Jehad Alshrafi/AP/dpa
22/05/2025

 كارثة إنسانية في غزة وسط تحرّك أوروبي متأخر وصمت ألماني

وسط تحرّك أوروبي وصمت ألماني ما تزال غزة تعيش منذ أشهر واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث. الغارات الجوية الإسرائيلية لا تتوقف، والعمليات البرية امتدت إلى عمق القطاع. بينما تتزايد أعداد القتلى يوماً بعد يوم، من المدنيين، وبينهم عدد كبير من الأطفال. تواصل إسرائيل إعلان توسيع عملياتها.

بينما تحذر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان من خطر المجاعة الجماعية، وتتهم إسرائيل بـ”استخدام التجويع كسلاح حرب”. وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. أما الوضع الميداني، فقد بات يشبه مشهداً من الأطلال: أحياء كاملة مدمّرة، بنية تحتية منهارة، وغياب شبه تام للخدمات الأساسية.

مساعدات إنسانية.. في الطريق ولا تصل

رغم إعلان الحكومة الإسرائيلية عن فتح المعابر لإدخال شاحنات المساعدات، فإن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة. دخلت عشرات الشاحنات عبر الحدود، لكن الأمم المتحدة أكدت أن معظم هذه المساعدات لم تصل إلى المدنيين حتى الآن. والسبب عراقيل بيروقراطية، وغياب التصاريح، وبقاء الشحنات في مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية.

في اليوم الثاني بعد “فتح” المعابر، دخلت 93 شاحنة. لكن التقديرات الأممية تشير إلى أن غزة تحتاج ما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات. منظمة “أطباء بلا حدود” اعتبرت ما يحدث “مجرد مسرحية علاقات عامة”. واتهمت تل أبيب بمحاولة التستر على أزمة التجويع بدلاً من إنهائها فعلياً. وتبرّر إسرائيل عبر ادعاء غير مؤكد بأن حماس تسرق المساعدات على نطاق واسع. الأمر الذي نفته أولغا تشيريفكو، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة (أوتشا) في غزة في لقاء مع صحيفة Spiegel: “هذا ادعاءٌ سخيف. لقد أدرنا ونسقنا بأنفسنا 35% فقط من إجمالي شحنات المساعدات خلال وقف إطلاق النار. وبالنسبة لهذه النسبة، يمكننا القول بيقين إن حماس أو أي جماعة أخرى لم تحوّل أياً منها على نطاق واسع”.

أوروبا تغيّر لهجتها: مراجعة الشراكة مع إسرائيل

وسط هذه الأوضاع، شهد الموقف الأوروبي تحولاً لافتاً. في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ببروكسل، أيّدت أغلبية قوية من الدول الأعضاء مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، والتي تشترط احترام حقوق الإنسان كأساس للتعاون. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أوضحت أن هذه المراجعة ضرورية في ظل الاشتباه بانتهاك إسرائيل للمبادئ الأساسية للاتفاقية.

الدعوات الأوروبية لا تقتصر على انتقادات لفظية. فرنسا، بريطانيا، وكندا هدّدت باتخاذ إجراءات عقابية إذا لم تتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ولم تسمح بدخول المساعدات فوراً. حتى دول مثل هولندا، التي تُعرف تقليدياً بمواقفها المؤيدة لإسرائيل، أيدت وقف تمديد اتفاقات التعاون، في خطوة تعد سابقة.

التمسك الألماني بالصمت والدعم التقليدي

في هذا المشهد المتغير، تبرز ألمانيا كواحدة من الدول القليلة في أوروبا التي ترفض اتخاذ موقف عملي تجاه الحرب على غزة. ورغم أن المستشار فريدريش ميرتس عبّر عن “قلق بالغ” حيال الوضع الإنساني، فإن هذا القلق بقي حبيس التصريحات، دون خطوات ملموسة تعكسه.

يمثل ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، طموحاً معلناً لتوسيع دور ألمانيا في السياسة الخارجية، إلا أن موقفه من غزة كشف حدود هذا الطموح. فبينما تتحرك عواصم أوروبية لمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، اختار ميرتس، ومعه الحكومة الألمانية، نهج الصمت والدعم غير المشروط، مكرراً الالتزام التاريخي بأمن إسرائيل، ولو على حساب المبادئ الإنسانية والقانون الدولي.

رفضت ألمانيا الانضمام إلى الدعوات الأوروبية لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، متمسكة بحجة “الحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة”. لكن هذا الموقف يواجه انتقادات متزايدة من الداخل والخارج، حيث ينظر إليه بشكل متزايد كغطاء سياسي للانتهاكات، لا كخيار دبلوماسي مسؤول. وبهذا، تُقوِّض ألمانيا مكانتها كشريك فاعل في تحالف أوروبي يسعى إلى توازن بين دعم إسرائيل ومحاسبتها عندما تتجاوز الخطوط الحمراء.

ازدواجية المواقف وتهديد لمصداقية أوروبا

التباين في مواقف العواصم الأوروبية، خصوصاً بين برلين وبروكسل، يهدد وحدة الموقف الأوروبي تجاه القانون الدولي وحقوق الإنسان. بينما تسعى أغلب الدول إلى الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل، تصر ألمانيا على الانكفاء خلف “المسؤولية التاريخية”، ما قد يؤدي إلى تقويض مصداقية أوروبا الجماعية في قضايا الصراع والعدالة الدولية.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يواصل العالم مشاهدة غزة تنزف بينما يُدار الصراع كملف دبلوماسي؟ أم أن ضغط الشعوب والمنظمات الدولية سيجبر الحكومات، ومنها ألمانيا، على التحرك قبل فوات الأوان؟

المصادر باللغة الألمانية: المصدر الأول والثاني 

Amal, Berlin!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.