقيق معها لمعرفة الدعم الذي يصلهم وكيفية بقاء المجموعة تعمل بشكل سري، أصرت المحكمة على التحقيق معها كواحدة من ثلاثة وليس كفرد من مجموعة إرهابية مازالت مستمرة حتى الآن، مما يزيد من مخاوف ازدياد قبول الشارع الألماني لوجهات النظر المتطرفة وبناء تحالفات مبنية على مفهوم الهوية المرتبط بالدم والمكان، ورفض كل ما هو مختلف وجديد أو غريب.
تنامي الحركات الألمانية العنصرية المتطرفة!
يقول المؤرخ جورج بكين المدير العلمي لمتحف التاريخ العسكري من الجيش الألماني في دريسدن لأمل برلين: “أنا حزين من أن بعض الناس لم يتعلموا من دروس التاريخ، من وجهة نظري نحن جميعاً غرباء أو زوار في هذا العالم (…) الناس تكره المختلفين عنهم أو القادمين من بلاد أخرى، شيء لا يصدق ومحزن”. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتذرت في وقت سابق بالنيابة عن المحققين الذين أصروا في البداية أن الضحايا كانوا متورطين مع المافيا التركية، لكن حكومة ميركل لم تقم بشكل فعلي بوقف ازدهار اليمين المتطرف في البلاد، وإنما التغاضي عن انهاء المحاكمة بسرعة، لتصبح قضية العصر بالنسبة للشارع الألماني، مما زاد من تنامي الحركات العنصرية اليمينية مثل حركة الهوية، وحركة مواطني الرايخ مؤخراً.
غموض في قضية مقتل الشرطية الألمانية
نفذ كلاً من بونهاردت وموندلوس وشابيه سلسلة عمليات قتل سياسية، وبالرغم من الإجراءات المتلكئة للمحكمة إلا أنها قدمت بعض الاكتشافات حول طريقة عمل وكالة الاستخبارات الألمانية التي أدت لاتهام بأن بعضاً من عناصرها غض الطرف أو ساعد تلك المجموعة. وأشار جورج بكين أن عدم رغبة الدولة في فحص الارتباطات المزعجة لجرائم القتل التي ارتكبتها مجموعة (إن إس أو) واعتبارها سلسلة من الحوادث المؤسفة فحسب، شيء مثير للدهشة والحزن.
وقالت السيدة باربرا جون في المؤتمر الصحفي: “مقتل الشرطية ميشيل، كان بسبب رغبة الجناة بالحصول على سلاحها”، هذا ما استنكره بكين قائلاً: “أظن أنه من الأسهل الحصول على السلاح من السوق السوداء عن طريق الإنترنيت بدل قتل شرطية، لكن ربما كان لديها معلومات أكثر مما ينبغي”وأضاف: “إنها قضية غامضة”.
العدالة وحقوق الإنسان على المحك
أهمية المحاكمة أكبر بكثير من مجرد معرفة ما إذا كانت شابيه على علم أم لا بجرائم القتل تلك أو أنها ساعدت أو خططت لها مع الآخرين، وإنما علق الكثير من الأشخاص آمالهم على هذه المحاكمة، فأُسر الضحايا يريدون العدالة، والجاليات المهاجرة ترغب بمعرفة درجة الأمان المتوفرة لهم في بلد يدعي حماية حقوق الإنسان، بينما من المهم للناشطين السياسيين معرفة مدى تورط المخابرات الألمانية في القضية.
استقال في عام 2012 رئيس جهاز الاستخبارات الألمانية هاينز فرومان من منصبه، لسوء إدارته للتحقيقات المتعلقة بهذه القضية، وفي الوقت الراهن لا يحق لأحد من استدعاء ملفات وكالة الاستخبارات التي تحتوي أدلة مهمة حول قضايا القتل التي ارتكبتها تلك المجموعة.
أقامت شميكين هذا المعرض سابقاً في مدينة دريسدن، وهي من أكثر الأماكن التي يتواجد فيها اليمين الآن، محاولة تسليط الضوء على شناعة الجريمة، وتحفيز الحوار بين الأوساط الشابة فقد تم العرض في متحف التاريخ العسكري للجيش الألماني.
قد يكون المعرض حجرة في البنيان الواجب العمل عليه من قبل الجميع، بدأت شمكين عملها كمصورة منذ منتصف السبعينيات وهي من المصورات الألمانيات العالميات، وتهتم من خلال أعمالها بمعرفة الواقع بمستوياته المختلفة.
أمل برلين | تقرير: أملود الأمير – تصوير: أنس الخبير