Foto: Privat
09/06/2025

بين الحلم والواقع.. حكاية لمى عن العودة إلى سوريا!

لطالما راود الكثيرين فكرة العودة إلى سوريا – إلى المدن التي نشأوا فيها، إلى العائلات التي تركوها، إلى الذكريات التي لم تغادرهم. حتى أواخر عام 2024، لم يكن هذا الأمر ممكنًا، بل لم يكن حتى قابلًا للنقاش! أما اليوم، أصبحت سوريا وطنًا جديدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى..

كثيرون يخططون حاليًا لزيارة سوريا بعد سنوات من الهجرة، بعد أن كانت فكرة العودة مجرد حلم مؤجل، مشروط بسقوط الديكتاتور المجرم بشار الأسد ونظامه الأمني المافيوي. لكن، وقبل العودة، لدى هؤلاء أسئلة عديدة مرتبطة بالذكريات، والخوف من الرجوع إلى مكان لم يبقَ لهم فيه شيء سوى الذكريات. ذكريات تتراوح بين صور جميلة لوطن ضائع وشعب يستحق الأفضل، وأخرى مظلمة ومؤلمة عاشها السوريون في الداخل كما في الشتات.

وبوصفي صحفيًا يخطط للعودة قريبًا ضمن فريق “أمل” في إطار مشروع صحفي سيستمر لشهرين في مدينة دمشق – وهو مشروع سبق أن نشرنا عنه على صفحاتنا – شعرت بمسؤولية البحث والاستفسار أكثر حول هذه التجربة، من خلال من عادوا مؤخرًا، ولو في زيارة قصيرة، لأفهم مشاعرهم وأتمكن من بناء صورة تقريبية عن الوضع الحالي، وعن ما ينبغي عليّ أخذه في عين الاعتبار في هذه المرحلة الجديدة التي يسودها التفاؤل والحذر معًا.

للإجابة على سؤال “كيف يشعر من عادوا؟”، تواصلت مع زميلتي وصديقتي لمى، وهي إعلامية سورية من مدينة درعا، قدمت إلى ألمانيا عام 2015، وبدأت هناك حياة جديدة، واجهت فيها تحديات البدايات، إلى أن حصلت على الجنسية الألمانية في عام 2021.

بين الحلم والواقع: حكاية لمى عن العودة إلى سوريا

زارت لمى سوريا في أبريل من هذا العام عبر الحدود اللبنانية، وبدأت حديثها بجملة قالت فيها: “وجدت أنني أستطيع العيش في سوريا مرة أخرى، بعدما أصابني اليأس لسنوات من مجرد التفكير في العودة.”

تصف لحظاتها الأولى في سوريا بأنها كانت صادمة ومليئة بمشاعر لا يمكن وصفها، بسبب حجم الدمار الهائل والمناطق الواسعة من الأبنية المهدمة كليًا. كانت لحظة صمت بالنسبة إلى لمى التي لم تتمكن حتى من معالجة مشاعرها، فتقول: “لم أرغب أن يكون ما رأيته شيئًا عابرًا. لا أريد أن أنسى، ولا يجب أن ننسى ما حدث في هذا البلد، ومن كان السبب. سوريا لم تعد كما نعرفها. الأشخاص الذين كبرنا معهم لم يعودوا موجودين، وشكل الأماكن تغيّر بالكامل”.

الانتماء الضائع والغربة المركبة

“الشعور العام هو الفراغ، وعدم الانتماء لأي مكان.” في دمشق، شعرت لمى بأنها زائرة غريبة. ومع أن الناس هناك كانوا يبدون ترحيبًا عامًا بالجميع، إلا أنها لم تتمكن من الشعور بالانتماء، فتقول إن السوريين مرهقون للغاية، ويخافون من أبسط الأمور، ويفكرون في أمور لم نعد نكترث لها هنا في ألمانيا، مثل الحذر عند المشي في الشارع واختيار الطرق الآمنة، إضافة طبعًا إلى الأمور المتعلقة بالبنية التحتية المتهالكة. تذكر لمى كيف أن الناس، وفي كل مرة تنقطع فيها الكهرباء – بعد ساعة ربما من التغذية أو ساعتين – يشتمون كل ما هو مرتبط بهذه المؤسسة، بدءًا من شركة الكهرباء ووزارة الطاقة، وصولًا إلى بشار الأسد وعائلته، الذين أوصلوا السوريين إلى هذا المكان.

الهدف من الزيارة: إعادة الارتباط

هدف لمى من الزيارة كان إعادة الارتباط بالمكان: “أردت أن أعيد ارتباطي بسوريا، لقاء العائلة والأصدقاء والأماكن. كان هناك الكثير من الأشخاص ممن أردت رؤيتهم مجددًا، ولكن إما أنهم غادروا، أو لم يسعفني الوقت”.

عند مغادرتها لسوريا، شعرت أنها ترغب بالبقاء لوقت أطول، لأن سوريا هي مكانها والمكان الذي تعرف كيف تتعامل معه بشكل جيد: “أريد تذكر كل شيء، وأريد بناء تجارب جديدة هناك رغم أنني أدرك صعوبة الأمر من كل النواحي. عند مغادرتي لسوريا، كنت أرغب في البقاء لوقت أطول. شعرت أنني أنتمي لهذا المكان، وأريد أن أنتمي إليه من جديد. أردت أن أتذكر كل شيء، وأن أعيد تكوين الذكريات، رغم أنني أعلم أن هذا مستحيل.”

أكثر ما لفت نظرها هو بساطة الناس وطريقتهم العفوية في التعامل، خصوصًا في الأسواق، فتقول إنها كانت معجبة ببساطة الناس، والترحيب الحار من التجار والبائعين. يستخدمون أساليب متعددة لإقناعك بالشراء، ويبذلون مجهودًا كبيرًا ليستمروا. والأهم من كل شيء، أنهم يتحدثون لغتها العربية: “كنت قادرة على فهم كل شيء هناك، حتى التعابير المجازية. على عكس ألمانيا، حيث لا زلت أجهل الكثير لغويًا”.

بعد سقوط النظام: شعور نسبي بالراحة

خلال رحلتها، كانت تسأل الناس عمّا إذا كانوا مرتاحين وعن رأيهم بالوضع الحالي: “منذ سقوط نظام الأسد، بدأ الناس يشعرون براحة نسبية. رغم أن الوضع الاقتصادي ما يزال سيئًا، لكنهم يشعرون بأنهم يستطيعون التحدث دون خوف، ومن دون تهم. لم يعد أحد يخاف من الاعتقال أو الإخفاء القسري. الجميع مرحّب به في سوريا، وهذا هو الشعور العام. يخبرني أصدقائي الآن أن الموازين انقلبت، وأن أغلب الأحيان تسير أمورهم في الدوائر الحكومية بسلاسة. لا يخلو الأمر من بعض الإشكالات، ولكن لا مقارنة طبعًا مع ما كان سابقًا”.

الوجه الآخر للواقع: فوضى وخدمات منعدمة!

كانت سوريا دائمًا بلدًا يستقبل السياح ويحتفي بهم، فليس غريبًا أن تجد فنادق ساحرة وراقية، والخدمة ممتازة، والشعب السوري مضياف جدًا.
لكن على مستوى إيجارات المنازل، فهي باهظة جدًا، وقد لا تتوفر أدنى الخدمات في المنازل المؤجرة “كلوح صابون في الحمام مثلًا”!

نصائح للمغتربين: جهّز نفسك

تنصح لمى السوريين الراغبين بالعودة تجهيز أنفسهم نفسيًا: “قد ترى أشياء أقسى مما تتخيل. الأحلام التي في رأسك، المرتبطة بالأشخاص أو بالأماكن أو بطريقة الحياة.. قد لا تجدها كما كانت. يجب أن تأخذ معك مالًا كافيًا، لأنك لا تستطيع سحب المال هناك من بطاقة البنك. وكن جاهزًا لتدفع كثيرًا، لأن بعض المنتجات أغلى من ألمانيا”!

مفاجأة شخصية: يمكنني أن أعيش هناك مجددًا

تقول لمى إنها كانت تظن أنها تأقلمت جيدًا في ألمانيا وأغلقت ملف العودة إلى سوريا، لكن الآن الأمر اختلف: “تعلمت أنني يمكن أن أعيش في سوريا مرة أخرى. كنت أعتقد طوال الوقت أن ذلك مستحيل، لكنني اكتشفت أنني أستطيع – بشرط أن يكون مصدر دخلي من خارج سوريا. الغلاء غير طبيعي”.

الهوية الجديدة: لمى المستقلة

كثير من السوريين في ألمانيا قاموا بإعادة تكوين هويتهم من جديد، فعشر سنوات ليست بقليلة، حيث تغير الكثير في هذا الوقت، حتى في كيفية تعريفنا لأنفسنا: “في سوريا، كنت أعرّف عن نفسي بابنة فلان، أو كطالبة في هذا الفرع أو تلك الجامعة. اليوم، أعرّف عن نفسي كـ لمى، المرأة المستقلة التي تملك قرارها بالكامل”.

عن العودة النهائية: حديث مبكر

تقول لمى إنه من المبكر الحديث عن عودة نهائية إلى سوريا. ما يزال السوريون في الداخل يرغبون بالخروج، ووجودها في ألمانيا يمكن أن يساعد أكثر من عودتها الآن: “نحن نرى اليوم عودة الكثير من السوريين بشكل طوعي، ونرى كيف أن المخيمات بدأت تفرغ بشكل تدريجي، إلا أن الدعم المادي من الخارج ما يزال مطلوبًا، والمشاكل تختفي بشكل تدريجي، ولا يمكن لها أن تختفي دفعة واحدة. قد أعود إذا توفر لي مصدر دخل من الخارج، وأعيش في سوريا، أو أساهم في إعادة الإعمار. لكن لا يمكن الاعتماد على الدخل المحلي في الوقت الحالي”.

انطباع شخصي: العودة كبداية جديدة

انطباعي الشخصي هو أن السفر إلى سوريا بالنسبة لكثير من السوريين، مثلي ومثل لمى، هو رحلة بحث عن بداية جديدة لنا أيضًا هناك.
هي عودة إلى المكان الذي بدأت فيه قصصنا كسوريين. قصصنا التي حيرنا بها العالم في تعقيدها.
هي عودة لرؤية الأصدقاء مجددًا، والأهل، والأقارب.
هي عودة للماضي في نفس الوقت.

وأنت/ي؟

ماذا تعني لك/ي العودة إلى سوريا؟
هل زرت/ي سوريا مؤخرًا بعد سقوط النظام؟
هل كانت زيارتك مثلما تخيلت؟ أم حملت مفاجآت وأحزان لم تكن في الحسبان؟

يسعدني أن أسمع قصصكم وتجاربكم..
يمكنكم مراسلتي شخصيًا على إنستغرام، أو مباشرة عبر ترك تعليق يظهر اهتمامكم بمشاركة تجربتكم!

Amal, Berlin!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.