Foto: Privat
15/06/2025

الجبين: لن تستقر سوريا بالرماد السياسي ولا بالمجرمين المعاد تدويرهم

في لقاء يتّسم بالجرأة والوضوح، نحاور الكاتب والإعلامي السوري المقيم في ألمانيا إبراهيم الجبين، المعروف بمقاربته النقدية العميقة للواقع السوري، ورؤيته بين التجربة الشخصية والسياق السياسي العام. في هذا الحوار، يتحدث الجبين عن سوريا ما بعد الأسد، عن التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة، وعن مدى استعداد المجتمع والسلطة لخوض تجربة سياسية ودستورية جديدة. لا تخلو إجاباته من النبرة التحذيرية والواقعية، لكنها أيضًا تتضمن فسحة من الأمل ومسؤولية مثقّف لا يتخلى عن دوره، رغم حملات التشويه والضغط.

– كيف تقيم الوضع السياسي الحالي في سوريا، وما هي التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد؟

الوضع السياسي في سورية يتحوّل في هذه الأوقات، وما يزال التغيير جارياً، فهو لم ينته ويستقر بفرار بشار الأسد، وإنما دخل طوراً جديداً يستند بشكل أساسي على كيفية تعبير الإدارة السورية الجديدة عن طبيعتها ومشروعها، الذي لا يكفي إبراز جوانبه الاقتصادية ودوره الجديد الإقليم، بل يتوجب معرفة توجهات السلطة حيال قضايا الحياة السياسية السورية المقبلة، والديمقراطية والحريات وهذه الاستحقاقات ما تزال غير مختبرة حتى هذه اللحظة.

لكن هذا لا يقع على عاتق السلطة وحدها، وإنما يُنتظر من المجتمع السوري اكتشاف وتأطير دوره الجديد. التحديات كبيرة جداً في الداخل، بدءاً من الاحتياجات الأساسية ووصولاًً إلى نشوء عقد اجتماعي جديد يرمّم ما خلفه الاستبداد. وأبرز التحديات اليوم هو إدراك مكانة سورية من جانب الإدارة الجديدة، خاصة ونحن نشهد اليوم زوال الثقل الإيراني بعد بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران لتصفية ليس فقط البرنامج النووي، بل للقضاء على مشروع دولة الولي الفقيه فيها وخلق واقع جيوسياسي جديد، وأهم ما يجب استخلاصه من هذا المشهد هو تعزيز “محور دمشق” الذي يربط ما بين عواصم الخليج جنوباً وأنقرة شمالاً، وأيضاً عدم استنساخ نظام شبيه بنظام خامنئي في سورية.

– ما هي تأثيرات أحداث الساحل على علاقة الأقليات مع الحكومة الجديدة؟ وما رأيك بطريقة تعاطي الحكومة الجديدة مع ما جرى؟

برأيي أحداث الساحل كانت اختباراً هاماً وجدت إدارة الرئيس أحمد الشرع نفسها بمواجهته، فهي من جهة أمام خطابها السابق، ومن جهة أخرى أمام مسؤوليتها كدولة لكل مواطنيها، حتى المتورطين منهم في جرائم الأسد بأن تضمن لهم محاكمة عادلة، إن ثبتت عليهم الاتهامات. طبيعة أحداث الساحل التي ابتدأت بتمرّد من فلول الأسد وتفاقمت لتصل إلى جرائم طائفية مدانة، وانتقامات من مدنيين، عكست انعدام قدرة الحكومة على السيطرة، لا الأمنية المباشرة، وإنما بمعناها الشامل الاجتماعي والقانوني والإداري. وربما يكون ما يجب أن تستخلصه الإدارة من ذلك هو أن مهمتها ليس فقط بسط السيطرة الأمنية على المحافظات السورية، وغياب هذه الاستحقاقات يفتح الباب أمام حملات التحريض الممتبادلة.

– ما هي أكثر حملات التحريض شيوعًا ضد سوريا؟

الحملات التحريضية عادة ما تستهدف الخواصر الضعيفة في المجتمعات، ومن تلك الخواصر في المجتمع السوري “الطائفية” و”العنصرية”.

– ما هو الدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الرأي العام في سوريا، وهل كان له تأثير على سياسات الحكومة؟ وما هي أهمية الصحافة الحرة في المجتمع، وكيف يمكن حمايتها؟

دور الإعلام هو الأخطر والأكثر تأثيراً، إن تم توظيفه في الاتجاهات الصحيحة، وبإرادة حرّة، نحو تشكيل الرأي العام، وصناعة الحدث، وعدم الاكتفاء بكونه مرآة للواقع. أما الصحافة الحرة فهي معيار تقدّم وتحضّر المجتمعات من وجهة نظري، ومن خلالها يمكن معالجة مشكلات المجتمع، أو خلق وابتكار مشكلات وتناقضات قد تكون مفيدة وجدلية وتحدث فارقاً كبيراً في حياة الناس وهي التي تحميهم.

-كيف ترى دور الكاتب والصحفي في المجتمع، خاصة في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية؟

في الأزمات قليلون من الكتاب والصحفيين نرى لديهم الاستعداد لمواجهة تبعات مواقفهم والحملات التي يمكن أن تشنّ عليهم أو المقاطعة التي قد تفرض عليهم من السلطات.

– كيف يمكن مواجهة حملات التشويه في سياق الحروب والصراعات؟ وهل لديك تجربة شخصية مع مثل هذه الحملات، حدثنا عنها وكيف تعاطيت معها وهل أثرت عليك؟

خلال سنوات عملي في الحقلين الثقافي والإعلامي واجهت العديد من حملات الترهيب، بعضها لا مبرّر له سوى محاولة عرقلة مسارك المهني، بتناول حياتك الشخصية وأسرتك (دون استثناء الأطفال من ذلك). وبعض تلك الحملات كان على شكل إجراءات عقابية، كتلك التي تعرّضتُ لها طيلة عملي لسنوات في دراسة ونقد وتحليل الحركات الإسلامية المتشددة، مما قبل القاعدة إلى داعش والنماذج المشابهة، وفي تلك الفترة بلغت التهديدات التي وصلتني عبر الإيميل ووسائل التواصل إلى درجة التهديد بالقتل والأذى الجسدي، وتم تصويري حينها على أني عميل للغرب وللأقليات.

وفي مرحلة ما تعرّضت لحملات طائفية بسبب انتقادي لمطالبة البعض بحماية الإقليات، وكان ذلك خلال سنوات الثورة، فتم تصويري على أني جهادي سلفي سنّي متطرّف! وحين طرحت مشاريع للتفكير والبحث في شكل الدولة والاستفادة مما سميتها وقتها “الاتحادية الجغرافيا في ظل دولة مركزية سياسياً لا مركزية إدارياً” شنّ علي البعض حملة تتهمني بالانحياز إلى الأكراد. وحين طرحت مشروع “تحالف عربي ديمقراطي” وحرصت على الكشف عن جرائم قسد، شنّ علي بعض الأكراد حملات عنصرية وصلت لاتهامي بأني بعثي وداعشي!، وبلغ بهم الأمر إلى المداومة على تهديدي بأني سألقى مصيراً أسود، وهذه التهديدات كانت تصلني يومياً وبغباء شديد ومن أناس يعيشون في ألمانيا، يعني لو فكّروا قليلاً سيدركون أن هذه التهديدات هي جرائم يحاسب عليها القانون بأشد العقوبات.

عموماً الحملات التي واجهتها كثيرة، وأكاد لا أخرج من حملة إلا لأواجه حملة جديدة، فبعد أتباع قسد، بدأت حملة من أتباع الهجري الذين اعتبروني تكفيرياً معادياً للدروز! ويذكّرني البعض بأني طالبت بدراسة المؤلفات الفلسفية لابن تيمية وأن هذا هو الدليل علي كوني تكفيرياً! وحين بادرت وانتقدت الشرع بعد أسبوع واحد من سقوط نظام الأسد، وقلت إنه يجب أن يتوقف عن التقاط السيلفيات ومقابلة التيكتوكرات ويتفرّغ لإصدار إعلاني دستوري ينظم البلاد ويسد الفراغ الدستوري، شن بعض محبّيه المتعصبين عليّ حملة واسعة مليئة بالشتائم والتنمّر.

 - كيف تجد طريقة تعاطي أوروبا مع الحكومة الجديدة، خاصة في ظل القرارات الجديدة التي تتعلق باللجوء ولم الشمل؟

أعتقد أنه من المبكر أن يتخذ الأوروبيون خطوات تضيق على اللاجئين في هذا الوقت الذي لم تشهد فيه سورية بعد تحسناً يذكر في الظروف المعيشية.

– كيف تؤثر الأوضاع الحالية في سوريا على السلم الأهلي خاصة الآن بعد التطورات الأخيرة؟

السلم الأهلي تصنعه العدالة الانتقالية والمحاسبة، لا اللف والدوران وتعطيل الإعلان الدستوري وعقد الصفقات مع المجرمين بدل محاسبتهم.

– هل هناك آمال في تحقيق استقرار دائم في سوريا؟

لا أقول إن هناك أملاً في تحقيق استقرار دائم في سورية، بل أثق أنه سوف يتحقق، وذلك لضرورات سكانية ومجتمعية وأمنية محلية وإقليمية.

Amal, Berlin!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.