في خطوة غير مسبوقة، دشنت ألمانيا يومًا وطنيًا جديدًا باسم “يوم المحاربين القدامى”، احتفل به لأول مرة أمس (15 يونيو 2025). الفعالية لم تكن مجرد احتفال رمزي، بل حملت مؤشرات قوية على تحوّل في العلاقة بين الجيش والمجتمع، بعد سنوات من الفتور والبرود السياسي والاجتماعي تجاه من خدموا في القوات المسلحة.
إعادة الاعتبار: رسالة سياسية بـ 10 ملايين مستهدف
وفقًا لوزارة الدفاع الألمانية، يقدَّر عدد المحاربين القدامى – النشطين والسابقين – في البلاد بأكثر من 10 ملايين شخص، من ضمنهم 180 ألف جندي بالخدمة خاليا. وأكثر من 8.5 مليون خدموا سابقًا، سواء كمتطوعين أو جنود مهنيين أو مؤقتين. وقالت رئيسة البوندستاغ، جوليا كلوكنر، التي رعت الحدث في برلين: “هذا يوم تأخّر كثيرًا. لقد افتقرنا طويلًا للاعتراف العام بخدمة الجنود وتضحيات عائلاتهم”. وأضافت أن الخدمة العسكرية “أرهقت كثيرين نفسيًا وجسديًا، وبعضهم لا يزال يعاني من آثارها”.
احتفالات مركزية في هامبورغ وبرلين: أمن مشدد وغضب!
في ساحة Rathausmarkt وسط هامبورغ، رقّي 400 طالب من جامعة Helmut-Schmidt إلى رتبة ملازم، بحضور وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، وعمدة المدينة بيتر تشينتشر. ووصف بيستوريوس أفراد الجيش بأنهم “جزء لا يتجزأ من المجتمع، وضمانة لأمن ألمانيا وأوروبا”. لكن، رغم الطابع الاحتفالي، منع عدد كبير من المحاربين القدامى من دخول محيط الاحتفال بسبب قيود أمنية مشددة. وأفادت NDR أن عشرات الحضور أوقفوا عند الحواجز الأمنية، وأُبلغوا بأن دخولهم غير معتمد، رغم حملهم دفاتر الخدمة الرسمية، ما أثار استياءً واسعًا في صفوفهم.
تظاهرات ضد العسكرة: ألمانيا منقسمة حول رمزية الحدث
على بعد أمتار من المراسم، تظاهر نحو 250 شخصًا رافضين ما سموه “عسكرة المجال العام”. النائب عن حزب اليسار في برلمان هامبورغ ديفيد ستوب، قال لـNDR: “نحن لا نحتج على الجنود، بل على منطق التسلّح الذي لا نهاية له. التسلّح يستفز الخصوم، ولا يحقق السلام”. يعرف حزب اليسار الألماني بمواقفه المعارضة للعسكرة والإنفاق الدفاعي المرتفع. وقد بلغت ميزانية الدفاع الألمانية في مشروع موازنة 2025 نحو 72 مليار يورو، مقارنةً بـ50.4 مليار عام 2021، ما يجعلها الأعلى في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
معرض “الجرحى”.. عندما تروي الصور ما لا تقوله التصريحات
في مبنى البوندستاغ، افتتح معرض الصور الفوتوغرافية “الجرحى – إرث الحرب” بعدسة الفنان الكندي برايان آدامز، الذي صوّر جنودًا ألمانًا أصيبوا بإعاقات دائمة خلال مهام خارجية في أفغانستان والبلقان، أو أثناء التدريب داخل ألمانيا. المعرض يوثق الأثر الجسدي والمعنوي العميق للخدمة العسكرية، ويظهر المعاناة الشخصية كإرث مستمر للحرب، بعيدًا عن المجد العسكري المجرد.
مستقبل الحدث: احتفال رمزي أم بداية تحول ثقافي؟
أقِرّ يوم 15 يونيو يومًا رسميًا للمحاربين القدامى بموجب تصويت برلماني عام 2024، على أن يحتفل به سنويًا في عطلة نهاية الأسبوع الأقرب إلى التاريخ. ووفق القائد العسكري في هامبورغ، كورت ليوناردس، فإن الهدف هو جعل حضور العسكريين في الوعي المدني “أمرًا طبيعيًا”. بما أن الجيش تابع للبرلمان – أي أن نشره في المهام الخارجية لا يتم إلا بموافقة البوندستاغ – فإن المسؤولية تقع على البرلمانيين لمرافقة هذا التحول مجتمعيًا وقانونيًا. في المحصلة، ما جرى في يونيو 2025 هو أكثر من احتفال. إنه محاولة لتغيير النظرة المجتمعية إلى من خدموا في الظل. وفي بلدٍ تهيمن عليه ذاكرة الحربين العالميتين، يصبح هذا الاعتراف محاولة خجولة لكنها جادة لتجاوز عقدة الماضي، دون التخلي عن الحذر التاريخي الألماني من أي تمجيد للعسكرة.
نداء للقراء: هل خدمت في الجيش الألماني؟
في سياق متابعتنا المستمرة للتحولات داخل المؤسسة العسكرية الألمانية، نبحث عن شهادات شخصية من أفراد ينتمون إلى خلفيات مهاجرة عربية، ممن التحقوا بالجيش الألماني أو لا يزالون يخدمون فيه. إذا كنتَ أو كنتِ من هؤلاء، وترغب في مشاركة تجربتك، نرجو التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني التالي: info(at)amalberlin.de
نضمن السرية الكاملة واحترام خصوصيتكم، بما في ذلك إخفاء الهوية عند الطلب